العدد 1981 - الخميس 07 فبراير 2008م الموافق 29 محرم 1429هـ

زلزال لجنة «فينوغراد»

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في كيان العدو زلزالٌ يضرب من جديد مع نشر لجنة «فينوغراد» تقريرها بشأن الحرب الإسرائيلية على لبنان، وإقرار «إسرائيل» بهزيمتها وخيبة أملها الكبيرة والخطيرة، وتأكيدها أنَّ الحرب انطلقت بقرار إسرائيلي مسبق، واعترافٌ كامل من العدو بأن مقاتلي المقاومة استطاعوا الصمود وإنزال الهزيمة بأكبر قوة في المنطقة.

وإننا أمام ذلك، وأمام هذا الاعتراف الإسرائيلي التاريخي بأن العدو قد دخل فعلا في عصر الهزائم والتراجعات، من خلال عمل جهادي لبناني وعربي وإسلامي، وصل إلى درجة الإبداع، ندعو الجميع في العالم العربي والإسلامي إلى الوقوف مليا أمام هذا المنعطف، الذي يدلنا على أن إخلاص النيات كفيل بتمكين الأمة من أن ترسم من خلال ما حدث في هذه الحرب، الخطوط التفصيلية لهزيمة وجودية لـ «إسرائيل».

وإننا أمام هذه المناسبة، ندعو اللبنانيين جميعا إلى اعتبار ذلك نصرا لهم جميعا، وإن تباعدت خطوطهم السياسية وغير السياسية، لتكون هذه المسألة بمثابة المحطة الحاسمة التي تعيد الجميع إلى صوابهم، وتقودهم إلى التأكيد أن خيار المقاومة ومواجهة العدو هو الخيار الأسلم والأجدى... وليكون ذلك منطلقا لعودة اللحمة الداخلية إلى هذا البلد الصغير الذي استطاع أن يلحق هزيمة منكرة بأعتى قوة في الشرق الأوسط.

وإذا كانت المقاومة أنجزت التحرير بالجهاد والتضحيات، فإن الشعوب المستضعفة الأخرى، وبسبب ظروفها، لاتزال تأمل أن يكون مجلس الأمن الدولي موقعا دوليا، يؤكد في قراراته العدل السياسي والاقتصادي والأمني في الدفاع عن المظلومين والمضطهدين في العالم، ولاسيما دول العالم الثالث التي تتضمن العالمين العربي والإسلامي، كما كانت تأمل أن يكون ذلك من خلال دراسة المشكلات الصعبة القاسية التي تُفرض عليها من قبل الدول الاستكبارية، ولاسيما مواقع العولمة الاقتصادية التي تمثل أكثر الدول غنى، والتي تخطط في مؤتمراتها لتزيد الأغنياء غنى والفقراء فقرا.

ولكن القانون الذي يحكم هذا المجلس الدولي، ركز في نظامه عضوية الدول الكبرى بشكل دائم، من أجل الحفاظ على مصالحها الحيوية الاستراتيجية، وسيطرتها القوية على الشعوب الفقيرة المستضعفة، بحيث تدفع بالقرارات في المواقع التي تخدم أوضاعها على حساب أوضاع تلك الشعوب، حتى انها تمارس عملية الضغط على مصالح الأعضاء الآخرين الذي يكملون جهاز المجلس، ليتوافقوا معهم في التصويت على المشروعات المطروحة من قبلها، الأمر الذي جعل هذا المجلس في قاعدته السياسية مجلسا للأمن القومي الأميركي وملحقاته... حتى الدول الأوروبية، كفرنسا وبريطانيا، اللتين تخضعان في الغالب للسياسة التي تفرضها الإدارة الأميركية. هذا إلى جانب الدول التي لا تملك التمرد على أميركا على أساس نقاط الضعف الكامنة في تكوينها السياسي والاقتصادي.

ولعل من أكثر مظاهر هذا الاجتياح الأميركي وحلفائه لهذا المجلس، الموقف من «إسرائيل»، فإن هناك رفضا دائما شاملا لأي قرار يدين الدولة العبرية في احتلالها لفلسطين، وفي مجازرها الوحشية على الشعب الفلسطيني، وفي إذلالها للمدنيين على معابرها، وفي مصادرتها للأراضي الفلسطينية لإقامة المستوطنات عليها للشعب اليهودي، وفي إقامة الجدار العنصري الذي يحول القرى والبلاد والأرض الزراعية الفلسطينية إلى سجن للفلسطينيين، فضلا عن تشريدهم من بيوتهم بطريقة المصادرة لها لحساب اليهود، كما يحدث في القدس.

قرارات غير متوازنة لمجلس الأمن

من جانب آخر، فإنَّ الإدارة الأميركية، وخصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، وضعت المقاومة الفلسطينية في دائرة الإرهاب، وعملت على محاربتها وإدانتها عبر مجلس الأمن في قراراته الظالمة، لتحاول أن تؤكد أن كل ما تقوم به «إسرائيل» من أعمال تدميرية وحشية، ومن إسقاطها لحقوق الإنسان، يمثِّل دفاعا مشروعا عن النفس.

وهذا ما يقوم به مجلس الأمن في المرحلة الحاضرة، في دراسته للمشروع العربي في قضية الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، بإغلاق المعابر بينها وبين الضفة، بحيث تمنع وصول الأغذية والأدوية ومصادر الطاقة التي تغذِّي الكهرباء ووسائل النقل ومواقع الصناعة للشعب الفلسطيني، في عملية تجويع وترويع وإظلام للمدنيين كافة. فقد تقدم العرب بمشروعهم لفتح المعابر وإعادة الحرية لنقل الحاجات الضرورية الحيوية للقطاع، ولكن المندوب الأميركي وقف وقفة عنيدة ظالمة لمنع إصدار قرار يفرض على «إسرائيل» الاستجابة للمطالب الإنسانية الضرورية في إعادة الحرية للشعب الفلسطيني في حاجاته الحيوية، لأنه يطلب من المجلس إصدار قرار حاسم ضد المجاهدين في الامتناع عن إطلاق الصواريخ ضد المستوطنات، لأن ذلك هو سبب القرار الإسرائيلي في إغلاق المعابر، ولكنه في الوقت نفسه، لا يطلب من المجلس إصدار قرار يمنع «إسرائيل» من قصف المدنيين بالصواريخ الأميركية بطائراتها المتطورة، ومن اغتيال قادة الانتفاضة واجتياح القرى والمخيمات، سواء في الضفة أو في القطاع. وهذا ما منع المجلس من إصدار قرار متوازن توافق عليه بقية الأعضاء، لأن أميركا التي تملك حق النقض (الفيتو)، ضد أي قرار لا ينسجم مع توجهاتها، ستستعمل هذا الحق الذي يمثل سيفا مسلطا على رقاب الشعوب المستضعفة في قضاياها المصيرية التي لا تلتقي مع السياسة الأميركية.

وربما تتحرك الإدارة الأميركية لتتمرَّد على المجلس إذا لم يوافق على سياستها، كما فعلت في احتلالها للعراق... ولم نجد هناك أي موقف عربي ضاغط للوصول إلى قرار إيجابي لمصلحة فتح المعابر بين الضفة وغزة، لأن العرب لا يملكون إرادة الموقف في مواجهة القرار الأميركي.

اجتماع القاهرة والمقاومة

أمَّا في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، فقد تأكد أن واشنطن كانت هناك، وأن العقاب على حرب يوليو/ تموز وانتصار المقاومة على «إسرائيل»، كان الدافع لواشنطن كي تضغط في أكثر من اتجاه لمنع المشاركة الفعَّالة في السلطة التي يفرضها الدستور والميثاق اللبناني القائم على الديمقراطية التوافقية لا العددية، ومن اللافت أن بعض المواقع الدينية والسياسية المسيحية التي كانت ترفض الحديث عن الديمقراطية العددية، وعن الاستفتاء الشعبي لانتخاب رئيس الجمهورية لإخلاله بالتوازن الطائفي، بدأت تتحدث في أجواء الأزمة عن الأكثرية والأقلية.

أمَّا في الموقع الذي تتمثل فيه حكومة العدو وحكومة السلطة الفلسطينية، فنلاحظ أن اللقاءات بين رئيسي الحكومتين لم يُحقق أية نتيجة إيجابية لمصلحة الشعب الفلسطيني في فتح المعابر من جهة، وفي الكفِّ عن الاغتيال في الضفة وغزَّة من جهة أخرى، وفي بعض قضايا الحلِّ النهائي، لأن «إسرائيل» تتصرف مع هذه السلطة بطريقة الضحك على الذقون وإضاعة الوقت، في انتظار بعض التطورات التي تتيح لها التفلَّت من التزاماتها في الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، استنادا إلى التأييد الأميركي المطلق في بقية ولاية الرئيس بوش، وفي الولاية الجديدة للرئيس المنتخب القادم ديمقراطيا أو جمهوريا، لأن «إسرائيل» هي أساس سياسة الإدارة الأميركية، ولأن العرب لا يمثِّلون أي ثقل في أية إدارة أميركية، ولاسيما مع مشروعات المحافظين الجدد، وفريق «إسرائيل» في أميركا.

لبنان: لغة الرصاص

أما في لبنان، فإن أول الكلام فيه هو الرصاص الذي ينطلق ردا على من يتظاهر مطالبا بحقوقه المدنية والشرعية، ليكون الرصاص الأمني والعسكري جزءا من الرصاص السياسي الذي ينطلق في التصريحات والمواقف السياسية، وقد رأينا أن البعض وضع التظاهرة المطلبية في سياق حالات الشغب التي لابد من مواجهتها.

إن العالم كله يشرِّع للناس اللجوء إلى التظاهر السلمي للاحتجاج على الأوضاع السلبية التي قد تنطلق من خلال سياسة هذه الحكومة أو تلك، حتى إذا تفاقمت الأوضاع، تدخَّلت السلطة من خلال خراطيم المياه أو الأساليب التي تحرص على حياة الناس، وقد رأينا في ضواحي العاصمة الفرنسية كيف أنَّ مئات السيارات أُحرقت، ولم يسقط متظاهر واحد برصاص قوى الأمن، ولم يصدر من السياسيين الفرنسيين والسلطات هناك أية مواقف تضع القضية في نطاق الصراع السياسي، أو أن تبادر إلى تصفية المتظاهرين واغتيالهم.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1981 - الخميس 07 فبراير 2008م الموافق 29 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً