ربما تكون البحرين واحدة من البلدان القلائل التي تكاد تختفي منها خدمة النقل العام بالشكل المطلوب. فالمنازل أصبحت محاطة بثلاث سيارات أو خمس. وهناك منازلُ أخرى تتوافر فيها سيارة لكل شخص يتجاوز عمره 18 سنة. شارع البديع أصبح من الشوارع التي تتعطل؛ بسبب كثرة السيارات بدءا من سار حتى المنامة. وكل الأماكن مملوءة بالسيارات. وبحسب معلومات الإحصاء الأخيرة فإن عدد نسمة البحرين أصبح أكثر من مليون نسمة، وهناك آلاف السيارات التي تأتي من السعودية والدول الخليجية الأخرى، وكلها تتجه نحو مناطقَ محددةٍ، ولاسيما منطقة السيف.

الغريب أن كلّ من يذهب إلى السيف يستخدم سيارته الخاصة، ولا توجد خدمة لسيارات الأجرة بالشكل الذي نراه في البلدان الأخرى، كما لا توجد خدمة للنقل العام تربط مناطق البحرين بشكل متيسر وفاعل وسريع. وهذا يعني أن الخيار يتجه إلى السيارة الخاصة، وخصوصا مع توافر القروض الميسرة لشراء السيارات.

ولكن امتلاء الأماكن بالسيارات يخلق اختناقات مرورية وتلويثا للبيئة. ولا توجد في البحرين مواقف سيارات كافية. وكل بقعة تتوافر لإيقاف السيارات تمتلئ عن بكرة أبيها. ولو ذهب المرء إلى «طوارئ السلمانية» أو المطار فسيجد أن الكثير من السيارات تم ركنها بطريقة غير قانونية؛ لعدم توافر مكان مناسب.

إن هذا يشير إلى غياب مزمن لأية خطة استراتيجية للمواصلات العامة، وغياب لأية خطة لاستيعاب الأعداد الكبيرة من مستخدمي السيارات. وإذا كنا سنفكر في المستقبل على نحو حميمي للبيئة ولاستخدامات الطاقة فعلينا أن نبدأ بكسر عادة استخدام السيارة الشخصية في كل شيء. ولكن هذا لا يمكن تحقيقه بشكل فردي؛ لأنه بحاجة إلى خطة وطنية شاملة ومتكاملة وداعمة.

إن البحرين مدينة صغيرة في حساب عالمنا الكبير. ويمكننا الاستفادة من التخطيط المتطور المتوافر في كل أنحاء العالم. ولكن مثل هذا الأمر يتطلب تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ويتطلب إعادة توجيه الصرف الحكومي على مشروعات البنية التحتية الاستراتيجية، وإزالة المعوقات التي خلقها لنا عشوائية التمدد العمراني وتخبطه اللذان نشهد نتائجهما حاليا.