لاتزال الجمعيات العاملة في نطاق الدفاع عن حقوق الإنسان بعيدة نوعا ما عن شريحة كبيرة من المواطنين والمقيمين، فهناك عدد من المواطنين، من جرب حظه - وفي قضايا مختلفة - مع النشطاء الحقوقيين، فلم يجد آذانا صاغية! أو لربما كان التحرك محدودا بحيث انتهى بلا نتيجة جادة.
وقد يكون الطرف الآخر أيضا معذورا...
نعم، لا بأس من التماس العذر لجمعيات حقوق الإنسان، فهي جزء من منظومة مؤسسات المجتمع المدني، وليس لها تلك السطوة التي نجدها في بعض الدول التي تحترم أساسا حقوق الإنسان... لذلك، فالعذر ملتمس لكلا الطرفين: جمعيات حقوق الإنسان، والمواطنين الذين لم يجدوا ضالتهم لديها، لكن الجهة التي لا يجب أن نعذرها هي الجهات التي لا تتجاوب ولا تتعاون مع تحرك الناشطين.
وليس لتلك الجهات، ومعظمها وزارات حكومية والقليل من المؤسسات الأهلية، أي أعذار! فإذا كانت وزارة الداخلية ذاتها قد غيرت نهجها في مجال حقوق الإنسان وأضافت الكثير، وإن كان هناك بعض النواقص فهي في طريقها الى التعديل بشهادة ناشطين حقوقيين ومواطنين، بل وبعض الذين أوقفوا في الفترة الأخيرة... وهذا ما نتمناه من وزارة الداخلية، وخصوصا بالنسبة إلى الانتقادات والشكاوى الصادرة عن جمعيات حقوق الإنسان، فما تحقق في السنوات الماضية من ارتفاع في فهم «حقوق الإنسان» في الوزارة، الذي كان الفضل فيه لله سبحانه وتعالى ولوزير الداخلية، إلا أنه حين يشكو موقوف من سوء معاملة، فهذه يجب أن تخضع للمساءلة القانونية، وقد أعلن الوزير مشكورا أن الوزارة رصدت ولاتزال ترصد التجاوزات في مجال حقوق الإنسان.
كل ما نطمح إليه هو تكريس احترام الحريات وحقوق الإنسان في التعامل مع الجميع، في إطار من الاحترام المتبادل بين المواطنين ورجال الأمن العام، وفق القوانين والأنظمة المعمول بها، وإن كسب ثقة المواطنين لا تتم إلا من خلال العمل الجاد واحترام حق المواطنين وحسن التعامل معهم.
نعود مرة أخرى إلى الجمعيات الحقوقية، التي يجب عليها، وهي منشغلة في النشاط السياسي، ألا تغفل عن القضايا الاجتماعية التي هي في الأساس أكثر أهمية من القضايا السياسية من وجهة نظري، فلا يمكن أن يكون الحراك السياسي مؤثرا في مجتمع تغيب فيه العدالة الاجتماعية، وليس من المعقول أن ننام ونصحو على أمنيات وأحلام ومطالبات، وهناك العشرات من الناس الذين يرزحون تحت وطأة انتهاكات لحقوقهم باعتبارهم بشرا من دون أن تكون لها صبغة سياسية... طائفية... حرمان من الأجر... سخرة... تهديد ووعيد... التسلط من جانب بعض المتنفذين... حتى داخل بعض الأسر، هناك من القصص التي تردنا ويشيب لها رأس الرضيع... وكلها انتهاك لحقوق الإنسان.
وفي الحقيقة، أبلغني أحد الكتّاب العرب المعروفين على مستوى العالم العربي بأن حقوق الإنسان في الوطن العربي في حال يرثى لها، وأن الكثير من الدول تكذب وتكذب حتى تصدق نفسها، فليس من حق المواطن العربي أن يكون له رأي مخالف لرأي السلطة. كما أن السلطة تعتبر المواطن أحد رعاياها، لكن الكثير من الأنظمة العربية لا تشرعن نفسها ولا تقوم على مبدأ الشراكة في صنع القرار السياسي.
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 1976 - السبت 02 فبراير 2008م الموافق 24 محرم 1429هـ