العدد 1978 - الإثنين 04 فبراير 2008م الموافق 26 محرم 1429هـ

الوسطية الإسلامية... دعم الجيل الثالث من الإسلاميين

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

على مدار أكثر من ثلاثة عقود، سيطرت التنظيمات الدينية المتشددة، كالجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد في مصر، والجماعة الإسلامية المسلّحة في الجزائر، وتنظيم القاعدة، على جذب الاهتمام العالمي. في هذه الأثناء، واجهت التيارات المعتدلة ولاتزال صعوبة في التعبير عن نفسها على المستوى العالمي على رغم أنها تعبّر عن الجوهر الحقيقي للدين الإسلامي.

الآن، وبعد خفوت الموجات الجهادية العنيفة الواحدة تلو الأخرى، كما يظهر من تراجع جاذبية التنظيمات الجهادية وتفكك القيادة المركزية لتنظيم القاعدة وتحوله إلى مجرد حالة فكرية وليس تنظيما هرميا، يبدو أن العالم العربي بات أكثر تؤهلا لتلقي الأفكار الوسطية التي تحض على التسامح والاعتدال والتواصل مع الآخر.

ويأتي هذا نتيجة للمعاناة التي واجهتها المجتمعات العربية طيلة ثلاثة عقود بسبب انتشار العنف الجهادي والملل من نغمات الجهاد والاستشهاد، وخصوصا في ظل عمليات القتل التي تحدث للأبرياء والمدنيين. بيد أن تحويل هذا الوضع كله يحتاج إلى تدعيم من خلال إفساح المجال أمام التيارات الإسلامية المعتدلة كي تصبح شريكا أساسيا في اللعبة السياسية في العالم العربي.

وبعيدا عن الحركات الإسلامية التقليدية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، عمل الناشطون الإسلاميون الوسطيّون على إرساء قواعد وجودهم بشكل مطرد منذ أكثر من عقدين. فهناك على سبيل المثال حزب النهضة في تونس، الذي تأسس في العام 1981، وحزب العدالة والتنمية في المغرب الذي يضم في صفوفه خليطا من الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية التي تأسست العام 1967، وأعضاء من حركة «الإصلاح والتجديد» المغربية، وحزب الوسط الإسلامي الأردني الذي تأسس العام 2001، وحزب «الوسط الجديد» في مصر، الذي يكافح أعضاؤه منذ عشر سنوات من أجل الحصول على رخصة قانونية تمكنه من مزاولة العمل السياسي، وحزب الوسط السوداني الذي تأسس العام 2006.

وثمة عوامل موضوعية تدفع بضرورة الاهتمام بظاهرة «أحزاب الوسط الإسلامية»، إذ تعبر هذه الأحزاب عن درجة متقدمة من الوعي السياسي «الإسلامي» طالما افتقدته الساحة العربية منذ نشأة الدولة الوطنية قبل نصف قرن ونيف، وهو الذي تعرض لقدر كبير من التشويه بفعل الصراع الضاري بين الدولة وتيارات العنف الديني الذي استمر قرابة عقود ثلاثة من القرن الماضي (من السبعينات وحتى نهاية التسعينات)، ما أثار الشكوك بشأن فرص «إنضاج» تجربة سياسية «إسلامية» مدنية.

ومن جهة ثانية تمثل هذه الأحزاب خروجا عن التصنيف التقليدي لتيارات الإسلام السياسي بين معتدل وعنيف، كي تضيف معيارا جديدا للتصنيف يتمثل في الكفاءة السياسية، أي قدرة هذه التيارات على استيعاب مفاهيم الديمقراطية والعمل المدني، والتعاطي معها بعيدا عن هيمنة «الدين» على ممارساتها السياسية. وتؤمن هذه الأحزاب باستطاعة الإسلام توفير إطار أخلاقي للعمل السياسي من خلال الالتزام بالقيم العالمية والإسلامية الأساسية مثل العدالة والحرية والمساواة والمواطنة. فهي تحترم، على سبيل المثال، فكرة التعددية السياسية ولا تمانع من قيام أحزاب علمانية أو شيوعية، كما أنها تعترف بجميع حقوق الأقليات غير المسلمة.

لذلك فإن كون هذه الأحزاب إسلامية هو أنها تنطلق من منظومة قيمية عامة باعتبارها إطارا عاما، شأنها في ذلك شأن المرجعية الليبرالية أو الاشتراكية. وتملك هذه الأحزاب القدرة على التشبّع بمفاهيم الديمقراطيّة والخدمة المدنيّة بأسلوب يتناغم مع التيّار الإسلامي الرئيس من دون الوقوع ضحيّة لقيود بعض التفسيرات الأضيق أفقا.

وعلى سبيل المثال، ترفض أحزاب الوسط أي تمييز بين المواطنين في تولي المناصب العامة سواء على أساس الجنس أو اللون أو الدين أو العرق، في حين تصر جماعة مثل جماعة الإخوان المسلمين على هذا التمييز إذ ترفض أن تتولى المرأة أو الأقباط منصب الرئاسة في مصر.

وألقت هذه المحدّدات المفروضة لتطوير نموذج سياسي فاعل بظلالها على الفلسفة الإسلاميّة السياسية خلال القرن الماضي. فالأحزاب الأخرى الأكثر تشددا «متقوقعة» داخل جدران «النص الديني»، من دون القدرة على تجاوزها، ما أدى إلى جمودها السياسي والفكري، وقلل من فرص دمجها في الحياة المدنية.

وتقدم هذه الأحزاب كذلك رؤية متميزة لطبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، فهي لا تفرض على سبيل المثال نمطا معينا للحكم أو لشكل الدولة وقوانينها، فلا تنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية وإنما تترك المجتمع يختار النموذج الأمثل له. عبر هذه المبادئ، تمكنت هذه الأحزاب من حل تلك الإشكالية التاريخية المتمثّلة في عدم القدرة على الفصل بين الدين والسياسة في الحياة العامة، والتي طالما أصابت جميع التيّارات الإسلاميّة السياسية.

يتخذ الإسلام مكانة مركزيّة بين هذه الأحزاب السياسية الوطنيّة، وهو متطلّب مسبق للمصداقية في جمهور التيار الرئيس، وعنصر حماية في مواجهة الذين قد يهاجمونهم بحجة ابتعادهم عن الدين. السياسة الإسلامية الوسطية، بالتزامها الصادق بمبادئ الإسلام الحنيفة والهويّة الثقافية من جهة، ومواجهة تحديّات الحياة السياسية الحديثة من جهة أخرى، هي السبيل المعقول الوحيد للمضي قدما بالنسبة للكثير من أقطار العالم العربي.

*خبير مصري متخصص في شئون الإسلام السياسي، ومؤلف كتابي «الإخوان المسلمون في مصر... شيخوخة تصارع الزمن»، دار الشروق الدولية، 2007» و «الإسلام السياسي... الظاهرة والمفهوم، 2007»،

نائب مدير تحرير مجلة «السياسة الدولية، مؤسسة الأهرام»،

والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1978 - الإثنين 04 فبراير 2008م الموافق 26 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً