«تعال حبيبي، لنشاهد التلفزيون...» وتبحث الأم عن برنامج للأطفال، فيلم صور متحركة، أي منتوج إعلامي بمواصفات دقيقة، تضمن تحقيق أهداف ثلاثة: الترفيه، التربية، والتعلم. على أن تحقيق هذه المعادلة بات اليوم - وبكثير من التفاؤل من قبلنا - صعب المنال.
ففي نظرة سريعة على المشهد الإعلامي العربي الذي يستهدف شريحة الأطفال، يتبيّن لنا فقر هذا المشهد على رغم تعدد المنابر الإعلامية التي تتوجه إلى الطفل، ونخص بالذكر المنابر التلفزيونية باعتبارها تحتل اليوم المرتبة الاولى من حيث هي وسيلة للترفيه والتثقيف والإعلام الأولى للكبار والصغار على حد السواء.
سؤال بسيط يطرحه كل أب وكل أم يوميا: ماذا يجب على ابني أن يشاهد؟ ما الذي اسمح له بمشاهدته؟ وما الذي أمنعه عنه؟
والسؤال - على رغم بساطته - شديد التعقيد؛ ذلك لأن ما يقدم إلى الطفل من موادَّ إعلاميةٍ تلفزيةٍ خاصة باعتباره المجال الأثرى في ظل شبه اضمحلال المنتوج الإعلامي الإذاعي الموجه إلى الطفل، واستماتة الإعلام المكتوب المهتم بالطفل في محاولة الإبقاء على وجوده، بكونه أحد العناصر المكمّلة للمشهد الإعلامي الموجه لهذه الفئة المجتمعية الحساسة، لا يكاد يرقى إلى مستوى اهتمام الطفل الذي يعتبر الجمهور الوحيد لهذه المنابر الإعلامية.
وما يزيد الطين بلة أن طفل اليوم يشارك أبويه وإخوته الكبار ما يشاهدونه من برامج تلفزية، أعمال درامية، حتى الأغاني. قد نضحك استغرابا أو استمتاعا لدى سماعنا الأطفال يرددون أغاني لفنانين يطول الحديث عن مستواهم الفني، وتحدث انتاجاتهم غالبا لغطا كبيرا من طرف النقاد لتواضع مستواها وتهديدها الذوق العام فما بالك الطفل، الذي من المفترض أن يكون في مرحلة التربية على الأسس الصحيحة، يتلقى من خلال شاشة التلفزيون، مبادئ اقل ما توصف به أنها مهددة لتوازن الراشدين ممن يقدرون على التمييز بين الغث والسمين.
منذ سنوات قليلة ماضية شهد المشهد الإعلامي العربي ازدهارا على مستوى عدد المنابر التي تتوجه إلى الطفل، وبالتوازي مع هذا الازدهار توقع كل مهتم بهذا المجال انطلاقا من الأولياء الحائرين أمام متطلبات أبنائهم والأطباق التلفزيونية المتوافرة للأطفال، وصولا إلى الأكاديميين والجامعيين ممن يبحثون في مجال الطفولة أن تأتي هذه القنوات الموجهة إلى الطفل العربي، ليس بالجديد بقدر النفيس، بمعنى الجيد والهادف من المواد الإعلامية التي أصبحت المنتظر.
على أن غالبية هذه القنوات وقعت في فخ الاستسهال فأثخنت مساحات بثها ببرامج مستوردة وأخرى مكرورة، فيما ذهب قسم آخر من هذه القنوات إلى تنصيب نفسه مسئولا عن تربية الطفل وتعليمه بطرق أقل ما يقال عنها إنها طوباوية ومغرقة في المثالية التي تتجاوز - لن أقول - إدراك الطفل، وإنما ميولاته، وذلك من خلال برامج تهدف إلى تعليم الطفل، فصارت القناة بمثابة المدرسة، وفي كلتا الحالتين لم يكن ذاك هو المطلوب.
من المتعارف عليه في علم اجتماع الأطفال إنهم الفئة الأكثر تطلبا كما هي الفئة الأصعب في تلبية متطلباتها. الطفل قد يرغب في شيء ما في هذه اللحظة وينفر منها في اللحظة التالية. مزاج متقلب، وأطباع غير مستقرة. وبالتالي لابد أن تكون طريقة التعامل معهم دقيقة وتخضع لقواعدَ معينةٍ تضمن تكوينا متوازنا لهذا الكائن الصغير.
إشكال القنوات التلفزيونية العربية المتخصصة في برامج الأطفال عدم أخذها في الاعتبار خصوصية هذه الشريحة الاجتماعية، ذلك أن غالبية العاملين فيها من الإعلاميين العاديين ممن يفتقرون للتكوين في مجال الطفولة، فيطبقون بالنتيجة معارفهم في المجال الإعلامي على شريحة مجتمعية تحتاج إلى أساليب خاصة ودقيقة في التبليغ والإعلام والتعليم والترفيه.
على رغم أن المنطق يفرض بالضرورة على من يتوجه إلى الطفل من خلال وسائل الإعلام وخصوصا التلفزيون أن يكون متخصصا في هذا المجال، خبيرا في التعامل مع الطفل، قادرا على التوجه إليه بمواد إعلامية تلبي الأهداف الثلاثة (التربية، الترفيه ثم التعلم)، على أن تكون الطرق المعتمدة في تحقيق هذه الأهداف مناسبة لكل مرحلة عمرية من مراحل الطفولة. فليس أسخف من أن يستهزئ طفل ببرنامج يفترض أن يتوجه إليه. لذلك انتبهوا - لو سمحتم - أطفالنا ليسوا محدودي الذكاء ولا محدودي الإدراك حتى نعتقد أنهم قد يتقبلون منا كل ما نقدمه إليهم.
برامج التهريج انتهى وقتها، كما أن البرامج التي تغرق في الجدية وتحاول ارتداء ثوب المدرسة لن تفلح في جذب انتباه هذا الكائن الصغير المتطلب.
اعتقد أن موضوع الإعلام الموجه إلى الطفل بمختلف أصنافه ملف مهم ولابد أن يحظى بالدراسة الكافية قبل المراقبة. فالمراقبة لن تؤدي إلى نتائج مجدية في ظل غياب الخطط الجدية، التي تضمن التكوين الملائم لمن نتبجح بتسميته «رجل الغد»، «مواطن الغد»، من دون أن نعد العدة لذلك.
ولكن من الضروري الإشارة إلى ان علينا إذا ما أردنا أن نطور هذا المجال ألا نسعى إلى اعتماد أساليب التطوير نفسها التي استخدمتها غالبية دولنا العربية في تطوير مناهجها الدراسية والتعليمية؛ لأن هذه الأساليب أثبتت فشلها الذريع؛ مما أدى إلى استخدام أكثر من خطة واحدة ضاعت بينها الأهداف. فإذا كانت الخطط شبيهة لتلك فسنؤمن بأن صلاح الحال من المحال.
العدد 1980 - الأربعاء 06 فبراير 2008م الموافق 28 محرم 1429هـ