العدد 1979 - الثلثاء 05 فبراير 2008م الموافق 27 محرم 1429هـ

مشاهدات في علم الاقتصاد الشعبي!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الأرقام الرسمية تتكلم عن نسبة تضخم لا تزيد على سبعة في المئة، وهو ما روّجت له إحدى الشركات الأجنبية أيضا. لكنّ جولة بسيطة في السوق تكشف حقيقة ما يعانيه المواطن من موجة الغلاء.

إحدى القريبات شاهدت طفلتين تدخلان البرّادة المجاورة، وأخذتا تجمعان ما اعتادتا على شرائه. كل منهما أخذت علبة حليب بالكاكاو، وكيس بطاطس (چبس)، وحلاوة، ودونت. وعندما اقتربتا من البائع الآسيوي سلّمتاه كل ما لديهما معا من مصروف يومي (300 فلس)، بينما كان المبلغ المطلوب لسلة مشترياتهما 700 فلس، فاسترجع البائع من أيديهما بعض الأشياء وترك لهما ما يوازي قدرتهما الشرائية!

تقول: «كنت أتابع الطفلتين حتى خرجتا من البرادة، وعند الباب قالت إحداهما للأخرى: بس هذا؟»! فالـ 300 فلس لم تعد تجلب لهما ما تريدان، وقد أطل علينا زمن الغلاء القاتل.

في يوم العطلة الأسبوعية، كانا يتسوّقان لشراء المؤونة الشهرية، الزوجة لاحظت حيرة أحد الزبائن في قسم المواد الغذائية، إذ مدّ يده إلى علبة الدهن، ولكنه سرعان ما أعادها بعد أن شاهد السعر الجديد (1.500 دينار) بعدما كان 700 فلس. أما الزوج فقد تكرّر معه المشهد نفسه بحذافيره في قسم آخر، إذ حيّاه أحد الزبائن، وبعد أن قلّب علبة الحليب ورأى السعر قال باستحياء: «يا أخي... الواحد الحين يفكّر ألف مرة قبل ما يشتري الحاجة»! وسرعان ما أعاد العلبة إلى الرفّ ومضى.

مساء أمس، مع عودتها من رحلة تسوّق مع صديقتها، سجّلت ملاحظة «اقتصادية» أخرى، إذ لاحظت قلّة المشترين مع بدء موسم التخفيضات لدى كثيرٍ من المحلات التجارية. تقول: «في الأعوام الماضية، وفي مثل هذه التخفيضات، كنت ترى طوابير طويلة أمام (كاونتر) الدفع، أما هذه الأيام فهناك قليلٌ من الزبائن، (ياخذون فرّة) ثم يخرج أكثرهم من دون شراء، والقلة التي تشتري يقتصر شراؤها على قطعة ملابس أو قطعتين».

الملاحظة ذاتها سمعتها قبل ليلتين، من مجموعة أمهات من جاراتنا، يجتمعن كل ليلة في منزل الوالد، إذ اتفقت ملاحظتهن على أن البقالة تعاني من انخفاض البيع، فهن - كزبونات- يحاسبن الآن قبل أية عملية شراء. في الماضي كن يشترين الفواكه بالصندوق والسحّارة، ويشترين الخضار بالكارتون، أما الآن فتحوّل كل شيء بالصرّة والكيلو ونصف الكيلو، تكيّفا مع الغلاء الذي لا يرحم!

من السهل أن آتي ككاتب أتخيّل نفسي مفكّرا عظيما لم تنجب النساء مثلي، لأتفلسف على الناس، باستعراض أسماء المخترعين الأجانب المنقولة من «غوغل»، وأتعالى على جراح ومعاناة الجمهور الذي لا يفهم! ومن السهل أن استعرض عضلاتي بعرض مصطلحات أجنبية مازلت أخطئ حتى في كتابتها بلغةٍ عربيةٍ سليمةٍ، فقط لأثبت أنني من أتباع «الحداثة»... هذا الدين الاسطوري الجديد.

إذا كنا كمثقفين وكتّاب تفوح منا رائحة العطور الفرنسية على بعد ميل، يمكن أن نمتص ونتحمل آثار الغلاء، فهل فكّرنا كيف يمكن أن يتكيف الـ 20 ألف مواطن ممن لا تزيد أجورهم على 200 دينار؟ هؤلاء كيف يعيشون بحق السماء؟ كيف «يدبّرون» الخبز لأطفالهم؟ ماذا عملوا عندما اشتدت موجة البرد الأخيرة؟ أم أنها عقدة الشيزوفرينيا و«التماهي» الباراسيكولوجي مع الدينار من دون حياء؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1979 - الثلثاء 05 فبراير 2008م الموافق 27 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً