العدد 1980 - الأربعاء 06 فبراير 2008م الموافق 28 محرم 1429هـ

الإعلام ووسائل التسلية وتدمير الذات

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

الحروب وتدمير الأوطان انتشرت على الشاشات. وبشكل مخيف دماء وأشلاء تكنس مع الأنفاس. أجسام يتخللها زجاج مكسور. كيف لنا أن نرى الحياة من خلال هذه الأخبار وهي تغزونا في بيوتنا؟ وما تأثير كل هذه الصور المشوهة على العلاقات الإنسانية بين البشر على عوالمنا الداخلية وصحتنا العقلية؟ نحن معرضون لانتهاك حقيقي لكرامتنا وحقوقنا في العيش بهدوء واطمئنان! لمصلحة من؟ وما الفائدة الحقيقية من رؤية مستنقعات الدم والأشلاء؟ أهي مؤامرة مدروسة لتدمير ذواتنا وما تبقى لنا من العيش الكريم أم هي باتت التسلية العصرية الحقيرة في هذا الزمان والإعلام الغبي المسيطر؟

ومن يحق لهم تفريغنا ذاتيا وتعريضنا لكل ذلك العدوان على ديارنا ونفوسنا بالصور الملونة والأصوات البكائية للأرامل والأيتام والمشوهين من وراء كل تلك الاعتداءات المرعبة؟ إن هذه المناظر لها تأثيرات عضوية ونفسية على مشاهديها. فهي تتسبب بارتفاع ضغط الدم ومرض السكري الفجائي وأمراض القلب وانتشار أمراض القولون العصبي وزيادة الأمراض السرطانية والعقم عند الرجال والنساء، والموت المفاجئ للشباب بالسكتة القلبية.

وأما الناحية النفسية فالمشاهد المثيرة من الخوف والرعب قد تتسبب - بحسب آخر الدراسات - بالتوتر والقلق والأرق ويجعل الفرد غير متوازن نفسيا في تصرفاته مع الآخرين بحيث تصدر عنه شوائب سلوكية غير متوقعة، وينقلب الحنان والحب إلى شراسة وعدوانية ويمسي مدمرا وأحيانا من دون قصد لذاته وللآخرين، بحيث يقدم على تعاطي المخدرات والمسكرات؛ لتهدئة أوضاعه؛ وتحمل كل تلك المناظر المؤذية والضغوط النفسية! وقد يقوم بإيذاء من يحبونه من المقربين كوالديه، وعائلته بسلوك مغاير لطبيعة العلاقات الاعتيادية اليومية من الحب، وينقلب إلى التصرف بعصبية وشراسة، وإظهار كل النواحي السلبية من شخصيته تجاه مجتمعه، وإظهار أنانية غريبة والتسلق الوظيفي بتحويل كل علاقة صداقة إلى علاقة نفعية بحتة، واعتناق الرذيلة في سبيل الصعود والتذلل في كل موقف للحصول على المآرب النفعية الشخصية، وغير ذلك من التصرفات غير المعقولة.

وقد لا يصان التمسك بالأخلاقيات لعدم جدواها في خضم هذه الوحشية في عالم اليوم. فحينما يشعر الإنسان بالخوف والإحباط تسيطر عليه وهو يرى ما يراه تجسيدا يوميا في كل ما يدور حوله، فيشعر بالخيبة وعدم الطمأنينة من أن يصل ذلك الدمار إليه فتبدو حركاته عدوانية وهمه الأول الخلاص الفردي. ونرى الوضع يزداد سوءا حينما نرى هؤلاء الشباب يلعبون أيضا العنف ويمارسونه بألعاب الفيديو والأتاري، وأمسى القتل والتدمير من أهم وسائل تسليتهم، والخراب والنار والحرق صورا اعتيادية لتمضية الوقت في الأوهام الشيطانية، وهذا ما يطبقونه في ألعابهم كما يشاهدونه في الواقع والأفلام السينمائية والفيديو التلفزيوني والمنزلي. وأمسوا مدمنين على العنف والقسوة والفظاظة في جميع تحركاتهم وألفاظهم وبات الأرق وقلة النوم يقضان مضاجعهم؛ بسبب كل ذلك الهيجان والرعب اليومي!

ويذهب الكثير من الشباب للبحث عن حبوب منومة لتهدئة عيونهم المتعبة! فقد غاب عنهم النوم وصاحبوا الأرق، وهو بداية للأمراض النفسية الخطيرة! هؤلاء هم شباب المستقبل ومن سيديرون العالم لا ينامون! فكيف سيتعاملون مع الآخر والقسوة التي يمارسونها؟ لن يتوانوا عن إشعال فتيل الحرب في أية مناسبة فهم قد تعودوا عليها في التسلية والواقع فيما يشاهدونه يوميا إذا ما اعتلوا الكراسي السياسية!

إنني إذ أطالب جميع الأجهزة الرسمية والخاصة بالالتفات إلى هذه الحقيقة وإلى ما يقدم إلينا إعلاميا من خلال الثقافة أو الواقع أو أمور التسلية الفظة والمتوحشة وللأجيال البريئة!

ومحاولة منع العنف بجميع أشكاله وعلى كل المستويات لما تمنع الموبقات مثل الدعارة والإدمان، وبيع الأعضاء البشرية... إلخ

ألا يكفينا التلوث البيئي، واغتصاب أراضينا والاحتلال السياسي واختلال الأنظمة وتلوث البيئة إلخ؟ يكفي ما عانيناه ونعانيه في الأوضاع السيئة حولنا قبل أن نصدر للعالم أجيالا مرضية ومشوهة داخليا!

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 1980 - الأربعاء 06 فبراير 2008م الموافق 28 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً