«إننا لو لم ندمر الخشخاش، فإنه سيدمرنا، إن اقتراحات الإجازة القانونية لا يمكن أن تصمد حتى أمام فحص تحليلي متواضع». هذا ما صعق به الرئيس الأفغاني حامد كرزاي المجتمع الدولي في العام الماضي، متحدثا عن التحدي الذي تواجهه حكومته في نزاعها متعدد الأوجه مع زراعة الأفيون وتجارته. واليوم وبعد إنقضاء عام على نشر ذلك التصريح، يعود كرزاي من جديد كي يعترف بفشل الحكومة الأفغانية على هذا الصعيد، إذ يؤكد في مقابلة أجرتها معه محطة الـ «سي إن إن» الأميركية أثناء إنعقاد منتدى دافوس (يناير/ كانون الثاني 2008) بالقول «إن زراعة الأفيون، التي فشلت جهود القضاء عليه كافة، تموّل جزئيا حركة طالبان، التي دحرها الغزو الأميركي لأفغانستان نهاية العام 2001».
لكن كرزاي لا يقف وحيدا على منصة الإعتراف بفشل الحرب على الأفيون في أفغانستان، إذ يوصى تقرير دولي، بضرورة أن يقوم المجتمع الدولي باستثمار بأكثر من ملياري دولار في مشروعات تتعلق بالري والطرق وغيرها من مشروعات التنمية في الريف الأفغاني، لثني سكان هذه الدولة، التي نهشتها الحروب وأثقلت كاهلها، عن زرع الأفيون.
وفي ذلك التقرير الذي نشر الأسبوع الماضي، يرى البنك الدولي وإدارة التنمية الدولية التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها، أنه يمكن القضاء على زراعة الأفيون - العصب الرئيسي للتجارة في أفغانستان - فقط في حال توفر للمزارعين في الريف الأفغاني الفقير - والذين يشكلون الشريحة الأكبر للمجتمع -، مصادر دخل بديلة توفر لهم العيش الكريم. وجاء في التقرير «من بدون اقتصاد وتنمية قوية، فإن سبل مكافحة المخدرات لن تحقق أهدافها المستدامة».
ومن الخطوات التي اقترحتها الهيئتان الدوليتان في هذا الإتجاه تعزيز مشروعات التنمية الاجتماعية وتوسيع مشروعات الري وزيادة الاعتماد على الماشية ودعم المشروعات التجارية الصغيرة في الريف. وشملت الاقتراحات استثمارات تبلغ قيمتها 1,2 مليار دولار لتوسيع الأراضي المشمولة بنظام الري، و550 مليون دولار لتنمية المشروعات التجارية الريفية، و400 مليون دولار لتخطيط الطرق الريفية والبناء والصيانة، على أن تنفق هذه المبالغ خلال عقد من الزمان.
ولكن يبدو أن المشكلة طاحنة ومزمنة، ففي العام الماضي (2007) كشف تقرير للأمم المتحدة أن معدل الاستخدام العالمي للمخدرات ثابث عند مستوياته للعام الثالث على التوالي، فيما تزايد حجم الإنتاج الأفغاني من الأفيون بشدة. وكشف «تقرير مخدرات العالم للعام 2007» الذي يعده «مكتب مكافحة الجريمة والمخدرات» التابع إلى منظمة الأمم المتحدة، أن 200 مليون شخص - أي 5 في المئة من إجمالي سكان العالم من الفئة العمرية بين 15 و64 عاما - استخدموا المخدّر لمرة واحدة على الأقل خلال الـ 12 شهرا التي سبقت نشر التقرير، الذي قدر أن من بين تلك المجموعة قرابة 25 مليون شخص مدمن، وهو المعدل ذاته العام 2006.
ويدخل الحشيش «القنب» ضمن الإطار الواسع للمخدرات غير المشروع استخدامها، إذ يستخدمه نحو 160 مليون شخص حول العالم، وفق التقرير الدولي، الذي أشار إلى تناقص مستخدميه بصورة طفيفة، جراء استمرار تراجع استخدامه في أميركا الشمالية، وللمرة الأولى، كما شهدت أوروبا الغربية - أكبر أسواق المادة المخدرة، بعض التراجع.
وأشار التقرير أنه خلال الفترة ما بين عامي 2005 - 2006، استخدم نحو 25 مليون شخص المادة، لمرة واحدة، على الأقل، خلال العام 2006، وهو المعدل ذاته العام الذي سبقه. وظل إنتاج الكوكايين عند معدلاته، من دون تغيير، خلال العام 2006 مقارنة بالعام أو العامين السابقين. وأورد التقرير إن إنتاج أفغانستان من الأفيون في العام 2006 تزايد بنحو 50 في المئة من العام الذي سبقه، ليرفع الإنتاج العالمي من المادة إلى معدل قياسي جديد. وارتفع إنتاج أفغانستان من الأفيون - الذي يستخرج منه الهيروين - نحو 4500 طن العام 2005 إلى 6700 طن العام 2006، وفق التقرير.
وفي هذا السياق قال الرئيس التنفيذي للمكتب الدولي أنطونيو ماريا كوستا: « يتزايد السخط الشعبي من حقيقة أن زراعة الأفيون في أفغانستان خرجت عن نطاق السيطرة.. لم تؤثر استثمارات التحالف الاقتصادية والعسكرية بصورة ملموسة في هذا الشأن».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1981 - الخميس 07 فبراير 2008م الموافق 29 محرم 1429هـ