العدد 1978 - الإثنين 04 فبراير 2008م الموافق 26 محرم 1429هـ

جمعيات سياسية بلون واحد... خطر على أتباعها والوطن

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

منذ أن وضع حمورابي أول قانون في التاريخ أدرك الانسان أن ديمومة الحياة لا تستقيم إلا بضوابط تنظم علاقة البشر بعضهم ببعض. فمن دون هذه الضوابط تعم الفوضى ونعيش في عالم الغاب. وبالقدر نفسه تتعرض المجتمعات للانهيارعندما تسن القوانين ليتم تجاوزها. من هنا يصبح ازدراء القانون أسوأ من عدم وجوده.

على هذه الخلفية نستعرض بعض مواد القانون رقم (26) لسنة 2005 بشأن الجمعيات السياسية لإلقاء نظرة فاحصة على مدى تطابق بعض مواد هذا القانون مع هيكلة وممارسات بعض الجمعيات السياسية في مملكة البحرين.

المادة الثانية: ونصت على ما يأتي: «لا تعتبر جمعيه سياسية كل جمعية أو جماعة تقوم على محض اغراض دينية...». إلخ.

المادة الرابعة: «يشترط لتأسيس جمعية سياسيه أو استمرارها ما يأتي: (...) ألا تقوم على اساس طبقي أو طائفي، أو فئوي، أو جغرافي أو مهني، أو على اساس التفرقة بسبب الجنس، أو الاصل أو اللغه، أو الدين، أو العقيدة».

إن نظرة فاحصة على هيكلة جمعيات التمذهب السياسي توضح أن طبيعة تكوينها لا يتماشى وهذه المادة من القانون، فتكوينها وجذورها بنيت في الاساس على قواعد مذهبية متخذة من العمل الخيري اساسا لأنشتطتها. ولكونها كذلك، فقد اقتصرت عضويتها على المنتمين لمذهب واحد خلافا حتى للنظام الاساسي لكثير منها.

لقد تسبب هذا التشرنق المذهبي في حدوث إنشطار عمودي طبقا لنزعة الزعامة وما يصاحبها من امتيازات الوجاهة والمصلحة، فانشطار هذه القوى عموديا نتج عنه انشطار آخر افقي كحتمية طبيعية لقوة الاستقطاب التي باتت تتمتع به هذه الجمعيات على المستوى المادي ومستوى البنية التحتية.

وهكذا... تتقوض تدريجيا مبادئ الانتماء الوطني في مفارقة غريبة، لكون هذا التقويض يتم تحت دعاوى الولاء الوطني في حين أن الجميع يسير في اتجاه تأسيس الدولة المذهبية على انقاض الدولة الوطنية.

لقد انعكس هذا التقوقع المذهبي بجلاء في الاصطفاف الفئوي لهذه القوى في البرلمان حيال كثير من الملفات الوطنية. ولكون المذهبية هي التربة الحاضنة للتشكيلة البرلمانية التي تمت هندستها بإتقان ضمن معادلات محسوبة، فإننا لن نكون منصفين لو توقعنا من قوى التمذهب السياسي تغليب المواطنة وخلع ردائها المذهبي، فهذا يخالف طبيعة تكوينها، وحتى الحد الادنى من التوافق حيال بعض الملفات التي تؤرق المواطنين جميعا لم يتم تحقيقه، فثقافة التوافق لا مكان لها في فلسفة الانتماء المذهبي.

وملف الفساد المالي - مثلا - تم تناوله على خلفية الانتماء المذهبي للوزير موضع المساءلة وليس على خلفية من قانونية أو عدم قانونية الفعل المرتكب، لتصبح التجاوزات المالية ليست كذلك مادامت تجاوزات هذا المسئول أو ذاك تخدم اجندات المذهبية السياسية. ونفسه يقال عن ملف التجنيس والعمالة المهاجرة التي باتت تؤرق دول الخليج كافة عدا تيارات التمذهب السياسي التي ترى فيها خدمة لأهدافها في تقوية للعصبية والانتماءات المذهبية بغض النظر عما يسببه هذا من ضياع للهوية الوطنية. فالعدو الحقيقي تم تحديده مادام الانتماء المذهبي يعلو على الانتماء الوطني. والمفارقة المبكية هي توجس قوى التمذهب السياسي من الاقتراب من هكذا ملفات في حين يحذر وزير في الحكومة من مغبة تجاهل مسألة العماله المهاجرة التي لم تعد وافدة فقط.

من جهة اخرى، تتخذ قوى التمذهب السياسي من مقولة الولاء ذريعة للتهرب من تطبيق مواد الدستور المتعلقة بالمساواة وحقوق المواطنة المتكافئة، متناسية أن العمل وفق مواد الدستور يمثل ولاء للشرعية السياسية، وأن التمذهب السياسي هو النقيض حقا للولاء الوطني.

المادة الثالثة من القانون نصت على وجوب مساهمة الجمعيات السياسية في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المملكة، وعلى وجوب تنظيم المواطنين وتمثيلهم وتعميق الثقافة والممارسة السياسية في اطار من الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي.

إن الالتزام بتطبيق مضمون هذه المادة من قبل القوى المنضوية تحت قبة البرلمان في الوقت الحاضر أمر شبه مستحيل. فتنظيم المواطنين في إطار من الوحدة الوطنية له متطالباته منها نبذ الفكر الفئوي وتغليب الانتماء الوطني على الانتماء المذهبي.

ومن متطلباته ايضا استعداد هذه القوى المتنافرة لتحقيق قدر من التوافق حيال الملفات الوطنية المشتركة. فالثقافة الوطنية الجامعة التي نصت عليها المادة الثالثة لا تنمو في بيئة ذات صبغة واحدة ومن قبل جمعيات شيدت بينها اسوار عالية، وأسست لثقافات فئوية تحول دون لقاء الاخ بأخيه في منضومة واحدة، وكأنما انشاء هذه الجمعية أو تلك انما كان بغرض التصدي للأخرى بدلا من تعميق واثراء الممارسة السياسية وهذا ما رأيناه منعكسا في الدفاع المستميت عن المصالح الفئوية تحت قبة برلمان الشعب والعناد الصلب والاصطفاف المذهبي في مواجهة الآخر.

من هنا فإن تعميق الثقافة والممارسات السياسية في إطار من الوحدة الوطنية لا يخدم الاجندات الخاصة لهذه الجمعيات.

لقد نصت المادة السادسة من قانون الجمعيات السياسية على مبدأ التعددية السياسية في الفكر والتنظيم. وهذا المبدأ لا يتوافق وفكر بعض قوى التمذهب السياسي التي اسست لفكرة القوائم الايمانية التي تنكر إيمان الآخر. فالتعددية السياسية تعني الاستعداد بقبول الآخر Tolerance أما تكفير الآخر وإلغاؤه ورفض مشاركته أو حتى التعاون معه لمعالجة المسائل الوطنية الجامعة فلا يستقيم ومنطق العقل وما قصده المشروع من هذا القانون. فالقانون يقف على الجانب النقيض من ثقافة الاعتقاد بالملكية المطلقة للحقيقة من قبل البعض ومن الفكر الذي يجيز استئصال الآخر.

لقد نص البند (و) من المادة السادسة على عدم جواز استخدام مؤسسات الدولة والمؤسسات العامة ودور العبادة والمؤسسات التعليمية لممارسة نشاطها. واذا بنا نشهد سلوكا مغايرا من قبل قوى التمذهب السياسي وصل حد التراشق بالمنجنيق من على منابر العبادة التي انما وجدت لنشر المحبة والالفة بين الناس، ما يعكس طبيعة فكر جماعات اللون الواحد القائم على الاستئثار ورفض التسامح.

وقد انسحب هذا السلوك المشين على بعض المؤسسات التعليمية وعلى مؤسسات الدولة التي باتت هدفا مبرمجا للاستحواذ والاستقطاب من فئات التمذهب السياسي واصحاب المصالح الآنية خلافا للقانون.

تعطيل القانون هو إلغاء للوطن

إن وطننا يمر فعلا بمرحلة حرجة للغاية. فليس أخطر على الأوطان من تشطيرها وتقطيع أواصرها وانعدام الثقة بين مواطنيها، فبلوغ هذه المرحله يدق ناقوس خطر الضياع. إن اعتقاد جمعيات اللون الواحد بأنها بمواقفها الفئوية هذه إنما تخدم مصالح اتباعها هو اعتقاد خاطئ لا يصمد امام تبعاته الخطيرة على وحدتنا وانتمائنا الوطني، فأية مصلحة نجنيها من تشطير الوطن؟

إننا امام حالة نرى فيها جمعيات التمذهب السياسي مشغولة ببعضها بعضا استجابة لما هو معول عليها ومتوقع منها بهدف خلط الاوراق وتوجيه الانظار عما يواجهه الوطن من ضياع للهوية الوطنية ومن استغلال فاحش لثرواته. حالة يتم فيها غض الطرف عن تجاوزات للقانون وغياب المساءلة والمحاسبة الحقة في ساحة عمل سياسية مفتوحة على انشاء الكانتونات الفئوية.

إن المواطن بات يشعر بالتململ من انتشار ظاهرة التمذهب السياسي وبوطأة فقدان الهوية الوطنية، وهذا ما عبر عنه الشيخ صلاح الجودر في خطبة الجمعة (1 فبراير/ شباط الجاري) حين حذر من تصنيف الناس بسبب انتماءاتهم المذهبية وتأسيس الجمعيات التي لا تجد في كياناتها من هو مختلف مذهبيا، متساءلا عن الجهة المستفيده من هذه الاصطفافات الطائفية.

من هنا فالمواطن مدعو إلى رفض استبدال انتمائه الوطني بانتمائه المذهبي، فالدين لله والوطن للجميع، وعلى العقلاء والوطنيين المنتسبين لجمعيات التمذهب السياسي الدفع باتجاه مراجعة سياسات وحسابات هذه الجمعيات لكي لا تكون شماعة يشار إليها بالمساهمة في ايذاء الوطن. فالولاء للوطن يسمو على كل الولاءات الاخرى التي لن تسعفنا عن ضياع الهوية مهما كانت انتماءاتنا السياسية والاجتماعية والمذهبية.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 1978 - الإثنين 04 فبراير 2008م الموافق 26 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً