العدد 1982 - الجمعة 08 فبراير 2008م الموافق 30 محرم 1429هـ

خلفيات قلق موسكو من طهران وأبعاده

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إعلان نائب وزير الخارجية الروسي الكسندر لوسيوكوف عن قلق بلاده «من محاولات الإيرانيين تطوير قدرات صاروخية يصل مداها إلى أكثر من أربعة آلاف كيلومتر» شكّلت مفاجأة غير محسوبة في تطوّر العلاقات الثنائية بين موسكو وطهران التي شهدت نموا ملحوظا منذ سبع سنوات على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والتقنية.

هذا الإعلان ربط المخاوف الروسية من محاولات إيران صناعة صواريخ بعيدة المدى بنقطتين: الأولى «تعزيز الشكوك بنيات طهران حيال صناعة أسلحة نووية»، والثانية «منح أميركا ذريعة قوية لتبرير نشر الدرع الصاروخي في أوروبا الشرقية». وترافق الإعلان الذي ربط القلق الروسي بمسألة الصواريخ من إيران إلى تشيخيا وبولندا مع ثلاث خطوات مهمّة اتخذتها موسكو في الآونة الأخيرة باتجاه طهران. الأولى إسراع الكرملين في تزويد إيران بتلك الكميات الكبيرة من الوقود النووي المتفق عليها لتشغيل محطة بوشهر في نهاية السنة الجارية. الثانية طرد المندوب الروسي المكلّف بمتابعة بحث الملف النووي مع الجانب الإيراني واستبداله بآخر. الثالثة إبداء موسكو مرونة في مجلس الأمن باتجاه الموافقة على تمرير مشروع قرار دولي جديد ينصّ على فقرات تشدد الضغط على إيران.

الخطوات الثلاث ليست متعارضة. فالأولى أظهرت حسن نية بعد تردد وتأخير من الجانب الروسي. ولكن الإسراع في تسليم الكمية الضخمة المتفق عليها أشار إلى وجود حساسية بين الطرفين دفعت بالجانب الروسي إلى «التخلّص» من الوعد لقطع الطريق على طهران ومنعها من التذرع بالتلكؤ في تزويدها بالوقود لتبرير اتصالاتها مع أميركا. والثانية أظهرت وجود شكوك بالمندوب الروسي وعدم ثقة قيادة الكرملين بنشاطاته ومعلوماته الخاطئة وتقاريره غير الدقيقة.

والثالثة كشفت عن استعداد موسكو للموافقة على مسودة مشروع قرار ينصّ على فقرة (البند العاشر) تعطي الدول الكبرى حق القيام بدوريات في مياه الخليج وإيقاف سفن إيرانية وتفتيشها.

هذه الخطوات الثلاث لا تعني بالضرورة وجود نوع من المتغيرات الاستراتيجية في تعامل موسكو السياسي مع طهران. ولكن الخطوات تعبّر عن قلق في حال وضعت النقاط الأربع واحدة بعد الأخرى. فالنقاط إشارات سياسية ترسم خريطة في علاقات أخذ التوتر يؤثر على إمكانات نموها في المستقبل. فالخطوات ترسل إشارات عن وجود مخاوف روسية من احتمال بدء طهران في نسج علاقات خاصة مع واشنطن انطلاقا من تلك الاتصالات الجارية في بغداد برعاية الحكومة العراقية. وهذا الاحتمال في حال حصل يشكّل تطورا خطيرا على الأمن القومي الروسي الذي تضعه قيادة الكرملين على رأس جدول أولوياتها الدولية.

كلّ هذه المخاوف تجدد فعلا طرح السؤال عن ماذا يحصل من وراء الستار بين موسكو وطهران؟ المؤشرات التي ظهرت حتى الآنَ على شاشة العلاقات السياسية بين الطرفين تدل على وجود قلق روسي من تلك الاتصالات الأميركية - الإيرانية بشأن الملف العراقي وغيره من نقاط حسّاسة في دائرة «الشرق الأوسط الكبير أو الصغير».

القلق الروسي لم يتطوّر إلى سياسة تؤكّد وجود نوع من الانقطاع. إلاّ أن موسكو حرصت في الفترة الأخيرة بإرسال إشارات تدل على نوع من العتب على مواقف إيرانية غير مريحة للأمن الروسي القومي. فالكرملين كما يبدو بات على عتبة قلق من الطبيعة السياسية لتلك اللقاءات «الفنية» و»التقنية» التي عقدت تباعا بين الطرفين الإيراني والأميركي في بغداد بإشراف حكومة نوري المالكي وإدارتها.

هذه اللقاءات شكّلت للقيادة الروسية بداية انتباه لوجود نوع من المفاوضات الدقيقة التي قد تؤدي إلى صوغ صفقة سياسية ستكون في النهاية على حساب الأمن القومي الذي تحرص قيادة الكرملين على صونه بعد أنْ أبدت تخوفها مرارا من وجود خطة أميركية على تطويق روسيا بالقواعد العسكرية من كازاخستان وأوزبكستان وأفغانستان شرقا إلى أوكرانيا وتشيخيا وبولندا غربا.

هذا الخوف من احتمال نجاح واشنطن في إحاطة روسيا الاتحادية بحزام من القواعد العسكرية تنتشر في طوق يلف الحدود من الشرق والجنوب والغرب أظهرته موسكو مرارا وأبدت رفضها له وهددت أكثر من مرة باللجوء إلى القوة الصاروخية وربما استخدام أسلحة غير تقليدية لمنعه من الاكتمال.

الدرع الصاروخي

شكّل موضوع بناء قواعد صاروخية (الدرع) في دول أوروبا الشرقية بداية توتر دولي مع واشنطن أعاد إلى الأذهان ذكريات «الحرب الباردة». وأطلقت موسكو بمناسبة عزم الولايات المتحدة على نشر صواريخها في المجال الحيوي الجغرافي لروسيا سلسلة تصريحات ومواقف جددت رفضها لهذه الخطوة. وشكّل الرفض الروسي بداية تشقق في العلاقات المتأزمة نسبيا بين موسكو وواشنطن.

وحين حاولت إدارة جورج بوش توضيح الأسباب التي أملت على البيت الأبيض اتخاذ قرار نشر الصواريخ في دول الجوار الأوروبية الشرقية رفضت موسكو القبول بتلك الذرائع التي ربطت المسألة بتطوّر صناعة الصواريخ الإيرانية.

تذرعت واشنطن بطهران لتبرير مشروع نشر الدرع الصاروخي ولكن موسكو ردّت على الفكرة بالتأكيد على موضوع أمن روسيا القومي ورفض الكرملين القبول بخطة عسكرية تنتهي بتطويقها من كلّ الجهات.

القلق الروسي من الدرع الصاروخي تطوّر لاحقا إلى نمو علاقات خاصة مع إيران لكون الأخيرة تشكل زاوية استراتيجية مهمّة تقع على خاصرة حدودها الجنوبية. وبما أنّ طهران هي العاصمة الوحيدة التي لا تتمتع بعلاقات دبلوماسية مباشرة مع واشنطن لجأت موسكو إليها بصفتها تشكل تلك الثغرة السياسية التي تعطل على البيت الأبيض إمكانات تطويق حدودها من مختلف الجهات.

راهنت روسيا على إيران لما تتمتع به من موقع جغرافي استراتيجي يلف خاصرتها الجنوبية من أفغانستان وتركمنستان شرقا مرورا بحوض بحر قز وين وصولا إلى العراق وتركيا واذربيجان وارمينيا شرقا. فهذه الحدود مهمّة وتشكل تلك المعابر الحيوية التي تحتاج إليها روسيا الصاعدة اقتصاديا والعائدة دوليا؛ لتلعب دورها السياسي بعد غياب دام 15 سنة تقريبا.

إيران أيضا اعتمدت على روسيا وطلبت مرارا مساعدتها التقنية في تطوير برنامجها الصاروخي فضلا عن تعزيز قدراتها في تخصيب اليورانيوم وتشغيل محطة بوشهر النووية لإنتاج الطاقة السلمية. كذلك اعتمدت طهران على موسكو في التصدّي لتلك السياسة الأميركية الهادفة إلى عزل إيران من خلال إصدار قرارات عن مجلس الأمن تشكل نقاط ارتكاز دولية للضغط على الجمهورية الإسلامية.

لعبت الثنائية الروسية - الإيرانية دورها المعقول في تعطيل الكثير من الخطوات الأميركية وخصوصا في مجالي الأمن القومي والعقوبات الدولية. وأدّت تلك الثنائية إلى نمو نوع من التوافق المصلحي بين الطرفين ساهم في تعزيز التقارب السياسي في مجالات حيوية تعتبرها موسكو مهمة لمنع واشنطن من استكمال خطة التطويق (بناء حزام من القواعد العسكرية). كذلك ساهم التقارب في تخفيف الضغوط الأميركية على إيران وإفشال الكثير من الخطط التي استهدفت تأخير مشروع التخصيب النووي السلمي.

المفاجأة الآنَ أنْ موسكو أبدت قلقها من تقنية «الصواريخ» ومشروع «التخصيب» واتجهت نحو التشكيك بنوايا إيران وعدم ثقتها بالسياسة التي تتبعها في المجالين المذكورين. هذا التطوّر السلبي لا يمكن له أنْ يظهر وبهذه السرعة من دون وجود أسباب توجب إعلانه. فموسكو التي أسست علاقات جوارية جيّدة مع طهران بناء على دعمها في تقنية الصواريخ ومشروع التخصيب لا يمكن لها أنْ تنقلب على النقطتين إذا لم تكن على علم وبيّنة تثير مخاوفها من الطبيعة السياسية لتلك اللقاءات «الفنية» و«التقنية» التي تكرر عقدها في بغداد. فهذه التقاطعات الإيرانية - الأميركية التي تمظهرت في ذاك التعايش بين نفوذ طهران واحتلال الولايات المتحدة للعراق دخلت كما يبدو في نقطة أثارت قلق موسكو من احتمال توصل الجانبين إلى تفاهمات تتجاوز حدود بلاد الرافدين وتشكل بالتالي ذاك الخطر الأمني على حدود روسيا المكشوفة جنوبا من البوابة الإيرانية. وفي حال توصلت واشنطن إلى عقد صفقة مع طهران تحت سقف التفاوض بشأن الملف العراقي تكون الولايات المتحدة قد نجحت فعلا في تطويق روسيا الاتحادية بحزام أمني (قواعد عسكرية) من كل الجهات.

القلق الروسي لم يذهب بعيدا في هذا الاتجاه ولكنه أثار أسئلة ليست بسيطة تنطلق من مخاوف لها صلة مباشرة بالأمن القومي وتلك الحدود الجيو - سياسية التي تتلاقى بقوة على شواطئ حوض بحر قزوين الغني بالثروة النفطية. القلق ليس عنيفا حتى الآنَ ولكن مجرد الإعلان عنه عشية استعداد دول مجلس الأمن لمناقشة مشروع قرار جديد بشأن تشديد العقوبات على إيران يرسل إشارة إلى وجود نوع من السلبية بدأ يطرأ على العلاقات الثنائية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1982 - الجمعة 08 فبراير 2008م الموافق 30 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً