العدد 1982 - الجمعة 08 فبراير 2008م الموافق 30 محرم 1429هـ

الحكومة واستعداؤها المعارضة

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

هل ستنجح الحكومة في توفير الحماية والأمن والأمان لأحد الوزراء من العائلة المالكة في الوقت الذي تطارده وتلاحقه الكثير من الأسئلة عما يقال عن «تورطه في الكثير من القضايا، وامتلاك الشارع والجمعيات السياسية من الوثائق والمستندات ضده»، في الوقت الذي لايزال القضاء لم يبرئه من عدة تهم منسوبة إليه ولايزال التحقيق جاريا، ولايزال الشارع يسأل ويتساءل بشدة عن نتائج التحقيق، ولاتزال الكتلة البرلمانية التي تمثل المعارضة داخل المجلس النيابي تصر على استغلال حقها الدستوري في جره إلى منصة الاستجواب، ولاتزال المطالبات الشعبية من خلال الجمعيات السياسية أيضا بمحاكمته.

أمام هذه الإرهاصات السياسية والمطالبات الشعبية نجد الحكومة تحاول جاهدة أن توفر له الحماية المفرطة من خلال تدوريه وتحويله من وزارة إلى أخرى ومن منصب رسمي إلى آخر، على رغم أن الحكمة تتطلب منها أن تظل بعيدة عن هذا الملف؛ لكيلا تتهم هي الأخرى بالتواطؤ معه، بل كان لازما عليها أن تتعامل معه بحذر كبير، ولكن ما يحصل حاليا لا يُفَسَّر إلا بتفسير واحد فقط لا غير هو محاولة الحكومة أن تستعدي المعارضة وترسخ جذور المد الحكومي.

لا أظن من الحصافة السياسية أن تقدم الحكومة على خطوة جريئة كهذه. فالمبايعة للوزير من جديد، وتجديد الثقة، والمغازلات السياسية وخصوصا التي تتزامن مع كل مرة تفتح فيها جبهة الاستجواب لوزير شئون مجلس الوزراء سابقا ووزير الاتصالات حاليا الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة تمثّل قفزة خطيرة جدا من شأنها أن تؤدي إلى الكثير من الأزمات السياسية وحدوث تصادمات سياسية أخرى بين السلطات الحاكمة والسلطة التشريعية، وخصوصا أن هناك إصرارا كبيرا ومستمرا من قِبل أكبر كتلة في البرلمان على استجواب الوزير في أكثر من قضية ولأكثر من ملف. فهناك تهم تتعلق بالفسادين المالي والإداري وقيادته مخططا طائفيا يضر بالحركة الإصلاحية في البلد، حسبما قيل.

مع ذلك نجد تحركا أسرعَ من قِبل السلطة الحاكمة يتجه إلى إنقاذه من الاتهامات الموجهة إليه من خلال تجديد المبايعات وتجديد الثقة وإيكاله وزارات جديدة يتسلم حقيبتها.

إذا ما تأملنا جيدا في المشهد نجد أن السلطة هي الأخرى خائفة من تحرك الكتلة. وبمجرد استجواب الوزير فستكون الحكومة هي الأخرى في خطر أكبر - على رغم علمها أنها تستطيع إحكام عملية استجوابه من عدمه لتحكمها بالمفاصل الأساسية بالكتل - لا يكفيها التحكم في عناصر المشهد ومكوناته، بل يعتبر إصرارا أكبرَ على تحريك الرأي العام وتوجيهه من خلال تكليفات وتعيينات جديدة من جهة، وتسخين جبهة شعبية أخرى مؤيدة ومقتنعة قناعة كبيرة بضرورة الاستجواب وأهميته وتحريكها من جهة أخرى.

الموقف يعبر عن انفصام واضح في السلطات وتناقضات أوضح في التوجهات والرؤى والقناعات. لا تلام السلطة في مواقفها معه؛ فهو أحد أفراد عائلتها، يسيئها ما يسيئه ويضرها ما يضره وتحاول أن تدافع عنه بأي شكل وإن كانت تؤذي نفسها بذلك. حمايته تعني حماية السلطة والحكومة. وأية إدانة عليه لها انعكاساتها السلبية على الحكومة التي منحته أكثر من مرة الثقة.

براءته في القضاء لا تعني أن الملف سيطوى وهذا ما تحاول الحكومة التمهيد إليه، إذ إن الشارع وذاكرته الحديد ستظل تتذكر على الدوام الملف والنتيجة. لا نستخف بذاكرة الشارع فهو قادر على استرجاع الحقائق والمعلومات واستظهارها في حينها فهو لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وسجلها في سجله الخاص ولا دخانَ بلا نار وهذه قناعته الأولية فما بالكم بوثائقَ ومستندات تداولتها وتناولتها الأيدي وانتشرت انتشارا رهيبا ومدققة أيضا.

المغازلات السياسية باتت خطيرة وتمثل تحديا آخرَ علينا أن نواجهه؛ لأنه يتعارض كثيرا مع التوجهات الإصلاحية، ويعرقل الإنجازات الوطنية، بل باتت سيدة الموقف في الكثير من الأحيان ويترتب عليها آثار لا يمكن إهمالها بل أصبحت هي المتحكمة في مصير البلاد والعباد. فالبرلمان لا يستطيع أن يأخذ الحقوق بسبب المغازلات، وأصبح الوضع بحاجة إلى إنعاش ولن يتحقق إلا من خلال فهم أنفسنا أولا وفهم الآخر ثانيا، ومد الجسور المفقودة؛ لتفادي حدوث أزمات سياسية تعصف بنا في كل اتجاه.

قلناها مرارا وتَكرارا ونحتاج إلى ترديدها وتأكيدها: لا بد من حوار جاد من قبل السلطة؛ لأن «التطنيش» سبّب الكثير من الاحتقانات والتقرحات المحتاجة إلى تضميد وعلاج فوري من خلال فتح أبواب الحوار.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1982 - الجمعة 08 فبراير 2008م الموافق 30 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً