يقول الأميركيون في باب الفكاهة: «إن كنت شابا فلابد أن تكون ديمقراطيا، أو أنك شاب بلا حلم، وإن كنت راشدا فلابد أن تكون جمهوريا أو أنك رجل أو امرأة بلا مال». وربما لذلك، تصطف الحسناوات في انتخابات الحزب الديمقراطي فيما تنتشر الكراسي المتحركة لتقل الناخبين الجمهوريين. أما في البحرين، كن إسلاميا، كن ليبراليا، كن قوميا، كن يساريا، أو كن ما تريد أن تكون، فمكنة التمييز الطائفي لا تخطئ هدفها.
تستطيع أن تتغاضى - ولو كان ذلك من باب «تصفية النية» - عن السلسلة تلو الأخرى من تداعيات ملف التمييز الطائفي في البحرين، إلا أنك في المحصلة ستبقى مستعدا للشحن الطائفي بين فينة وأخرى، فالملف الطائفي في البحرين يختلف عن أي من ملفات التمييز في أي بلد آخر. كانت سياسات التمييز الفاضحة السبب الرئيسي وراء اندلاع الكثير من الأزمات السياسية في أكثر من تجربة، حتى أن الدول بدأت تمارس سياساتها في التمييز «خلسة»، لذلك تدفع بين الفينة والأخرى ببعض التعيينات التي تحفظ ماء الوجه. أما هنا، وخلاف المجاهرة بالتعيينات الطائفية القائمة على التمييز، تتجه البوصلة نحو الإمعان في الدفع لإساءة الظن - إن لم نكن وصلنا حد اليقين في الكفر - عبر التركيز على مكافأة المتورطين في ملف التمييز بالتعيينات والترقيات والعضويات الشرفية في الجهاز تلو الآخر.
وخلاف أن يكون هناك قلق ولو بسيط، من أن ينكسر الكأس بما فيه، لا تبدو منهجية التمييز في بعض أجهزة الدولة ومؤسساتها مكترثة بانكماش حصة التوازن الهامشية أصلا أو حتى بضرورة هتكها وسرقتها قليلا قليلا، إن أحدا على ما يبدو، لم يعد يتذكر دلالة كلمتين اثنتين «السرعة قاتلة»، ويبدو أن هذا التسارع هو في حد ذاته ممنهج، إذ تحرص مكنة التمييز في البحرين ألا تعطينا الفرصة الكافية لنجد أنفسنا أمام «مفاجأة» خروج طائفة كاملة من سلم إدارة الدولة ومناصب وزارتها العليا.
ومن هنا، ينتشر اليوم في أوساط طائفة من الطوائف المكونة لهذا النسيج الاجتماعي إحساس مقلق، في أنها تفقد مواقعها الواحد تلو الآخر. إن هذا المقص الذي لا يرحم قريبا أو بعيدا هو بمثابة عملية قتل سياسية أقل ما يمكن أن نصفها به أنها «لعب بالنار» قد يجر البلاد لأزمات جديدة لا أحد يتمناها أو يسعى لها.
القائمون على مكنة التمييز نقول لهم شكرا، رسالتكم وصلت واضحة. لكن أحدا لن يستطيع أن ينزع الناس من جذورهم وأرضهم، وإن أحدا ممن راهنوا على هذا الخيار استطاع أن ينجح، وأن اللعب بالنار في هذا المستوى قد ينتهي بما هو غير متوقع، وهو أن تحترق اليد التي تمسك بالنار لا اليد المقصود إحراقها. وفي حوادث «المحرق» الأخيرة دلالة وعبرة.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1979 - الثلثاء 05 فبراير 2008م الموافق 27 محرم 1429هـ