العدد 1976 - السبت 02 فبراير 2008م الموافق 24 محرم 1429هـ

فوز شطرنج ثلاثي الاتجاهات

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

حضر الرئيس الأميركي بوش، وشاهد، وغادر. لم يكد يغادر حتى قُتِل 25 فلسطينيا وانطلق وابل من الصواريخ من غزّة. لقد انتقل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني من صراع عنيف عنيد واضح المعالم إلى لعبة شطرنج عنيفة عنيدة ثلاثية. تخاف كلّ من «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية وحماس أنْ يتوصّل الطرفان الآخران إلى صفقة على حسابهما، ويصمم كل طرف على السماح بحدوث ذلك.

بالنسبة إلى حماس، يشكل أيّ تقارب بين السلطة الفلسطينية و«إسرائيل» تهديدا. كلما ازداد اقتراب «إسرائيل» ومحمود عباس، الرئيس الفلسطيني، نحو تسوية متفاوض عليها، كلما أصبح من الصعب أكثر على الإسلاميين الحفاظ على دعمهم وتوسيعه. كما أن أي جهد من قبل «إسرائيل» لخنق غزّة التي تسيطر عليها حماس، مع محاولات من قبل السلطة الفلسطينية لمزيد من الضغط على بنية حماس الأساسية في الضفة الغربيwة واعتقال مقاتليها سيعرض كذلك الحركة الإسلامية للخطر.

تخشى «إسرائيل» من أنْ يقوم عباس، بضغط من الرأي العام الفلسطيني والدول العربية ومخاوف حزبه من حرب أهلية فلسطينية، بإجراء تسوية مع حماس.

لا يمر يوم من دون اتصال غير رسمي بين فتح، حزب عباس، ونظيره الإسلامي. ما وراء ذلك تنسجم الوحدة الفلسطينية أكثر بكثير مع توجهات أي زعيم فلسطيني مما تنسجم مع تنافره. سيقلب أي اتفاق وطني متجدد استراتيجية «إسرائيل» بإطالة الانشقاق الفلسطيني السياسي والجغرافي. كما أنه سيحبط التوقعات بأن تقوم قوات الأمن الفلسطينية بملاحقة الحركة الإسلامية وبأن تفعل بحماس ما لم تستطع فعله «إسرائيل» بكل جبروتها.

يخشى عباس وزملاؤه من تفاهم بين «إسرائيل» وحماس يدعم الحركة الإسلامية على حساب فتح. وهم يخشون من أن يتوصل الطرفان إلى أرضية مشتركة فيعقدوا صفقة تشتمل على وقف لإطلاق النار، وتخفيف حدة الحصار على غزّة والقيام بعملية تبادل للأسرى. ليس هذا القلق من دون أساس، فعلى رغم القتلى في غزة تبرز تقارير عن تعاملات غير مباشرة بشكل متكرر. عندما يدعو صقور إسرائيليون أمثال أفرايم هاليفي (رئيس سابق للموساد) وغيورا إيلاند (الذي عمل كمستشار للأمن القومي لآرييل شارون) وشاول موفاز (وزير الدفاع السابق) علنا إلى نوع من المشاركة مع حماس، لا يسع عباس وعصبته من فتح إلا أنْ يلاحظوا ما يحدث.

يمكن لترتيب معين بين «إسرائيل» وحماس أن يدفع مصالح الطرفين. لقد فشلت «إسرائيل» في تهدئة إطلاق الصواريخ المستمر بين غزة، كما يبقى إطلاق سراح الجندي الأسير منذ صيف العام 2006 العريف جلعاد شاليط هدفا رئيسيا. من ناحيتها تسعى حماس إلى تقوية قبضتها على غزة وإعادة إرساء قواعد القانون والنظام وإثبات قدرتها على الحكم. تحقق صفقة مع «إسرائيل» الكثير باتجاه تحقيق الأمور الثلاثة، فهي ستعطي دفعة لشرعية حماس وتثبت أنّ باستطاعة الحركة أنْ تحقق ما يتفق عليه وتفشل فكرة أنه يمكن هزيمتها عبر عمل عسكري وخنق اقتصادي.

تعمل الأطراف الثلاثة جميعها، وهي متوترة من إمكان تركها خارج اللعبة، بجد ومن دون كلل لتجنب حدوث تفاهم بين الطرفين الآخرين. فحماس تهدد العملية السياسية الإسرائيلية الفلسطينية حديثة الولادة، متحدية شرعيتها وتلمح بأن باستطاعتها اللجوء إلى المزيد من العنف. وتحذّر «إسرائيل» من أنّ الوحدة الفلسطينية المتجددة ستؤدي بالعملية إلى توقف مفاجئ. ويعمل عباس بنشاط على تثبيط همة أي اتصال من قبل طرف ثالث مع حماس. النتيجة النهائية هي عملية جماعية لموت ملك الشطرنج: جمود سياسي يؤذي الجميع ولا يخدم مصلحة أحد.

الحقيقة أنه من المستبعد نجاح أي من هذه الصفقات الثنائية. لا يستطيع أي طرفين بالترادف أن يحققا شيئا. أي طرف من الأطراف الثلاثة يملك القدرة الكافية ليكون مخربا. لا يمكن أن يكون هناك استقرار إسرائيلي فلسطيني ولا معاهدة سلام في غياب موافقة حماس. لن تدوم التسوية بين الأطراف الفلسطينية في غياب الموافقة الإسرائيلية غير الشفهية واستعدادها لرفع الحصار.

يصعب تصوّر أي اتفاق بين حماس و«إسرائيل» بشأن معارضة عباس الشديدة.

حتى يتسنى لأي من هذه الرقصات أن تتقدم، يتوجب عليها جميعا أن تتقدم. التزامن هو المفتاح. يتوجب على فتح وحماس أن تتوصلا إلى ترتيب سياسي جديد, وليس واحدا تعارضه «إسرائيل» بشدة هذه المرة. يتوجب على حماس و»إسرائيل» تحقيق وقف لإطلاق النار وتبادل للأسرى، يتوسّط فيه عباس. ويتوجب على إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يتفاوض على صفقة سياسية مع عباس، الذي يتوجب عليه الحصول على تكليف من حماس لفعل ذلك.

يمكن استبدال العقلية السائدة، التي يعتبر كلّ طرف فيها عقد الصفقات من قبل الطرفين الآخرين تهديدا قاتلا، بعقلية أخرى يُنظَر فيها إلى الثنائيات الثلاثة على أنها تعزز بعضها بالتبادل. لهذا يتوجب على أصدقاء الأطراف وحلفائهم أنْ يلقوا جانبا سياساتهم المدمرة غير الفعالة التي تديرها العقائد. بدلا من ذلك يتوجب عليهم أن يشجعوا نظاما يحد من العنف ويشجع عملية دبلوماسية جادة. خلافا لذلك، وبغض النظر عن عدد المرات التي يسافر فيها الرئيس بوش إلى المنطقة، ليس هنالك من سبب للاعتقاد بأن العام 2008 سيقدم أي شيء آخر باستثناء النمط الرهيب المروع للسنوات الماضية.

* عضو مشارك رئيسي في كلية سانت أنطوني بجامعة أوكسفورد. مدير برنامج الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية، وقد كان مستشارا خاصا للرئيس كلينتون، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1976 - السبت 02 فبراير 2008م الموافق 24 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً