العدد 1978 - الإثنين 04 فبراير 2008م الموافق 26 محرم 1429هـ

التضخم في قطر

جاسم حسين jasim.hussain [at] alwasatnews.com

تعد ظاهرة التضخم (أي ارتفاع الأسعار وبقاؤها مرتفعة) حقيقة يومية في قطر. بحسب تقرير حديث صادر من مؤسسة (ميريل لينش) المتخصصة في مجال الاستثمارات، فقد بلغ متوسط الغلاء في قطر 14 في المئة في العام 2007. كما توقع التقرير ارتفاع المعدل إلى 14.5 في المئة مع نهاية العام الجاري. تعد هذه الأرقام مرتفعة إلى أقصى حد ممكن مقارنة بالسنوات الماضية إذ تراوح المتوسط في حدود 2.6 في المئة في الفترة ما بين 2002 و2004.

قيود على الإيجارات

وكرد فعل لكبح جماح التضخم قررت السلطات القطرية بتحديد ارتفاع قيمة الإيجارات بواقع 10 في المئة سنويا كحد أقصى ابتداء من العام 2006. وقد تم اتخاذ الخطوة للحد من قيام أصحاب الأملاك بإجراء زيادة دورية على الإيجارات. بيد أنه لم تظهر مؤشرات على نجاح هذه السياسة نظرا لتسببها في الحد من العرض وليس الطلب.

وجاء في تقرير حديث صادر عن وحدة البحوث الاقتصادية التابعة لمجموعة (الإيكونومست) البريطانية أن سياسة وضع حد أعلى لزيادة الإيجارات لم تفلح جملة وتفصيلا وذلك على خلفية استمرار توافد الأجانب إلى قطر مستفيدين من الطفرة الاقتصادية في البلاد. لاشك في أن العمالة الأجنبية (الماهرة وشبه الماهرة وغير الماهرة) بحاجة إلى السكن. كما واجهت سياسة الحد من الزيادة السنوية في إيجار العقارات مشكلات عدة تمثلت في رغبة بعض أصحاب الأملاك الالتفاف على القانون، فضلا عن استعداد بعض المستأجرين لدفع أسعار أعلى بسبب مشكلات متعلقة بالعرض.

يساهم ارتفاع أسعار العقار بشكل نوعي في استمرار ظاهرة الغلاء في الاقتصاد القطري. فقد كشف تقرير منشور في مجلة «ميدل ايست ايكونوميك دايجست» أن مستوى التضخم في قطر بلغ 14.81 في المئة في شهر آذار/ مارس من العام 2007. وبحسب التقرير فقد ارتفعت أسعار الإيجارات وكلفة السكن بنحو 29 في المئة في الشهر نفسه الأمر الذي ساهم في تسجيل هكذا الرقم الكبير نسبيا في مؤشر الغلاء. بمعنى آخر، تعتبر أسعار العقارات أحد المتغيرات الرئيسية لمشكلة الغلاء في قطر.

النمو الاقتصادي

يمتاز الاقتصاد القطري بسرعة النمو، إذ يعد واحدا من أكثر الاقتصاديات العالمية نموا. تتوقع مجموعة (الإيكونومست) البريطانية أن يرتفع النمو الحقيقي (أي المعدل لعامل التضخم) للناتج المحلي الإجمالي لقطر من 7.8 في المئة في العام 2007 إلى 9.3 في المئة في العام 2008. كما من المنتظر أن ترتفع نسبة النمو الاقتصادي إلى 12.4 في المئة في العام 2009 بسبب التطورات السريعة في قطاع الغاز.

تعتبر قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم وهي في طريقها لتصبح أكبر مصدر غاز (بكل أنواعه) في العالم في العام 2010. وكانت قطر قد فتحت صناعة الغاز قبل عدة سنوات أمام الشركات النفطية العالمية والتي بدورها نجحت في تطوير القطاع النفطي برمته.

إضافة إلى القطاع النفطي (النفط والغاز) تساهم القطاعات الأخرى بدورها في النمو الاقتصادي المتميز في قطر. والإشارة هنا إلى بعض قطاعات الخدمات مثل إقامة الفعاليات المختلفة على مدار السنة. في الأسبوع الماضي نجحت قطر في استقطاب المطربات والمطربين العرب لإحياء موسم الغناء السنوي. ويواجه الزائر لقطر هذه الأيام معضلة الحصول على غرفة للإقامة بسبب طلب احتضان قطر لمختلف أنواع الأنشطة بما في ذلك الرياضية منها.

تشديد القيود

من جهة أخرى، نقلت مجلة «ميد» عن وزير المالية يوسف حسن كمال قوله إن السلطات القطرية تدرس سبلا أخرى للحد من ارتفاع التضخم بما في ذلك بيع السندات لغرض امتصاص السيولة إضافة إلى تشديد القيود على زيادة الإيجارات فضلا عن فرض قيود على الأسعار. يبقى علينا الانتظار لفترة لمعرفة التأثيرات المحتملة لهذه الخطوات على تحقيق الهدف الأسمى ألا وهو تحجيم ظاهرة التضخم.

بدورها حذرت مجموعة (الإيكونومست) من خطر وضع قيود على الأسعار لما لذلك من تأثير سلبي على النشاط التجاري في البلاد. ربما تتسبب الخطوة في تحاشي المؤسسات بالاحتفاظ بكمية من المواد المطلوبة في المخازن الأمر الذي قد ينال من الكميات المتوافرة في السوق.

بدورنا نعتقد أنه ليس من السهل البتة التعامل مع ظاهرة التضخم في هذه الفترة التاريخية نظرا لارتباط الاقتصاد القطري بالتطورات في الدول الأخرى. المعروف أن الريال القطري مرتبط بالدولار الأمريكي بقرار سيادي من السلطات القطرية ما يعني المطلوب من استيراد معدلات الفائدة السائدة في الولايات المتحدة.

حديثا فقط قرر بنك الاحتياط الفدرالي الأميركي تخفيض قيمة الفائدة بواقع 75 نقطة و50 نقطة أخرى في الأسابيع القليلة الماضية تخوفا من حدوث انحسار اقتصادي في الولايات المتحدة. بدورها عمدت السلطات المالية في قطر إلى اتخاذ خطوات مشابهة ما يعني توافر المزيد من السيولة إذ إن مصلحة المستثمرين تقتضي عدم إيداع الأموال في المصارف نظرا لتراجع العائد. لاشك في أن توافر المزيد من الأموال في السوق يعني فيما يعني تعزيز ظاهرة الغلاء لأسباب بسيطة منها عمليات الشراء أو الاستثمار في العقارات.

عدو الجميع

يعد التضخم أكبر عدو لأي اقتصاد بل أكثر سوء من البطالة. ومرد ذلك أن التضخم يضر الجميع، إذ ترتفع الأسعار بالنسبة للفقير والتاجر (أكثر ضررا على الفقير من الناحية النسبية) لكن لا ينطبق الأمر نفسه بالضرورة على البطالة إذ يتركز الضرر على العاطلين والقريبين منهم. للأسف الشديد لا يوجد في الأفق مؤشر يظهر على قدرة السلطات القطرية في مواجهة معضلة التضخم (عدو الجميع).

يبقى أن ما يميز قطر عن بعض الدول الأخرى في المنطقة هو استعداد حكومتها لمساعدة مواطنيها في التكيف مع ظاهرة الغلاء بدليل زيادة الرواتب في العام 2007 بنسبة 40 في المئة. كما يدفع المواطن القطري مبلغا رمزيا لتعرفة الكهرباء فضلا عن الهاتف الثابت.

إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"

العدد 1978 - الإثنين 04 فبراير 2008م الموافق 26 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً