العدد 1975 - الجمعة 01 فبراير 2008م الموافق 23 محرم 1429هـ

فينوغراد... تقرير عنصري بامتياز

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الملاحظات التي وضعتها «منظمة العفو الدولية» على «تقرير فينوغراد» وخلاصاته التي توصّل إليها بشأن العدوان الأميركي - الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006، تعطي صورة مضادة لتلك القراءة العنصرية التي أقدمت عليها «لجنة التحقيق الإسرائيلية». فالملاحظات اتهمت «التقرير» بتجاهل جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش ضد المدنيين وعدم تمييزه بين المقاتلين وسكّان القرى وأهالي البلدات والأحياء. واعتبرت منظمة العفو التقرير بأنه «مليء بالعيوب» وأهدر «فرصة» للمراجعة النقدية حين تجاهل التدمير المقصود للممتلكات والبني التحتية ولم يعترف بالانتهاكات والقتل العشوائي واستعمال القنابل العنقودية والامتناع عن توفير معلومات عن أمكنة إسقاطها. وانتقدت «منظمة العفو» التقرير بسبب عدم توصيته بملاحقة قضائية للمنتهكين وطالبت ردا على هذه العيوب بإجراء تحقيق دولي مستقل لتحديد المسئوليات المتصلة بالانتهاكات الإنسانية وجرائم الحرب ضد المدنيين. واعتبر مدير «برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» مالكوم سمارت أنّ التحقيق «هو فرصة أخرى تم إهدارها لمراجعة السياسة والقرارات التي كانت وراء الانتهاكات الخطيرة لقانون حقوق الإنسان الدولي».

ملاحظات منظمة العفو الدولية كشفت على طريقتها الوجه العنصري لتقرير فينوغراد بشأن ما أسماه إخفاقات «الحرب الثانية على لبنان». فالتقرير عنصري بامتياز؛ لأنه اكتفى بالتحدّث عن تلك «الفجوة» بين سلاح الطيران والقوات البرية وتجاهل قيام قوات «إسرائيل» الجوية بتنفيذ 7 آلاف طلعة وغارة أدّت إلى تدمير بنى الدولة المدنية وتحطيم الجسور وحرق القرى وتكسير وحدات سكينة بلغت 126 ألفا في الشريط الحدودي و25 ألفا في الضاحية الجنوبية من بيروت وعشرات البلدات في البقاع والهرمل وعكار.

سياسة التقويض التي لجأت إليها «إسرائيل» انتقاما وثأرا تجاهلها فينوغراد في تقريره العنصري. فهو بعقليته الأيديولوجية الشوفينية اعتبر أنّ هذا الكم من الدمار الشامل ليس كافيا وكان على حكومة تل أبيب أنْ تقوم بأكثر من اللازم. فالتقرير انتقد بحياء حكومة ايهود أولمرت واعتبرها أنها قامت بواجباتها وارتكبت أخطاء ولكنها أخطاء مقبولة سياسيا؛ لانها حاولت أنْ تشكل «مقاربة مخلصة لمصالح إسرائيل».

انتقادات فينوغراد العنصرية لم تكن موجهة ضد القرار السياسي للحكومة الإسرائيلية بإعلان الحرب على لبنان وتحميل الدولة اللبنانية المسئولية لتبرير القصف العشوائي للسكّان والأهالي وإنما تركّزت على أن ذاك القرار افتقد إلى آليات التنفيذ الصحيحة والسليمة. فالتقرير أعرب عن «الخيبة» و«الإخفاق» و«الفشل»؛ لأنّ الطلعات الجوية والحملات البرية والقصف الصاروخي والمدفعي «لم يحقق أهدافه». وهذا الفشل نسبه فينوغراد في تقريره العنصري إلى «ضعف في الاستعداد» وقلّة «الجهوزية» و«غياب التخطيط الاستراتيجي».

التحقيق القضائي الإسرائيلي لم يتحدّث عن «هزيمة» وإنما تكلم عن «عيوب» و«قرارات فورية» وأخطاء في «إدارة الحرب» و«الخوف من الخسائر» وعدم «تأقلم مع التحديات». وهذه النقاط ليست برأي العنصري فينوغراد، مقبولة؛ لأنها أسست لدى الجمهور الإسرائيلي «الشعور بالانكسار». واعتبر أنّ هذا «الثمن المؤلم» ولّد عند الإسرائيليين استنتاجات تقول إنّ تل أبيب «لم تنتصر» في حربها على لبنان وفشلت في مواجهة أقلية من المقاتلين حين اقتحمت الحدود البرية في الأيام الثلاثة الأخيرة من الهجوم.

عقلية أيديولوجية مريضة

خلاصات تقرير فينوغراد مخيفة سياسيا وأيديولوجيا. فهي تشير إلى إحباط وخيبة أمل وفي الآن تؤشر إلى خطورة عقلية عنصرية ترى في الآخر مجرد ميدان لاختبار القوة وليس للإنسان الساكن في الضفة الأخرى أي اعتبار قيمي. وهذا النوع من القراءة اللاسوية تعطي فكرة عن عقلية لا أخلاقية في التعامل مع ضحايا الطرف الآخر.

لبنان سقط له في العدوان الذي دام نحو 34 يوما أكثر من 1246 ضحية 90 في المئة من المدنيين (أطفال، نساء، شيوخ، شباب، رجال) وتحطمت 286 مدرسة و76 جسرا وعشرات المؤسسات المدنية والأهلية والخدماتية ومئات الشركات الإنتاجية والصناعية ومحطات الماء والكهرباء وخزانات النفط (الفيول). كلّ هذا الدمار يعتبره فينوغراد في تقريره العنصري مجموعة إخفاقات وحث الحكومة على المزيد من التحطيم لإرضاء قلقه النفسي الدفين وعقله المريض.

«إسرائيل» أطلقت على لبنان في عدوانها 7 آلاف قنبلة «ذكية» ومئة ألف صاروخ ومليون قنبلة عنقودية محرّم استخدامها دوليا وحرقت قرى وبلدات الشريط الحدودي في الجنوب ودكت الأبنية وحرمت الناس من العودة إلى قراهم وبيوتهم... وكلّ هذا لا يرى فيه فينوغراد سوى الإحساس بالانكسار والشعور بالخيبة وقلة جهوزية وعدم استعداد في «إدارة الحرب».

أخطر من خلاصات التقرير التي انتقدت وزير الدفاع السابق عمير بيرتس ورئيس أركان الجيش السابق دان حالوتس على إهمالهما وقلة تجربتهما وضعفهما في التنسيق وإدارة الاتصالات بين سلاح الطيران والقوات البرية، كانت تلك التعليقات التي وردت في نهاية المؤتمر الصحافي الذي عقده فينوغراد. فالتعليقات تدلّ على عقلية مريضة تعكس حالات قلق نفسي تشير إلى قراءة انفصامية يصعب معالجتها. فهذا المحقق المعتوه عقليا ونفسيا أكد أنّ هدف التقرير هو إعادة التركيز على «خيار القوة» و«تخويف المحيط» من «عزم إسرائيل ومنعتها» وإفهام الجيران بعدم قدرة أيّ طرف على هزيمتها.

تعليقات فينوغراد على خلاصات تقريره العنصري تؤكد أنّ «إسرائيل» لم تتغير في رؤيتها للمنطقة العربية - الإسلامية وتعاملها اليومي مع الشعب الفلسطيني وتعاطيها الكريه مع الجيران والمحيط. وهذا بالضبط ما التقطه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة حين حذر من أنّ «إسرائيل» فشلت في الحرب ولكنها تحضر لحرب جديدة. فالسنيورة أكّد انطلاقا من خلاصات التقرير «أنّ إسرائيل لم تستخلص الدروس المناسبة والصحيحة من إحباط عدوانها، التي تؤكد أن اتباع أسلوب العدوان العسكري هو عمل فاشل حتما ولا يوصل إلى أية نتيجة».

حين لا يتضمن «تقرير فينوغراد» إشارة ولو كانت سريعة إلى الجرائم التي ارتكبت بحق لبنان وبحق المدنيين الذين سقطوا بذريعة ملاحقة عناصر المقاومة فمعنى ذلك أنّ «إسرائيل» لم تتعلّم من الحرب التي كانت خاطئة أصلا، وإنما قرأت أسباب الفشل والإخفاقات والعيوب لتتجنب تكرارها في حرب مقبلة تستعد لها.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1975 - الجمعة 01 فبراير 2008م الموافق 23 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً