العدد 1982 - الجمعة 08 فبراير 2008م الموافق 30 محرم 1429هـ

تخلّي الزوج عن دوره سببا رئيسيا: ...نكد الزوجات آفة عصرية تهدد المجتمع

الغيرة، الاكتئاب، ضعف شخصية الزوج، والملل المسيطر على حياة الزوجات، كلّها أمور تقف مسئولة وراء سيطرة «النكد» علي العلاقة بين الزوجين، هذا العرض الاجتماعي المرضي الذي سرعان ما يصرع سعادة الأزواج ويتوطن في البيوت لتتحوّل إلى جحيم لا تطفأ فيه أبدا نار الخلافات الزوجية، بعد أنْ كان عش الزوجية يرفرف عليه الحب بنعومته وحلو مذاقه، فإنه عندما ترتفع الأصوات ويتوقف العروسان قليلا أمام باب عشهما؛ لتلقي التهاني وسماع عبارة «بالرفاء والبنين» يسر كلّ منهما للحظات ليتخيل تلك الحياة الناعمة الهادئة مع الآخر.

يتخيّل العروسان في هذه الأوقات الحالمة أنهما لن يشتبكا في مشاجرة عنيفة مثلا يحتاجان معها لتدخل خارجي.

لكن للأسف هذا ما يحدث مع البعض بعد أن تمر الأيام ليتبدل الاستقرار بالفوضى وتتكرر المشكلات، ويصبح «النكد» ضيفا دائما ثقيل الدم على الأسرة الصغيرة، وتمتد أصابع الاتهام؛ لتشير نحو الزوجة، تحملها مسئولية هذا «النكد» دون أن نفكر ولو للحظة واحدة أنّ الزوجة مثل الزوج تماما، تتأثر بالمحيط الاجتماعي وطبيعة العلاقات السائدة وتتأثر أيضا بأداء الزوج في المنزل، ودون أنْ نفكر أنّ هذا «النكد» مسئولية الرجل قبل المرأة، والمطالب «دائما» بإبداء المزيد من التفهم كي تنقشع الغمة ويعود الهدوء للمنزل.

يقول أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر محمد شعلان: العناد من المركبات الأساسية لنفس المرأة، لذلك تكثر الخلافات الأسرية بين الزوجين، فالتحدي المتواصل يخلق رد الفعل الغاضب لدى الطرف المقابل، وغالبا ما يدعم تمسك المرأة بعنادها، توهمها بأنّ زوجها «ديكتاتور»، يريد إخضاعها وتسخيرها لتنفيذ أوامره، وهذا الأمر ناتج عن تأثر الفتاة بقيم المجتمع، التي فرضت شكلا ثابتا لسطوة الرجل، وخضوع المرأة له بالضرورة فانعكس الأمر على معتقدات المقبلات على الزواج، لذا فهنّ يبادرن بالهجوم، قبل أنْ يقعن فريسة للظلم والتحكم الموهومين، فمن الطبيعي أنّ كلّ الرجال ليسوا مخلوقات شرسة، تسعى إلى اضطهاد المرأة لذلك نلاحظ انخفاض معدلات المشكلات الزوجية داخل الأسرة الأوروبية عنها في مثيلتها العربية، لعدم انتشار هذه الأفكار النمطية، في المجتمعات الأجنبية فكلّ من الزوجين يسارع لإسعاد الآخر، لذلك تستمتع هذه الأسر بالاستقرار وتقل فيها نسب الطلاق.

ويؤكد شعلان أنّ أحدث الدراسات أثبتت تزايد المشاجرات الزوجية، في الفترة التي تعقب عودة الزوج من عمله مباشرة؛ لأنه يعود متعكر المزاج بسبب عناء العمل، وفي حاجة للراحة والهدوء، ولا يمتلك طاقة، للنقاش في الأمور الأسرية التي تبادر بها الزوجة فور دخوله المنزل، وبالتالي يضحي من العسير، تنظيم التصريفات في إطار من الهدوء، والتفاهم مما يعقد الموقف، ويجعل من الزوجة كائنا «منغصا للحياة».

مخزون اللا شعور

ويفسّر أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر عادل المدني ظاهرة ازدواجية تعامل المرأة مع زوجها والآخرين بقوله: تتحول بعض النساء مع أزواجهنّ إلى شخصيات قاسية، تفتقر إلي الحنان، والعذوبة، وعلى العكس تماما تكون طبيعتهنّ مع الأفراد الآخرين غير أزواجهنّ، إذ يتحولن إلي كائنات رقيقة كلّها بهجة وتسامح، وتلتمس الأعذار للغير وفي بعض الحالات تقف كراهية الزوجة لزوجها وعدم احترامها له، وراء سلوكها الناقم تجاهه، فهي إمّا تزوجته رغما عنها، نتيجة لإلحاح الأهل، أو بسبب تسرعها في قبوله، والخطأ في الحكم عليه، فاكتشفت بعد الزواج حقيقته، ومن ثم تتحوّل عن شخصيتها المعهودة، ولا تهتم بمشاعره، أو تعتني بما يغضبه أو يفرحه، وعلى العكس تتعامل مع المحيطين بود واضح، لأنها لا تكره أحدا منهم.

ويضيف: وفي أحيان أخرى، يدور صراع نفسي بين الزوجين، لا يفطن إلى أسبابه أيّ منهما، فدوافعه مخزونة في «اللاشعور» وقد تكون منها رغبة أيّ من الزوجين في فرض سيطرته على الآخر، أو غيرته من النجاح الذي حققه، سواء كان الأمر يتعلق بالزوج أو الزوجة، لأنّ النتيجة واحدة، وهي كثرة المشاجرات والمعارك الزوجية، التي يسقط الزوج ضحيتها فيصبح عرضة للأمراض النفسية والعضوية، ويصاب حينها بالإحباط والاكتئاب، وضغط الدم وكذلك قرحة المعدة والقولون العصبي، وذلك بعد أن تنتابه الحيرة في الإزدواجية التي تتعامل بها زوجته معه مقارنة بالآخرين.

ويشدد علي أن حالات الزوجات تتدرج في الخطورة، فبعهضا يتتطور لمرتبة المرض النفسي، الذي يتطلب علاجه عرضا فوريا على الطبيب المختص، ومتابعة دقيقة لاستجابة المريض، أمّا في الحالات البسيطة، فتكفي جلسة مواجهة بين الزوجين، يصارح فيها الطرفان بعضهما بعضا، بما يؤرق البال، ومايتمنى أن يراه في شريك الحياة، ويتعاهدان على التغيير، والبداية بشكل جديد.

فقدان الأمان

ومن جانبها ترى أستاذة علم الاجتماع بجامعة المنوفية إنشاد محمود أنّ ميل المرأة إلى النكد، يعكس حالة من فقدان الأمان الاجتماعي، والشعور بالقلق تجاه المستقبل فتلاحظها في حالة توتر دائم ومراقبة للأحداث؛ لأنها تخشى أن تفاجئها الأيام، بما لاطاقة لها به، فتقف عاجزة عن المواجهة، لذا فالمرأة تسارع بمحاربة كلّ ما يقابلها، حتى لا تشعر بالضعف أو العجز.

وترجع آثار هذا السلوك غير السوي إلى خروج المرأة للعمل، وبقائها لفترات طويلة خارج المنزل بعيدا عن الأبناء، فأسهم هذا من ناحية، في زيادة الضغوط النفسية عليها، وشعورها بالتشتت بين أعباء الوظيفة، وهموم الأبناء، ومتطلبات المنزل، فصبت جام غضبها على الرجل، أو الزوج، الذي اعتبرته سببا، لما هي فيه، فلولا عجزه عن سد احتياجات أسرته، لما اضطرت هي للخروج إلى العمل، وإرهاق نفسها.

ومن ناحية أخرى يؤثر عمل الأم في نزوع أبنائها، إلى العنف والعصبية، فيخرج جيل متعطش للحنان والحب، باعتبار أنّ الأم هي النبع الأوّل لهما، وفي ظل غيابها تضيع هذه المعاني، ومعها الأمل في إيجاد نفسيات قويمة، بعيدة عن الخلل العصبي والنفسي.

وتضيف إنشاد، هناك عوامل أخرى تؤدي للنتيجة ذاتها وهي زيادة عصبية المرأة، كتلوث الجو، والزحام والضوضاء، ومعاناة الفئة الغالبة لنساء المجتمع من هذه الظروف، وفي مقابل إطلاعهنّ على مظاهر الترف والرغد، التي يتمتع بها آخرون، من خلال شاشات التليفزيون، وتعقد لحظتها المقارنة بين ما هومتاح لهنّ، وما ينعم به ويرفل فيه الآخرون، فتزداد معاناة هؤلاء النسوة، وتسوء ردود أفعالهنّ، ويصبحن في حالة تحفز دائم لمهاجمة الآخرين.

ويرى عدد من المتخصصين في الطب النفسي أنه أحيانا يكون المرض النفسي هو العامل الأساسي لميل الزوجة إلى الانفعال الدائم، فالسلوك الطبيعي تتعدد محطاته، مابين انفعال وانبساط حزن وسعادة، قلق وهدوء وكلّ منها ترتبط بدوافع نفسية تحرك هذه الأحاسيس، التي تزول فور انتهاء أسبابها، أمّا الشخص الذي يعاني من سيطرة العصبية على معظم سلوكه بصفة مستمرة، فهو مصاب إمّا بالاكتئاب أو الوسواس، أو المرضين مجتمعين.

وقالوا إنّ الفرد الاكتئابي، تحكم علاقاته الإنسانية «نزعة النرجسية»، والأنانية، فدائما ما ينتظر الحب والعطف من المحيطين، دون أن يسعى لتبادله، أو منحه للآخرين، لأنّ الأهم عنده هو أنْ يتلقاه، فهم في نظره مصدر للإشباع النفسي، ولن يتهاون معهم، إذا قصروا في واجبهم تجاه هذا الشخص المريض، حتى إنْ كان تصرفهم مدعما بحجج منطقية، أو لأسباب قدرية، وهنا يبدأ في التمرد، واصطياد الأخطاء للطرف الآخر، والتهويل من قدرها.

وأشاروا إلى أنّ إصابة المرأة بالاكتئاب ترجع لثلاثة أسباب، أوّلها العامل الوراثي، حيث توجد مجموعة من الأمراض النفسية التي تنتقل عبر الأجيال الأسرية بالوراثة كالبارانويا والاكتئاب، ولا يرتبط ظهور المرض بعمر معيّن وإنما يصبح الإنسان عرضة للإصابة به في أي وقت.

وقالوا إنّ المرأة «الموسوسة» أو الشخصية «الوسواسية» دائما تطمح إلى الكمال والمثالية في كلّ شيء، وتتمنى، بل وتفرض علي المحيطين، دقة تنظيم الأمور، لذلك فهي كائن مرهق، وتؤمن بصوابها القاطع وتوقع الآخرين في الفوضى، وتتحوّل إلى آلة لإفراز «النكد» «وتتزايد المشكلات داخل المنزل فهي تراه مقصرا لايراعي ما يسعدها ويحزنها، وهو يتخيّلها خلقت خصيصا لإتعاسه وتقييد حريته.

براكين ثائرة

وتتهم أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة سامية الجندي الزوج بأنه سبب رئيسي في تلك المشكلة قائلة: ضعف الزوج يفتح المجال لتسلّط الزوجة، التي ترفض استسلامه وخضوعه، وطالما اقترنت أحلام المرأة بالفارس الذي يستطيع حمايتها، ويجبرها على احترامه، والثقة في قوة شخصيته ثم تفاجأ بأنه زوج ضعيف فيزيد من جبروته بهدوئه، ورضاه عن أفعالها، وبعكس ما يتصوّره البعض من استمتاع المرأة بمزاولة هذه التصرفات، فداخلها يمتلئ بالبراكين الثائرة علي هذا الرجل، ليس بغرض الإيذاء أو التعذيب وإنما لرغبتها أن يتمرد، ويثور ويفعل مثل باقي الرجال، وأحيانا يستغرب الزوج أمر زوجته، أيكون هذا جزاء معاملته بالحسنى؟ كيف لايتوافق رد فعلها مع سلوكه المحب؟ وللأسف لا يدرك أنّ الفرق شاسع بين المعاملة الطيبة وإظهار مشاعر الحب، وبين الذل والضعف اللذين تكرهما المرأة في الرجل بصفة عامّة، فما الحال إذا مع زوجها الذي تتمناه دون رجال الأرض؟

وتؤكد أنّ المجتمع العربي في حاجة إلى وجود عيادات أكثر للاستشارات الأسرية والزوجية، كما هو الحال في دول أوروبا، تعكف علي استقبال الأزواج الذين يجدون العائلية ما يدعو للقلق والمشكلات، فتقوم هذه المراكز من خلال الإخصائيين بمناقشة الأزمة مع الزوجين والتوصل إلي حلول ترضيهما، عن طريق الاستعانة بأحدث المناهج النفسية والاجتماعية، التي ظهرت حديثا، وأثبتت نجاحها، بعد تجربتها علي قطاع كبير من عينات البحث على أنْ تكون خدمة هذه العيادات، في متناول الجميع، ولاتقتصر على أصحاب المال والصيت، والفكرة في ذاتها تكبيرلدور الاختصاصي النفسي أو الاجتماعي في المدارس،ولكن باستخدام منهج أكثر تنظيما للمتغيرات، وبدلا من اقتصار خدماته على طلاب المدرسة، تمتد لحي بأكمله مثلا، وهكذا.

خطأ مشترك

وتقول أستاذة علم الاجتماع بجامعة الزقازيق هدى زكريا: تتحوّل الحياة داخل المنزل إلى جحيم لا يُطاق، عندما تزيد غيرة الزوجة على القدر المعقول، الذي يركز مشاعر الحب ويحافظ عليها من الانطفاء، وأما إذ اتخطت الغيرة حدود العقل، وأصبحت مرادفا للشكوك وعدم الثقة، فإنها تنذر باقتراب النهاية، وتصاعد الصدمات الزوجية، خصوصا إذا حجمت المرأة من انطلاق زوجها، واستباحت كلّ خصوصياته، فهو يكره أنْ يكون محاصرا، وفي الوقت نفسه لا يرضى عن عدم ثقة زوجته فيه، ومعاملته كأنه مذنب، ومجرم تتحيّن هي الفرصة لتثبت شكوكها فيه.

وتشير إلى أنّ الغيرة تتحوّل إلى وسيلة تملأ بها الزوجة مساحات الفراغ في حياتها، فليس أمامها سوى الزوج، الذي تجعله شغلها الشاغل، تدقق في أبسط تصرفاته، وتفسّرها وتفتش في حاجياته، وتتبع أخباره عن بعد، وهذه المرأة غالبا ماتكون سيدة منزل، سريعا ما تنتهي من واجباتها الأسرية، ولاتجد بعد ذلك ما تفعله، وعلى العكس تكون المرأة العاملة، التي تخرج إلى المجتمع وتكوّن علاقات عديدة، فتقسم حياتها بنسب محسوبة على مسئولياتها ، كما أنّ احتكاكها بالحياة والبشر المختلفين، يساعدها في تفهم علاقات زوجها في إطارها الصحيح، بعيدا عن التأويل الخاطئ، والشك الزائف.

وتشدد على أنه بما أن المرأة ضعيفة ولا تستطيع التحكم في أعصابها،والسيطرة على انفعالاتها، فإنها تترجم شعورها بالملل لزوجها، الذي يشعر بالمشكلة ذاتها، ولكن دون تهويل من حجمها كما تفعل هي، ويحملها مسئولية هذا الخلل الذي تتهمه بإحداثه، لأن الزوجة من وجهة نظره، هي ربان سفينة الزوجية والمتحكمة في دفتها.

وتخلص سوسن إلى أن تسرب الفتور إلى الزوجين، خطأ مشترك بينهما، لايعقل أنْ يتحمل مسئوليته أحدهما دون الآخر، والحل في الاهتمام بالتفاصيل التي يعتبرها الزوجان، شيئا من الرفاهية، وكماليات المعيشة، ولكنها في الحقيقة روح الأسرة السعيدة، ومفتاح التجدد، كالاحتفال بأعياد الميلاد، على شرط لم شمل الأسرة، أو التنزه الأسبوعي أثناء العطلات.

العدد 1982 - الجمعة 08 فبراير 2008م الموافق 30 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً