العدد 2285 - الأحد 07 ديسمبر 2008م الموافق 08 ذي الحجة 1429هـ

وَلائِمُ إِيْرَانَ السِّيَاسِيَّة لا تَصْلُحُ لِلنِّحَاف

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يبقَ على الانتخابات الرئاسية في إيران سوى سبعة أشهر وأربعة أيام. أهميتها تنبع من كونها تأتي بعد مئة وخمسين يوما على تولّي رئيس أميركي «ديمقراطي» جديد لمهامه في البيت الأبيض وهو يحمل برنامجا مختلفا (إلى حدّ ما) عن الرئيس جورج بوش.

وكونها أيضا تأتي في ظل أزمة اقتصادية عالمية طاحنة، وحوار ديني أممي، وسيطرة روسية على منطقة القوقاز، وهبوط في أسعار النفط، ومحادثات سلام سورية صهيونية، وهدوء على الساحة اللبنانية بعد اتفاق الدوحة، والتهاب أحداث غزّة.

في الداخل الإيراني، فإن الانتخابات تأتي بُعيد سيطرة محافظة على البرلمان الإيراني في دورته الثامنة، وانقسام إصلاحي ويميني واضح لكنه متفاوت، وتضخم اقتصادي لافت، وبرامج اقتصادية متنافسة.

في جميع الأحوال فإن المعركة العامة ستكون بين جبهة إصلاحية رجلها اليُمنى في النظام والأخرى خارجه، ومُسطّحات حزبية غير منتظمة تموء بعضها صوب السيدمحمد خاتمي والأخرى صوب الشيخ مهدي كروبي.

تُقابلها جبهة محافظة يُوحّدها نظام ولاية الفقيه والدستور، والإمام الخميني وخليفته الإمام الخامنئي، وتمتلك تعريفا واضحا عن برامجها وبرامج الآخرين، وغير متورطة في النسبية والتناسب ما بين عدو النظام وصديقه.

في المعارك الخاصة تأتي التفصيلات الدقيقة للأحزاب والشخوص. في أحوال الإصلاحيين تتشتّت الأصوات ما بين خاتمية وكرّوبيّة. في الأولى تتقرب من نواتها الأغلبية العظمى من الإصلاحيين المتطرفين التي لا تمتلك رمزا تستظل به، فتلجأ إلى الرجل للتدثّر بعباءته.

وفي الثانية تتقرب من مفارزها بقية الأحزاب الإصلاحية المعتدلة ككوادر البناء، وبعض الأحزاب والشخصيات اليمينية القريبة من الشيخ الرفسنجاني والتي ترى أن نأي الشيخ كروبي بحزبه «حزب الثقة الوطنية» عن بقية الأحزاب الإصلاحية المتطرفة سبيلا جيدا للالتحام معه.

اليوم فإن التصريح الأبرز في داخل هذه الجبهة هو اقتراب الشيخ الكروبي من قبول الترشّح للانتخابات. وإذا ما حدث هذا فعلا فإن الموضوع يعني أن أزمة إصلاحية إصلاحية تلوح في الأفق باعتبار أن كثيرا من الأحزاب في جبهة الثاني من خرداد النائمة (وخصوصا المتطرفة) ترغب في دعم السيدمحمد خاتمي.

من يراقب الساحة الإيرانية سيلحظ مدى الحِراك والتصريحات التي أطلقها السيدخاتمي في محافظات عديدة في إيران كتلك التي قالها في جيلان وخوزستان فضلا عن العاصمة طهران. بل إنه وطيلة تلك الفترة قام بترويج شخصه إقليميا ودوليا.

في سوادها يُعْرَف الهدف. فلم يبقَ للسيدخاتمي سوى تحديد الوقت لكي يُعلن عن نيّته الترشّح. وربما ينتظر الفرز الأخير الذي ينتظر الساحة الإصلاحية، وتسوية المشكلات ما بين مجمّع علماء الدين المجاهدين (روحانيون) الذي هو عضو فيه وبين حزب الثقة الوطنية (اعتماد ملّي) الذي يرأس أمانته مهدي كروبي.

في ساحة اليمين فإن أهم التحديات التي ستفرض نفسها على المرحلة المقبلة هي عين على الخطة العشرينية وأخرى على الأداء الذي أصبح معيارا صالحا يُضاهي الإجراء في استحصال مزيد من الأرباح.

غاية هذه الخطّة هو أن تُصبح إيران الدولة الأولى في المنطقة بعد ثلاثة عشر عاما (منذ إقرارها) باختطاطها نموا سنويا قدره 8 في المئة، وتحقيق معدّل زيادة سنوية في الاستثمار في المؤسسات تبلغ 5.2 في المئة، والتقليل من الاعتماد على النفط سنويا بمقدار 10 في المئة (راجع تصريحات نائب رئيس المجلس التشريعي محمد جواد باهنر في حسينية جواد الأئمة بمدينة إصفهان).

وعلى رغم أن المجلس النيابي والمجالس المحلية هي الآن لدى المحافظين إلاّ أنني أجدهم أكثر حرصا من الإصلاحيين في أن يظفروا بالسلطة التنفيذية لدورة ثانية. وبالتالي فإن المسئولية تتضاعف بالنسبة إليهم في أن يُحقّقوا شيئا ملموسا.

في أصل الخلاف بين أحمدي نجاد ومنتقديه من المحافظين التقليديين هو ما يتعلّق بالتضخم الاقتصادي ومُسبباته. فهو يرى أن تسييل المال لدى الناس وإجبار البنوك على تقديم قروض بفائدة أقل سيقضي على العوز لديهم وسيضاعف من التبادلات التجارية.

خصومه من المحافظين يرون أن زيادة رواتب الناس بنسبة 20 في المئة سيأتي حتما بتضخم يصل إلى 25 في المئة. وأن الأهم هو زيادة ضخ المال في موازنات الاقتصاد العيني والتعمير والصناعات الثقيلة.

اليوم يتم الحديث أن إحياء غرف فكرية داخل المنظومة المحافظة بغرض إعادة الدور الكاريزمي والاعتبار لرابطة علماء الدين المناضلين (روحانيت) وجمعية مدرّسي الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة.

فإن ارتضى اليمين هذا الخيار فهذا يعني أنه يُقرّ بنموذج «مجلس تنسيق قوى الثورة» الذي كان ناشطا في الانتخابات الرئاسية التاسعة في العام 2005. هذا المجلس لم يستطع تمرير قراراته بسبب تمسّك البعض بأن يكون القرار النهائي للمجلس مُسْتَأنسَا برأيها لحدّ الشورى المُلزِمَة. فهل يُمكن له أن يُغيّر من معادلة «لا أمر لمن لا يُطاع».

فالمجلس المذكور قد انتهى به الأمر لأن يُقرّر ترشيح على لاريجاني عن اليمين المحافظ لانتخابات الرئاسة التاسعة. لكن أغلب التنظيمات المحافظة لم تلتزم بذلك رغم أن المجلس يترأسه الشيخ ناطق نوري كشخصية بارزة في النظام. فرشّح بعضهم محمد باقر قاليباف وآخرون محسن رضائي وآخرون أحمدي نجاد، فدخل المحافظون الانتخابات مُفكّكين.

يمين اليمين ويساره لا يريد أن يدخل الانتخابات الرئاسية المقبلة كما دخلها في السابق بأربعة مرشحين. لكنه غير قادر على تقديم تنازلات حزبية أيضا. وبالتالي فإن مقولة باهنر بشأن استحالة توحيد المسارات اليمينية تبقى قائمة.

قبل مدة كان للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإمام الخامنئي رأي مختلف للأفهام. فقد قال «لا معنى للحركة الإصلاحية بدون التيار الأصولي، ولا معنى للتيار الأصولي بدون الحركة الإصلاحية». وربما كانت تلك نظرة لتقريب أنوية الفريقين من بعضهما بعضا، ولكن بالتأكيد ليس أي فريقين.

وبالتالي فما المانع في أن يتمّ تشكيل حكومة أكثر انبساطا من الناحية الحزبية على مسطرة المحافظين والإصلاحيين (الكروبيّين). في هذه الحالة قد يتصالح هذا الإجراء مع مقولة المرشد، ويُخفّف من العبء التنفيذي على تيار دون آخر

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2285 - الأحد 07 ديسمبر 2008م الموافق 08 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً