لست أدري ما سر اهتمام الأمم المتحدة بالمرأة السعودية؟ ولست أدري - كذلك - ما سر اهتمام القيادة الأميركية - سابقا - بالمرأة السعودية والديمقراطية في السعودية؟
لو كان هذا الاهتمام الذي يظهر مرة ويختفي أخرى لوجه الله، أو لوجه الحقيقة لفرحنا به، ولكن الظروف التي تقذف به مرة وتخفيه أخرى تجعلنا ننظر إليه بكثير من الشك والارتياب.
الأمم المتحدة تطالب المملكة العربية السعودية بالسماح للمرأة بقيادة السيارة والسماح لها - أيضا - بالسفر من دون محرم، كما تطالب كذلك بعدم منعها من العمل والتعليم ومساواتها بالرجل في هذه المسائل. وأعجب من هذه «الأمم» كيف تهتم بهذه المسائل الصغيرة وتتعامى عن حقوق المرأة في غزة والعراق!
هل تجرؤ هذه الأمم على الحديث عن الانتهاكات الخطيرة للمرأة في غزة وفي العراق؟ ألا يرى هؤلاء القوم كيف تقتل النساء هنا وهناك؟ ألا يرون كيف تم انتهاك أبسط حقوقهن الإنسانية؟ ألا يرون الحصار والتجويع والموت يحيط بهن من كل جانب؟ لماذا يصمتون هناك ولا يجرأون على اتخاذ أي قرار يصب في صالحن بينما يصدرون أكثر من قرار للحديث عن المرأة السعودية؟
لست ضد قيادة المرأة السعودية للسيارة ولا في سفرها من دون محرم إذا وافق زوجها أو والدها، ولكنني لا أرى أن هذه المسائل على درجة عالية من الأهمية لأن المجتمع سيتقبلها في يوم ما.
أما الحديث عن عدم إتاحة الفرصة للمرأة في العمل أو التعليم فهذا كلام لا صحة له؛ فعدد الطالبات في الجامعات يكاد يفوق عدد الطلاب، والعمل متاح للمرأة كما هو متاح للرجل سواء بسواء، وإذا كان هناك عدد من النساء لا يعملن فهناك أيضا آلاف الشباب لا يعملون.
السادة في الأمم المتحدة لا يعلمون أن لكل مجتمع خصوصيته، ولكل دين خصوصيته فراحوا يطلقون الأحكام والمقترحات جزافا وكأنهم يعيشون خارج هذا العالم! وأجزم أن هؤلاء السادة يعرفون خصوصية الدين الإسلامي، لأنهم - ببساطة - يتحدثون عن خصوصية الأديان الأخرى مثل اليهودية والنصرانية ولا أراهم يتجرأون على الحديث عن خصوصيات هذه الأديان.
الأمميون طالبوا السعودية بإعطاء المرأة حرية الزواج وحرية الطلاق وحريات مشابهة لهذا النوع من الحريات، كما طالبوا - أيضا - بإعطاء الحرية لزواج المثليين رفقا بهؤلاء الطيبين وحتى يمارسوا حياتهم بصورة طبيعية!
ومرة أخرى يزداد عجبي من هؤلاء القوم وشدة حرصهم على المواطن السعودي برجاله ونسائه وأهمية ممارسته لحريته بكل أنواعها وأشكالها...
لم أستطع أن أعرف كيف يفهم هؤلاء معنى الحرية وحدودها وضوابطها؟ ولست أدري كيف عرفوا حاجة المجتمع السعودي إلى كل هذه الحريات؟ وكيف أدركوا كيف كان هذا المجتمع محروما عنها كل تلك السنوات؟!
هل زواج المثليين مباح في كل أنحاء العالم ولم يبق إلا السعوديون المحرومون منه؟ ألم يسمع هؤلاء أن كل أصحاب الديانات قاوموا هذا النوع من الزواج لأنه شذوذ عن الطبيعة البشرية بكل المقاييس؟ لقد حرمه بابا الفاتيكان وحرمه حاخامات اليهود فضلا عن علماء المسلمين بكل مذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية...
هذا فضلا عن أن دولا قليلة العدد هي التي سمحت به لظروف خاصة أما معظم دول العالم فجعلته جريمة يعاقب عليها القانون، فلماذا الحديث عن السعودية تحديدا في هذا المقام الخسيس؟
أما الزواج والطلاق فلا أعرف أن للسعودية موقفا سيئا منه، فالمرأة السعودية لا تتزوج إلا باختيارها ولا يتم العقد عليها إلا بعد أن يسألها العاقد مباشرة عن رأيها في الرجل المتقدم لها...
وأما الطلاق فالسعودية قبل غيرها - من الدول العربية جعلت للمرأة الحق في طلب الطلاق (الخلع) من زوجها وألزمت القاضي بإتمام عملية الخلع اذا رغبت فيه الزوجة بضوابطها الشرعية.
والأمر هنا لا يتعلق بالسعودية تحديدا بل يتعلق بالدين الإسلامي الذي أعطى الحق الكامل للمرأة بخلع زوجها إذا رأت أن بقاءها معه مستحيل...
أعترف بوجود تجاوزات في هذه المسألة سواء من قضاة المحاكم، أو بعض الآباء، ولكن هذه التجاوزات لا تنفي أن الأصل هو إعطاء المرأة حريتها الكاملة في اختيار زوجها أو طلاقها منه بعد ذلك إذا رغبت فيه.
يبدو لي أن المسألة ليست مسألة حقوقية في مجملها، وأنها ليست حرصا على المرأة السعودية، وإلا ما علاقة زواج المثليين في هذا التقرير مع كل علامات الاستفهام عليه؟
أرجح أن القضية هنا مسيسة وهي ليست مسيسة ضد السعودية بقدر ما هي مسيسة ضد الدين الإسلامي الذي أصبح يتناوله كل من هب ودب... ولو كان أصحاب هذا الدين أقوياء محترمين لما قيل عن دينهم وعنهم بعض ما يقال اليوم ولما أصبحوا عرضة لكل تافه يدوس على مقدساتهم.ولو كانت القضية تتعلق بالحرية - ولا شيء آخر - لما قام العالم كله وسن القوانين ضد من يتحدث عن المحرقة النازية حتى ولو كان كلامه صحيحا وموثقا علميا.
لم تتحدث الأمم المتحدة عن حق الناس في الحديث عن هذه المسألة وبعض المحرمات الأخرى، ولكنهم اتجهوا للحديث عن مسائل أجزم أنهم يعرفون أن معظم كلامهم عنها لا يمت للحقيقة بصلة... نحتاج إلى أن نكون أقوياء نحترم كل فرد فينا، وتحترم حكومتنا كل فرد من أبنائها وعندها لن نسمع كل هذا الهراء.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1978 - الإثنين 04 فبراير 2008م الموافق 26 محرم 1429هـ