جمهورية تشاد الإسلامية هي إحدى دول وسط القارة الإفريقية، وتعتبر همزة الوصل بين الدول الإسلامية في شمال إفريقيا وآسيا ودول الجنوب والغرب الإفريقي، كما أنها كانت من أهم المناطق الإسلامية في إفريقيا؛ إذ موقعها الاستراتيجي بين الدول العربية والإفريقية قد جعلها ملتقى لكثير من الحضارات الإسلامية خصوصاوالإفريقية عموما، وكان الدعاة قد جعلوها نقطة انطلاق لكثير من قوافل نشر الدعوة الإسلامية، فالإسلام وصل إلى تشاد في القرن الثالث للهجري، وقيل إن أول قائد مسلم وصل إلى تشاد هو عقبة بن نافع الفهري في القرن الثالث الهجرة، إذ دخل أهل تشاد في الإسلام من دون قتال بعد اقتناعهم بعدالة الإسلام والمساواة.
أطلق العرب على عاصمتها أنجمينا أي «استرحنا من وعثاء السفر والرحيل». نسبة المسلمين في تشاد أكثر من 85 في المئة من مجموع السكان البالغين 10 ملايين والمسيحيون يمثلون 11 في المئة و4 في المئة تتقسم بين معتقدات محلية وإثنية. تتمتع تشاد - المستعمرة فرنسيا سابقا - ببعض الثروات المعدنية وتم أول تصدير للنفط في العام 2003.
علاقة تشاد بدارفور خصوصا والسودان عموما
العلاقة بين تشاد وإقليم دارفور السوداني علاقة قديمة، إذ تحد تشاد الإقليم السوداني المضطرب من ناحية الغرب. وتعود العلاقة إلى عهد مملكة ودّاي التي قامت في تشاد العام 1615م إلى العام 1900م. ويقال إن مؤسس هذه المملكة هو رابح فضل الله (سوداني من قبيلة الدينكا). وتشمل هذه المملكة جميع أقاليم دارفور وجزءا كبيرا من تشاد، إلى جانب التداخل السكاني والقبائل المشتركة التي لا تعرف الحدود بين السودان وتشاد وأبرزها قبيلة الزعاوة (غير العربية) التي ينتمي إليها الرئيس التشادي إدريس ديبي. وهي القبيلة ذاتها التي ينتسب إليها كبير مستشاري الرئيس السوداني عمر البشير، منى أركو مناوي. كما توجد قبائل المسيرية العربية في كلتا الدولتين.
الصراع في دارفور وتأثيره على تشاد
بدأت جذور الصراع في دارفور منذ ثمانينيات القرن الماضي، أي قبل عهد ثورة الإنقاذ بقيادة الرئيس عمر البشير، وكانت ذات طابع محلي بين الرعاة (العرب) والمزارعين (غير العرب). وقيل إن حزب الأمة الحاكم آنذاك بزعامة الصادق المهدي انحاز إلى جانب الرعاة «القبائل العربية المعروفة الآن في الإعلام الغربي بالجنجويد»، على حين وقف شريكه في الحكم الائتلافي آنذاك الحزب الاتحادي والديمقراطي (بزعامة محمد عثمان الميرغني) إلى جانب المزارعين (القبائل غير العربية). وعُرِفت المناوشات في حينها بـ «النهب المسلح»، ثم تطور الصراع بتدخل دول الجوار وأميركا وفرنسا ليصل إلى مرحلة لم يعد فيها صراعا محليا دارفوريا فقط، بل شمل عقب التدخل الخارجي تشاد والنظام السياسي في أنجمينا.
وبما أن السلاح منتشر في هذه المنطقة؛ بسبب الصراعات، أصبح من السهل أن تكوّن أية قبيلة كيانا ناقما على المركز. ففي إقليم دارفور السوداني تمردت بعض القبائل مثل الزغاوة والفور والمساليت وغيرها (غالبيتها غير عربية) وحملت السلاح ضد سلطة المركز في الخرطوم متأثرة بما حصل لجنوب السودان من شبه استقلال.
وفي شرق تشاد نشأت حركات عدة منها اتحاد القوى من أجل التنمية والديمقراطية بقيادة محمد نوري، والقوى من أجل التغيير بزعامة تيجاني أردني، والوفاق الوطني التشادي برئاسة حسن صالح الجنيدي وغيرها. وهذه الحركات ثارت طبعا في وجه أنجمينا.
في هذه الأثناء اتهمت الخرطوم وأنجمينا بعضهما بعضا بدعم الحركات المتمردة في كلا البلدين. وكثيرا ما توسطت ليبيا بزعامة العقيد معمر القذافي لحل الخلافات بينهما.
وفي الواقع ليس لأنجمينا مصلحة مباشرة في دعم التمرد في دارفور على رغم مزاعم أن قبيلة الزغاوة التي ينتمي إليها ديبي تريد أن تقيم مملكة الزغاوة الكبرى في المنطقة. كما ليس للخرطوم مصلحة مباشرة في اضطرابات أنجمينا، ولكن وجود أي نظام تشادي جديد مستقل عن التبعية للخارج من شأنه أن يؤثر إيجابا في الوضع بدارفور طبعا. لذلك مثّل ديبي في بداية صراع دارفور دور الوسيط إلى أن ضغطت عليه القوى العظمى وربما حثته على الابتعاد عن هذا الدور مقابل دعم نظامه ولإفساح المجال للتدخل الدولي في دارفور وتنفيذ قرارات «الشرعية الدولية» المتمثلة في نشر قوات من الأمم المتحدة غرب السودان بعد أن رفضت الخرطوم التعاون في ذلك.
وعلى رغم أن لا وجود لبيّنات على تورط النظام السوداني في الاضطرابات الأخيرة في تشاد، فإن الخرطوم قد تكون أول المستفيدين بطريقة غير مباشرة من التغيير في تشاد. فبمجرد أن تحرك المتمردون نحو أنجمينا أوقفت الدول الأوروبية إرسال قواتها إلى شرق تشاد لـ «حماية معسكرات النازحين من دارفور»، كما تزعم. كما أن للزعيم القذافي أيضا مصلحة في عدم إرسال قوات أوروبية إلى المنطقة على رغم إدانته محاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة في تشاد، ولكنه يرفض دوما التدخل الأجنبي في إفريقيا.
ابحث عن أميركا
من المعروف أن تشاد انضمت إلى قائمة الدول المنتجة للنفط حديثا، إذ يستخرَج من حوض بجنوب البلاد ويشحن النفط ويصدّر عبر ميناء بساحل خليج غينيا عبر خط أنابيب بامتداد 1070 كيلومترا. تعمل في حقول النفط التشادي مجموعة شركات أميركية وهي: موبيل بتروناس وشيفرون، ولكن هذه الشركات اشتكت كثيرا من مضايقات الحكومة التشادية ومحاولة ديبي تأميم النفط أو استبدال الشركات بأخرى ولعل من مصلحة الدول الأوروبية أيضا الدخول في استثمارات النفط الإفريقي التشادي ليكون بديلا للنفط العربي باهظ الكلف سياسيا. ولذلك لم نسمع حتى الآن عن رد فعل أو إدانة أميركية لما يجري في أنجمينا على رغم اهتمام واشنطن بهذه المنطقة في الآونة الأخيرة. فقد أعلن وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد أن الاستراتيجية الأميركية ستتوجه إلى إفريقيا حيث «الوجود الأميركي هامشي» كما قال؛ ولأن المنطقة مقبلة على عدم استقرار ومن الضروري تأمين الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط من الإرهابيين وتنظيم «القاعدة». عموما، لا أحد يريد التغيير بالقوة في أي مكان، ومن المعروف أن عدم الاستقرار في غالبية الدول الإفريقية مرده إلى عدم الاستقرار السياسي والثورات المناوئة للحكومات المركزية. ولهذا السبب اتخذ الاتحاد الإفريقي قرارا منذ سنوات بألا يعترف بأي كيان يستولي على السلطة بالقوة في أية دولة من دول القارة السمراء. ولا أحد يضمن الاستقرار حتى إذا تغير نظام ديبي. فربما تنزلق الدولة بكاملها في صراعات إثنية تضيع هيبة المركز والعاصمة، وتصبح تشاد بالتالي صومالا آخرَ لا قدّر الله.
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 1977 - الأحد 03 فبراير 2008م الموافق 25 محرم 1429هـ