في منتصف الشهر الماضي وافق أكثرية النواب - ما عدا كتلة المعارضة - على مشروع تعديل قانون النقابات. وتم تحويل مشروع القانون إلى مجلس الشورى؛ للموافقة عليه. ومن المحتمل جدا أن يمرره؛ لأن الذي طرح المشروع منذ البداية هو مجلس الوزراء. فالمعروف تقليديا أن مجلس الشورى يوافق على الرغبات الرسمية.
التعديل الجديد ينص على إفساح المجال للتعددية في النقابات داخل المنشأة الواحدة؛ وهذا يعني احتمال تكوين أكثر من نقابة واحدة في أية شركة، وربما تكوين أكثر من اتحاد، إذا شاءت نقابات محددة أن تتحد دون غيرها.
المشكلة ليست في التعددية؛ لأننا من الذين يسعون إلى التعددية بمفهومها العام، ولكن في هذه الحال يعد ذلك استغلالا للتعددية لضرب مفاهيمَ أكبرَ. فالسماح بالتعددية النقابية يعني - في ظل ظروفنا الحالية - السماح بتشكيل نقابات طائفية وفئوية داخل كل مؤسسة. فالشركة التي لديها نقابة واحدة حاليا تجمع الجميع فإنها في المستقبل ستكون لديها نقابة للشيعة ونقابة للسنة ونقابة للمجنسين ونقابة للأجانب، وستكون لنا اتحادات تحمل الأنماط المذكورة.
إن المتضرر الأكبر من السماح بالتعددية هو الجسم العمالي المتشكل حاليا على أساس وطني، وهذا إضرار بالوحدة الوطنية. فلقد سمعنا من الحكومة سابقا انها ترفض تكوين اتحاد للصناديق الخيرية إذا كان سيصبح لدينا تشكيلان، أحدهما شيعي والآخر سني. وهذا موقف سليم؛ لأن الدولة يجب أن تنسق الجهود على أساس وطني وألا تفسح المجال للتفتيت الفئوي. ولذلك فالمستغرب إن الحكومة ذاتها تسعى الآن إلى تقسيم النقابات، ونحن نعلم أن التقسيم سيتخذ طابعا غير وطني في أغلب الأحوال.
إننا لسنا ضد التعددية النقابية من الأساس، ولكننا ضدها إذا كانت مقدمة لتفتيت اللحمة الوطنية. ثم إن أقوى النقابات المستقبلية ستكون النقابات الهندية أو الأجنبية؛ لأن العمال الأجانب أكثر من العمال المواطنين في القطاع الخاص. أما القطاع العام فالحكومة مازالت تخالف القانون وتخالف التزاماتها الدولية وتمنع النقابات من التشكل فيها، كما أن الحكومة أصدرت لائحة بمنشآت اعتبرتها حيوية (ومنها بابكو) ومنعت التحركات النقابية الاحتجاجية فيها.
إن الحكومة ليس لديها بعد نظر عندما تسعى الى تفتيت العمل النقابي من خلال وسائل ستعود عليها بالضرر لاحقا قبل غيرها. فالعالم اليوم تغير، ومهما استخدمت الحكومة وسائلَ للحد من حرية التعبير أو حرية التجمعات أو حرية العمل النقابي، فلن تستفيد كثيرا في نهاية الأمر.
ومن حقنا أن نتساءل إذا كانت الحكومة حريصة على التعددية والعمل النقابي: لماذا لا تسمح بالنقابات في القطاع الحكومي؟ ولماذا لا تسمح بتعددية غرفة تجارة وصناعة البحرين؟ ولماذا لا تفسح المجال للتعددية الحزبية بالشكل المطروح عالميا بدلا من محاصرة العمل السياسي في جمعيات ذات إطار محدود؟ ربما إن الجواب عن هذه الأسئلة وغيرها هو: إن الحكومة تسعى إلى إفراغ أي نشاط ديمقراطي من محتواه وإضعاف الجانب المجتمعي في كل المعادلات.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1978 - الإثنين 04 فبراير 2008م الموافق 26 محرم 1429هـ