رجل مسلم، تعرفه من لحيته وملابسه، والحركات التي يؤدّيها والتي من الواضح أنها حركات الصلاة، وعلى الرغم من الصورة المعتمة التي تحيط به، إلاّ أنك تستطيع أنْ تميّزه من الإضاءة المنبعثة من السماء الزرقاء بنجومها المتلألئة، وهلال ساطع اللون يتوسّطها، في إشارة أخرى إلى أنّ الشخص الذي تنظر إليه مسلم. ينهي ذلك المسلم صلاته، ويرفع يديه بالدعاء « في إشارة واضحة أخرى للمسلمين» ثم ينهض من مكانه، لتفاجأ به يحمل مدفعا كبير الحجم، يصوّبه نحوك؛ لينطلق لثانية صوت انفجار، وتضيء الشاشة بإنارة الفرقعة التي أحدثها المدفع الذي كان يحمله المسلم، وفجأة يظهر اسم الشركة المنتجة للفيلم السينمائي، الذي لم تتفتق قريحة مبدعيه عن فكرة أجمل ولا أقوى من هذه الفكرة لإنتاج مقدّمة مبتكرة لفيلمهم الهوليودي الجديد.
في تلك المقدّمة، التي عرضت في سينمات البحرين مثلما لابدّ أن تكون قدعرضت في أنحاء العالم كافة عند بدء هذا الفيلم « الذي حقق مراكز متقدّمة في شباك تذاكر السينمات الأميركية» أخيرا، تتجسد كلّ مؤشرات الأزمة الحقيقية الواقعة بيننا وبين الغرب، وتحكي قصصا طويلة عريضة عن دعاوى مكافحة الإرهاب، والحرب، والدماء، وتحديات العولمة والحفاظ على الهوية الخاصة للشعوب، وقوة وسائل الإعلام في تشكيل أذهان المتلقين وانطباعاتهم حول الأشياء والأشخاص. وسلسلة طويلة عريضة أخرى من الرسم المبرمج لأذهان شعوب بأسرها باللعب في العقل اللاواعي للملايين من الجماهير حول العالم التي لا يفوق تفرجها على الأفلام الأميركية شيئا آخر.
لعلّ من أبرز ما يُقال عن تحديات العولمة في هذا العصر، أنها في الحقيقة ليست عولمة، فالنظام المعولم يتطلب أنْ يتعرّف الأشخاص كافة في العالم أحدهم على الآخر بنفس القدر، غير أنّ ما يجري في الواقع اليوم هو أنّ التدفق يأتي من جانب واحد فقط من العالم ( وهو الغرب وربما تحديدا الولايات المتحدة الأميركية)، ويتوزع على باقي أنحاء العالم على اختلافاتها، دون أن يكون هناك تدفق مضاد أو عكسي، فنحن نعرفهم، لكنهم لا يعرفوننا. ولّد هذا المأزق الحديث تحديا آخر أمام شعوب بأسرها، هي كيفية الحفاظ على هويتها الخاصة في ظل نظام معولم « غير عادل» أصلا، ولا شك بأنّ هذا التحدّي سيستمر طويلا ما دام التدفق من جانب واحد فقط مستمرا.
نعودُ إلى إشارة ذلك الفيلم السينمائي التي بدأنا بها هذا المقال. ففكرة تصوير المسلمين على أنهم إرهابيون في الإعلام الأميركي أمر مكرر جدا، وهي فكرة مطروحة باستمرار ولها أبعادها وانتقاداتها حتى داخل المجتمع الأميركي نفسه، غير أنها لا تتوقف، حتى في أبسط الأمور التي نشاهدها ونتلقاها. فتغيير الهوية وتصوير المسلمين على أنهم إرهابيون ربما يصبح يوما ما ( إنْ لم يكن قد أصبح بالفعل عند البعض) أمرا مفروغا منه حتى عند المسلمين أنفسهم، وهنا تكمن الخطورة الكبرى. لا يمكننا في العام 2008 أنْ ندعو إلى الانعزال عن نتائج العولمة وإفرازاتها، وكلّ ما تأتي به الأسواق الأميركية إلينا من منتجات إعلامية وسينمائية وتكنولوجية و» غذائية» ، فهي دعوى غير واقعية ببساطة؛ لأننا لا نملك البديل لها، غير أنّ «أضعف الإيمان» أن نكون واعينَ تماما لكلّ ما نتلقاه.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1975 - الجمعة 01 فبراير 2008م الموافق 23 محرم 1429هـ