العدد 1981 - الخميس 07 فبراير 2008م الموافق 29 محرم 1429هـ

أصناف الناس والتمييز بين المسلم والإسلامي

الحركات الإسلامية والفكر المعاصر (11)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مَنْ هم الناس، وما هي أصنافهم؟ وكيف يراهم بعض المنظرين لفكر بعض حركات الجهاد والجماعات الإسلامية؟ وكيف يتم التمييز بين المسلم والإسلامي؟

يقسّم «أبوعبدالله» في مقال جاء تحت عنوان «في السياسة وفقه الواقع» الناس إلى «ثلاث مدارس رئيسية تفرع عنها من أخذ باثنين من هذه الأسباب ولم يكتمل الحال إلاّ لمن وفقه الله للأسباب الثلاثة». وحدد المدارس الثلاث كالآتي: «قوم جعلوا القوّة مقصورة على تصحيح الاعتقاد والالتزام بالسلوك (...) بلا جهد ولا نصب وطالبوا العقول أنْ تقبلها ونعتوا كلّ منكر لها بأوصاف الانحراف والضلالة والقصور».

«آخرون جعلوا القوة هي فهم الواقع وإدراك اللعبة السياسية المحلية والدولية والتحرّك في هامش المصالح بلا ضوابط من دين الله فنشأت مدارس للعمل الإسلامي أوصلت أصحابها للشرك والضلال أو كادت كلّ بحسب ممارسته».

«فريق ثالث ومعظمهم من الشباب المخلص ظنوا نتيجة عجز هؤلاء وأولئك أنّ القوة هي الرمي مع حظ ما من القوة الأولى وشبه جهل مطبق بالقوة الثانية فقدموا نماذج على الإخلاص وقوة الاستشهاد في إطار من الفشل المتكرر».

ويرى «أبوعبدالله» أن شباب الفريق الثالث «أكثر الفرقاء إخلاصا وأفهمهم قبولا وقربا من النجاة والنجاح». ويقترح «أبوعبدالله» على الشباب حتى يأخذوا حظهم بالنجاح أن يأخذوا من القوة الأولى «صحة المنهج والاعتقاد» ومن الثانية «فهم السياسة والواقع ليكتمل لهم المسار».

ويبدأ «أبوعبدالله» بشرح فكرته التي تجمع بين مناهج الفرقاء الثلاثة: صحة العقيدة والالتزام بالسلوك، فهم الواقع وإدراك اللعبة السياسية المحلية والدولية، والإخلاص والعمل والجهاد وقوة الاستشهاد. (الفجر، العدد 15، السنة الثانية، 1996. تصدر عن مركز الإعلام الإسلامي، الدانمرك).

يلاحظ من التقسيم المذكور أنّ فرزالناس يتمّ على أساس السياسة ومنهج الاعتقاد ولا يقيم أيّ أهمية للمصالح والعلاقات. وعلى أساس الفرزالعقائدي يظهر أنّ مجال الاختيار محصورٌ في دائرة ضيّقة يخرج منها كلّ مَنْ لا تنطبق عليه الشروط الثلاثة التي حددها «أبو عبدالله». فالديمقراطية غير واردة؛ لأنها أصلا لا تدخل في سياق التقسيم أوالاختيار بين الناس وفئاتهم.

هذا الغموض لانجده في مقال «مصطلح الثابت والمتغيّر في ميزان الأصول والواقع» كتبه الشيخ «أبوقتادة» ردّ فيه على كتاب صلاح الصاوي «الثوابت والمتغيّرات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر» الذي حاول أنْ يفسّراختلافات وخلافات الحركة الإسلامية في العمل الإسلامي مستخدما المنهج القرآني والسنة النبوية ومدارس الفقه.

اتهم الشيخ «أبوقتادة» الصاوي بأنه «تجاوزفي كلّ كتابه البحث عن التوصيف الشرعي لواقع الحكومات والدول التي تعيشها الحركات الإسلامية، وهو توصيف يجب الاتفاق عليه ويجب أنْ يكون من الثوابت؛ لأنّ هذا التوصيف متعلق بالثوابت والمحكمات في قضية الإيمان...».

ويردّالشيخ «أبوقتادة» على جعل الصاوي «مسألة الدخول في البرلمان والاشتراك في العملية الديمقراطية من باب المتغيرات ومن مجاري الاجتهاد التي يتفاوت الناس في تقديرها». ويؤكد أن هذه النقطة «من المسائل المختلف عليها بين الإسلاميين (...) وهو خلاف يدور بين موجب ومجوز ومانع، والمانع بين حاظر مؤثم ومكفر مضلل...».

ويشير الشيخ المجهول الهوية والعنوان إلى شروط الدكتور لدخول المجالس النيابية منها «الاجتناب والبراءة حتى يعلم قيامها على الإسلام والتزامها حالا ومقالا بسيادة الشريعة الإسلامية (...) والدعوة إلى هذا الأصل الجامع ونصرة الدين الحق وإقامة الحجة على المرتابين».

يسخرالشيخ «أبوقتادة» من شروط الصاوي إذ «كيف يمكن النائب في البرلمان أنْ يدخل هذا البرلمان بهذا الشرط؟» ويعلق «فهلا قلت لنا لا يجوز وكفى» لأنّ مثل هذا البرلمان غيرموجود. ويرى الشيخ «أنْ ما تقوم به على أرض الواقع جماعات العمل السياسي (...) هو استجابة واقعية (بغض النظر عن النية والقصد) لمطالب الجاهلية». (الفجر، العدد نفسه).

يلاحظ من قراءة الشيخ «أبوقتادة» أنه لا يرفض فكرة البرلمان بالمطلق لكنه يرفض البرلمانات القائمة حاليا ويهاجم القوة الإسلامية التي وافقت على الدخول بلعبتها على رغم علمها بجاهليتها، لكن الشيخ لا يحدد شروطه أو يرسم مواصفات البرلمان المقترح وهيئاته وأساليب انتخابه، ويرجّح أنه يرفض فكرة الانتخاب ويفضل مسألة الحشد.

يوزع الكاتب عُمرعبدالحكيم في مقال تحت عنوان «الحركات الجهادية... وعملية الحشد والتجنيد» المدارس الإسلامية السياسية على ست:

الأولى «الحركة التي يحب أصحابها أنْ يسمّوها الأم». ويسخر من حركة الإخوان التي تخلت عن شعاراتها السابقة وباتت تطرح الآنَ «الديمقراطية دستورنا، والبرلمان سبيلنا، والحصول على مقعد في وزارة طاغوت أسمى أمانينا».

الثانية «التجمّعات والمدارس التي رفعت شعار (أهل السنة والجماعة) وتبنت (منهج السلف) وانتمت حتى اسميا لهذا المسمّى الشريف (السلفية)». ويتهم قادة هذا التيار بأنهم تخلوا عن منهجهم وأصبحوا «عبّاد الشيوخ والأمراء (...) بعد أنْ سوّغ كبيرهم كلّ الموبقات وأبشع المؤامرات...».

الثالثة «طرحت نظرية تحتوي على كثير من جوانب الخير منهجا وتربية، منطلقين من تصحيح (الولاة والبراءة) والتركيز على توحيد الحاكمية لبناء (قاعدة صلبة) مؤهلة...»، ويتهم قادة هذه المدرسة بأنها تعيش «على جدالات (بيزنطية) ما تفتأ تدوروتعيد في حلقات البحث المجرد».

الرابعة «ترخصت وتوسّعت في طرح نظريتها على حساب أساسيات معتقدات هذا الدين الحنيف لتواكب مستوى الفهم والممارسات السياسية بزعمها وتعتمد التثقيف والتربية السياسية والواقعية أساسا لتعبئة قواعدها». ويرد عليها بأنها خرجت على «القرارالصائب والممارسة المجدية».

الخامسة وهم الذين اهتدوا «إلى أنّ الطريق هو (التبليغ والدعوة)». ويرى إذا ضربنا صفحا عن القصور والعوج في منهجهم من الناحية الشرعية والواقعية وجئنا لنقارن في زاوية الخير التي لديهم والنتيجة التي حصلوها (...) ونظرنا إلى عملية التبليغ والدعوة (...) لوجدنا أنّ الله هدى ببركات الجهاد (...) عشرات أضعاف ما حصلوا بجهودهم المشكورة».

السادسة، وهم أولئك الذين «نسبوا أنفسهم إلى (السلوك والتربية) بزعم التصوف وتزكية النفس». ويرى أن هذه الفئة انحرفت وضلت وخرجت على شعاراتها.

يخلص الكاتب «عُمرعبدالحكيم» إلى أنّ المدارس الست انتهى دورها «على اختلاف بعدها وقربها». ويرى أنّ حركات الجهاد المسلّح «قد ورثت واقعا ومنهجا جوانب الخير وجوهرالشعارات الخيّرة المرفوعة في كافة مناحي ما سمي بالعمل الإسلامي أو الدعوة الإسلامية أو الصحوة، وتجاوزت ما وقعت به من قصور وعوج». وينتهى أخيرا إلى وضع برنامج من تسع نقاط للحركات الجهادية لترث «الحشد البشري لسلسلة الجهود الخيّرة لمشروع الصحوة عبرالقرن الأخير» لأن «التجمّعات الجهادية» يجب أن تنتبه إلى عظم المسئولية وتشعبها، ومن ذلك ومن أهمّه وضع نظرية مستقيمة مدروسة لعملية (الحشد والتعبئة) قبل أنْ يفاجئها نصر بفعلها أو بفعل الظرف فتجد نفسها عاجزة بحكم واقعها عن قيادة أمّة». (نشرة الفجر، العدد 15، السنة الثانية، 1996).

يلاحظ من نصوص الإسلاميين أنّ لكل حال مقاما، وأنّ شروط المقام (المكان والزمان) تحدد إلى حد كبير وجهة التفكير. فالحقوقي اللبناني يعدد أخطاء البرلمان القانونية ويقرأ ثغراته التمثيلية ليركز السلطة في هيئة واعية تقع عليها مسئولية اختيار الحاكم، وهذا ما يخالف رأي رئيس البرلمان السوداني السابق حسن الترابي الذي يرى أنّ سلطة البرلمان وصلاحياته القانونية أقوى بكثير من سلطات الحكومات التنفيذية وصلاحياتها. والشيخ المطارد والملاحق راشد الغنوشي يشدد على الديمقراطية ويُطالب بالحريات واحترام الرأي وحق الاختلاف ووجود تداول السلطة سلميا. ويلتقي الترابي مع القوى الجهادية في رفضها للنظام العالمي واستبداده الدولي لأنّه يطوق السودان ويحاصره ويضيق عليه حريته وحقه في اختيار نظامه وسياساته ولكنه يختلف معها في الأسلوب واستراتيجية المواجهة. بينما تتجّه الحركات الجهادية (الجماعة والجهاد) إلى رفض فكرة البرلمان لسببين: الأولى؛ لأنها جاهلية. والثانية؛ لأنها لا تسمح للإسلاميين بدخوله. لذلك تدعو تنظيمات الجهاد والجماعات الإسلامية إلى عدم إضاعة الوقت ورفض المساومة أوالصلح أو التسوية والاستمرار في الكفاح ضد الأنظمة. فالتعبئة والحشد والمواجهة المباشرة هي البدائل، عند الحركات الجهادية، عن خوض انتخابات غير مجدية يتم تداولها باسم الديمقراطية.

الاختلاف لا يقتصر على قطاع محدد وإنما يشمل كلّ الفئات. فالحركات الإسلامية (الشيعية) تتشابه في هذا المضمار مع الحركات (السنية) في الكثيرمن الجوانب السياسية وتنقسم بدورها على جبهات لا تتفق على الوسائل والأهداف. ففي منشورأصدرته «الكتلة الإسلامية في العراق» في يوليو/ تموز 1991 بعنوان «في العمل الإسلامي المعاصر - رؤية نقدية» نجد محاولات لتحديد برنامج عمل يختلف إلى حد كبير عن المنظمات الإسلامية العراقية السابقة، إذ تعتبر الكتلة الإسلامية أنّ الأمّة اخترقتها الجاهلية وأنّ أوضاع المسلمين مفروضة عليهم وغير إسلامية، وتعتبر أنّ «الحلقة المفقودة في حياتهم هي الدولة الإسلامية» لذلك فإنّ قضيتهم الأولى هي قضية سياسية تتطلب عملا حركيا «لإقامة دولتهم الشرعية بديلا عن الكيانات الجاهلية المقامة في بلدانهم» (صفحة 15 - 16). وتؤكد الكتلة الإسلامية في منشورها أنّ المشكلة الأساسية ليست في المستعمر بل في خلل العمل الإسلامي. وبعد أن تصنف العمل الإسلامي المعاصر إلى منهجين الأول إصلاحي والثاني تغييري ثوري تعلن انحيازها للخط الثاني لأنّه هو «الإسلام الحق والدين القيم والنهج الصحيح» . (صفحة 24).

كل هذه الخلافات لم تنشأ بين القوى الإسلامية فجأة ودفعة واحدة بل تدرجت تاريخيا وعبرت مراحل ومحطات إلى أنْ انفجرت ووصلت إلى حد الصدامات في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات. والتصادم الدموي العنيف يؤكد على أن الخلافات عميقة وتجاوزت حدود التفاوض السلمي بين الطرفين.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1981 - الخميس 07 فبراير 2008م الموافق 29 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً