العدد 1980 - الأربعاء 06 فبراير 2008م الموافق 28 محرم 1429هـ

صواريخ السعيدي العابرة للمحافظات!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

لن أكون هازئا متهكما حينما أقول إن جاسم السعيدي أو لنقل الشيخ جاسم السعيدي كما يحبذ أن يسمى، أو بالأحرى النائب جاسم السعيدي كما تفرض الظروف ذلك، بأنه لو استغل ما لديه من حس دعابة وخفة ظل ومرح قل نظيرها استغلالا إيجابيا، ولو أحسن أيضا توجيه صواريخه العابرة للمحافظات، فاستهدف بها من يقتضي الشرع والمنطق والقيم الأخلاقية والحضارية الإنسانية استهدافهم لأصبح السعيدي نائبا لكل الشعب بمعنى إيجابي غير المعنى السلبي الذي نشهد تطبيقه حاليا على كل الشعب، ولأصبح السعيدي خير داعية محبة أهلية وسلام وطني بكل ما يكتنفه السعيدي من بشاشة وألفة وسماحة عكرتها ظروف الانحشار السياسي المدفوع دفعا سلطويا ناحية القدر البرلماني الذي ضاق به وبساكنيه وبجميع صلاحياته وسلطاته وسلطاته المتواضعة أصلا!

وإن كانت «لو» تفتح باب الشيطان، وباب الشك في اليقين، فهل ستفتح «لو» بابا جديدا لفرص واعدة أمام السعيدي ليحاسب ذاته ويستغلها، فلماذا يستكثر السعيدي على نفسه المنازل الراقية ويصر على مزيد من الانحشار البرلماني والسياسي والشرعي، فالمطلع الحصيف الذي يحترم ذكاء القراء الأعزاء والمواطنين الأفاضل يدرك عين الإدراك بأن صاحبنا ليس له جمل في الشرع وناقة في السياسة، فلماذا يورطونه بهما؟!

ومن مَنَّ الله عليه بوافر من الوقت الثمين ليخصصه ويحاصصه في متابعة منتجات السعيدي الصحافية من تصريحات ومطالبات ومناجيات والتماسات ونقود وتحريض وهلم جرا، فإنه سيجد أن السعيدي يتميز بمنظومة متينة ومحتدة الأطراف من العمل المؤسسي التام والمكتمل الحلقات، وإن كانت حلقات هذا العمل ستجد ميادينها في المقاولات الصحافية والمؤتمرات والجلسات المشحونة والمقيسة، فأنت وبقراءتك لأخبار وتصريحات السعيدي وتغطيات فعاليته من الممكن جدا أن تلتقي بثراء متنوع بما يحفل به من نماذج لا حصر لها من أسلبة وإنشاء وإثارة وتفجير وتشظية طائفية وسياسية، فأنت تتحدث عن جهود متنوعة محليّا وإقليميّا ومعطيات موضوعية وخبرات ذاتية تنتمي إلى مدارس وتيارات صحافية إقليمية لا يمكن نكرانها لكونها تنكر مجهودات فريق عمل جماعي وتغمط حقوق الإبداع والتميز لما يمكن أن نطلق عليه مجازا بـ «مؤسسة السعيدي» أو «مقاولات السعيدي» وغيرها من مجسات ومجسدات كيانية!

وطالما كان للسعيدي الخارق ولصواريخه العابرة لمحافظات المملكة مؤسسة وكيان ومقاولات ليس بمقدور أحد أن يعطلها، وطالما أن الجبر القدري السلطوي يقتضي أن تكون خدمات السعيدي الشرعية والتشريعية والبلدية والتنفيذية تحت يد المواطن إذا ما فرك مصابيح ودها ورضاها وهواجسها السحرية، وان يرض عنك السعيدي فقد رضت عنك الدولة ومؤسساتها، وظلال مجتمعها الافتراضي «الغونغو»!

وعلى رغم كل ذلك السحر البليغ والثقل الخلاب للظاهرة السعيدية (Saedism) في عصرنا وعصرها فإننا مازلنا نرى هنالك المزيد من إخوتنا الأفاضل ممن اعتنقوا ارتكاب الحماقات تلو الحماقات السياسية التي تزيد السعيدي ألقا وبهاء وادخارا احتياطيا من الطاقة الإنشائية لدى «مؤسسته» تفوق ما يتوافر ويمنح له من امتياز ونفوذ بالغ لا يحتاج إلى شهادة!

السعيدي أو الظاهرة السعيدية هما ابن شرعي بامتياز للمجتمع البحريني مهما قيل عن هذا «المجتمع الفاضل» من مديح سواء عن قيمه الماضية أو قيمه المؤجلة ومطالب شعبه الوطنية الراسخة، وهو بحاجة طبعا إلى بحوث مدخلية ودراسات وتقارير مفصلة عنه وعن ظاهرته وعصره يقوم بها البحاثون المتخصصون في مجالات العلوم الاجتماعية وعلم النفس والأنثروبولوجيا السياسية وغيرها، وينبغي ألا يبخل عليه أي روائي قدير ومحتمل قد تكون أرض هذه الجزيرة المقطعة شفاهها الساحلية قد أنجبته أو ستنجبه وذلك برواية ملحمية ينثر مفرداتها ومبانيها الفصلية عن السعيدي والظاهرة السعيدية والملحمة السعيدية وذلك على غرار ملحمة الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ (الحرافيش)، ولا أظنه سيجد حينها صعوبة في الانطلاق من أية قاعدة مجتمعية حقيقية!

ولكن من يا ترى يمنع السعيدي وظاهرته ومؤسسته ومقاولاته وشرعه وسياسته من التدبر في آيات قرآنية كريمة مثل: «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى» (المائدة: 8) و «وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ» (المؤمنون: 3)، أو أن يتدبر في مقاصد السياسة الشرعية فيما يتعلق بالحفاظ على المصالح والمكاسب الوطنية ودرء المفاسد الطائفية والإثنية عله أن يجد لذلك سبيلا في كف يده ويد ظاهرته ويد مؤسسته لأجل الحفاظ على ما تبقى من لحمة وطنية ويدرأ مفاسد الإثارة والحرائق الطائفية التي من السهل إشعالها ولكن من الصعب إطفاؤها واحتواؤها إذا ما اشتعلت وأتت على الأخضر واليابس، فإلى متى سيستمر السعيدي في ذلك وإلى أية نقطة أو حافة سينتهي؟!

ليس مطلوبا من السعيدي أن يكون «وفاقيّا» أو «وعديّا» أو «حقيّا» حتى يرضى عنه خصومه والأطراف الأخرى «المناوئة له»، فهناك الكثير من أشباهه وأمثاله في كل زمان ومكان ولكل منهم خصوصية ووضعية محددة محكوم بها وبمغاليقها ومصاديقها الاجتماعية والسياسية سواء أكانوا ضمن صفوف «المعارضة» أم صفوف «الموالاة»، أكانوا مع «الحق» أم مع «الباطل»، وليس مطلوبا منه أن يزجّ زجّا ويخرط انخراطا في «تيارات» و «جمعيات» و «جماعات» ظلالية لا أول لها ولا آخر تكون بدورات حياتية أشبه بدورات المذنبات والشهب والنيازك التي ما تلبث أن تشتعل حتى تنطفئ وتخبو وتسقط ما أن تنتفى حاجتها الغرضية والاداتية أو الأدائية، وذلك على العكس من تنظيمات سياسية واجتماعية لها مبادئها ومواثيقها ورسالاتها (أجنداتها)، ولكن المطلوب وكل المطلوب من السعيدي أن يراجع نفسه ويراجع هدفه في الحياة ويعيد ترتيب وقراءة أوراق ذاته لا الأوراق المرمية عليه، ومطلوب من السعيدي أن يطبق شعار حملته الانتخابية الفائتة «ننظر في الصميم» بحذافيره ليس بمعنى النظر في صميم ثغور الآخرين، ولكن فلينظر في صميم ذاته وليحصن ثغورها عملا بـ «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» (الرعد: 11)!

وإن كان السعيدي يجد صعوبة وتعسّرا في فهم ما كتبناه وما خاطبناه وما رجوناه به فإنني أرجو أن أجد إخلاصا من قبل مؤسسته، أي «مؤسسة السعيدي»، فيقوم أحد أفرادها وأطرافها المخلصين والأصدقاء الصدوقين بإيصالها وشرحها له!

وإن كنا قد سمعنا عن ما لحق بهذه «الضحية» من تهديد ووعيد فإننا نرجو منه ومن بطانته الصالحة وحاشيته ومؤسسته أن تنظر بعين الجد والاعتبار إلى مصلحة السعيدي ومصلحة مؤسسته ومجتمعه، فليس المطلوب مراجعة أقساط واتفاقيات التأمين على الحياة وضمان أن تمر سيرة الملحمة السعيدية بخير وسلام، وليس المطلوب منه تحشيد الحشود الطائفية نحو آفاق «هرمجدونية» مصيرية، وإنما هنالك قصص توجب الاعتبار من عالم الإنسان وعالم الحيوان بأيّ شكل من أشكال العبرة!

فلا أرجو أن يكون مصير السعيدي كمصير خطيب الجمعة بقرية الزلاق قبل عدة سنوات، إذ أصيب بلوثة تكفيرية طائفية على منبر الجمعة فقام بسب وشتم طائفة كريمة ودعا عليها لوحده وتعدى لفظا على إحدى علماء الدين الأجلاء، فنال جراء ذلك جزاءه من النبذ والطرد من أهل القرية بعد أن شكوه رسميا، فما ان غادر المنزل الممنوح له حكوميا بالقرب من الجامع حتى قام بتحطيم وتخريب متعمد لمحتويات هذا المنزل بعدما خرب بتكفيريته منبر الجمعة، واختفى حينها «الخطيب» ولم يرَ له من وجه إلا بعد طول سنين، وإذا به قد أحرز رسالة الدكتوراه الشرعية إلا أنه ظل وعائلته من دون منزل يؤويهم بعد أن خسر الجميع، فنال بذلك خير الجزاء!

ومن دون شك فإن السعيدي وغيره يعلم جيّدا بأنه لا يأوي الغيران والجحور إلا السحالي والأفاعي والقوارض وغيرها من دواب وهوام، وإن أراد أن يجد أمثلة معتبرة من عالم الحيوان فأنصحه بأن يطلع على كتاب «حياة الحيوان الكبرى» للعالم المسلم كمال الدين محمد بن موسى الدميري، فيقرأ في هذا الكتاب عن طبائع ظلم السحلية الضخمة المسماة بـ «الورل»، وكيف هي تعتدي على جحور «الإضببة» والأفاعي وتقتلها وترمي جثامينها من دون أن تقتت منها شيئا، لتتخذ بعدها من غيرانها وجحورها مآوي دافئة لها من دون أن تكلف نفسها عناء حفر جحر أو غار، فلأجل ذلك ضربت بها الأمثلة بالظلم والطغيان، فيا بئس حظ الضب المسكين حينها ويا لطغيان وظلم ذاك «الورل» الكبير!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1980 - الأربعاء 06 فبراير 2008م الموافق 28 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً