فلنفترض أنه لا يوجد هنالك قطاع مؤسسي في بلادنا يسمّى بـ «قطاع الثقافة والتراث الوطني»، وحتى هذه اللحظة لا توجد هنالك أيضا «هيئة الثقافة والتراث الوطني» سواء أكانت على سبيل تهيئة فارقة وانتقالة نوعية في العمل المؤسساتي، أم حتى على سبيل إقرار حكم خلع شرعي طال انتظاره وانتظار تدخل الحكومة التي فضلت للأسف الاكتفاء بدورها السابق كـ «شاهد احتياط لتوثيق عقد الزواج» أمام معركة مصيرية قائمة بين «دولة القانون والمؤسسات» من جهة ودولة الإقطاع في الجهة الأخرى!
ولنفترض بأنه لا هذا ولا ذاك موجود على أرض الواقع، ولنقر بأنه لا يوجد على الساحة سوى مزرعة أو عربة أو صالون أو بالأحرى «عزبة» ثقافية وتراثية ذات لفظ وطني، ألن يكون من الأفضل لصاحب ومالك ومدير وسيد هذه المزرعة أو العربة أو الصالون أو «العزبة» الثقافية والتراثية «الوطنية» أنْ يكون حداثيا في إدارته وتسييره وتصريفه للشئون المؤسساتية الداخلية، مثلما هو يتطبّع بالحداثية القشرية في خطاباته وأذواقه وأمزجته الثقافية تلك، ومثلما هو يحيط نفسه بهالة وبـ «افداوية» من الحداثويين الجدد والقدامى؟!
ألن يكون مناسبا وإيجابيا جدا له ولمَنْ عيّنهم أصدقاء له في «مجلس الشورى» وأصدقاء للأمسيات ومقاولين موكلين في الصحافة المحلية، ولمن وظف أحد أقربائهم في مزرعته أو «عزبته» أو صالونه عسى أنْ يكون بذلك المغناطيس الخارق الذي يجلب محبّة القطاع الخاص والمصارف والبنوك، ألن يكون لائقا لجميع هؤلاء أنْ يكونوا أوّل المبادرين لنصح وإرشاد صاحب المزرعة و»العزبة» والصالون الثقافي بأنْ يقوم بمراجعة ولو بشكل دوري لعقليته وسلوكه تجاه مجتمع الكوادر الثقافية والتراثية البشرية المتخصصة والمهتمة بالمجال والحقل الإنتاجي لمزرعته و»عزبته» الثقافية والتراثية؟!
ألن يكون من الأفضل ولغيره أنْ يبحث في الأسباب الحقيقية وراء ازدياد دائرة النقد تجاهه وتجاه «عزبته» الثقافية والتراثية المتماهية معه خصوصا إن شمل هذا النقد المتفاوت في حديته العديد ممن مازالوا يعتبروا أنفسهم الأصدقاء الصدوقين والمخلصين والصريحين لهذا القطاع الذين لم يقدروا على أنْ يسكتوا ويتظاهروا بالغفلة والنسيان أمام تجاوزات وسلوكيات لا يقبلها أدنى عقل ومنطق سليم؟!
لماذا يصرّ بعض «إفداوية» صاحب المزرعة و»العزبة» الثقافية والتراثية على أنْ يعتبروا جميع حقول الثقافة والتراث الوطني وقفا شرعيا إقطاعيا على مزاج ورغبة وهوى صاحبهم وصاحب المزرعة و»العزبة» الثقافية والتراثية لوحده، والتي تريد الاستقلال بمائدة الثقافة والتراث الوطني لوحده ولمن يوافقه في الرؤية والرأي؟! لماذا لا يستحوا على وجوههم حينما يصرّون إصرارا عجيبا على حصر جميع التراكمات المنجزة في مجال الثقافة والتراث الوطني تحت خانة اسم صاحب هذه المزرعة و»العزبة» الثقافية والتراثية الفريدة من نوعها؟!
لماذا لا تراجع نفسها صاحبتنا الصحافية المرموقة التي تصرّ على توظيف نجلها الغالي ولو أدّى ذلك إلى إحراق جسد الثقافة والتراث وإلى صلب جميع أجساد نقاد تلك المزرعة أو «العزبة» المسمّاة بـ «قطاع الثقافة والتراث الوطني»؟! ألا تعلم صاحبتنا المحترمة التي -وللأسف- احترفت الرقص الانتهازي على حبال المصالح الخاصة بأن حبل هذه المصالح قصير جدا وأنه من الممكن أنْ يكون نجلها الغالي هو الضحية التالية (لا قدر الله) إذا ما كانت تعول على صاحب الهوى والمزاج المتقلب بعد أنْ كانت هي الضحية بإرادتها في أكثر من موقف ومقلب ومنعطف؟!
أليس ذلك أفضل بكثير لها ولغيرها من مذيع قدير وناشط مبدع ومتميز من أنْ يلوذوا لوذ المفرغين من المعنى والمنطق إلى تبني لغة سوقية رعاعية ترسخ منطق «عياييز الفريج»، فيقولوا للمختلفين معهم بتعميم اللفظ والخطاب «بسكم عاد عن الحسد» أو ربما «عين الحسود فيها ملح وشبة وعود»، ومع ذلك لا أظن أنهم يرقون ويليقون بأن يساووا «عياييز الفريج» الأكثر احتراما وتوقيرا للآراء المختلفة معهم؟!
إلى متى سيصرّ هؤلاء النفر من الـ «إفداوية» على أنْ تكون آفاقهم ومداركهم أضيق من «دواعيس» المحرّق وأسطح من جدرانها المتشققة على رغم أنها ملونة ومزركشة؟! لماذا يصرّوا أنْ يلبسوا أنفسهم ملابس لا تليق بهم وبتاريخهم وحاضرهم فيسفهوا آراء تمثلها المسارح الأهلية وأسرة الأدباء والكتاب والملتقى الثقافي والأهلي وغيرها من مؤسسات وطنية كان لها عطائها الثقافي والوطني الرائد الذي تفضل عليهم وشملهم؟! فهل طعم الصداقة المصلحية بمثل هذه الحلاوة التي تدفع الصديق إلى التضحية بكلّ ما يملك في سبيل مصلحته من مصلحة صديقه دون أنْ يقدر ويثمن كلامه جيدا؟! نحن قد لا نختلف بأن سيّدة القطاع الفاضلة قد تكون خير مستثمر وخير محسن ثقافي في هذه البلاد ولكننا وفي الوقت ذاته أصحاب رأي ورؤية مغايرة ضد سيّدة القطاع كمسئولة إدارية عليا تتحمّل تبعات الإدارة العليا للثقافة والتراث الوطني في البلاد، وتشرف على كوادرنا الوطنية المتخصصة في مجال الثقافة والتراث التي جعلتها في خبر كان وفي مقام المبني للمجهول!
إنّ المشكلة مع «قطاع الثقافة والتراث الوطني» وسيّدة القطاع لن تكون أبدا مشكلة شخصية (والعياذ بالله)، ولو أصر «الفداوية» على هذه الشخصنة وإرهاب وتسفيه وتحقير منتقدي سبحانية هذا القطاع نظرا لكونهم ينطلقون أوّلا وآخرا من مناظير شخصية جدا تحكم علاقتهم بالقطاع وسيّدته، كما أنها لا تتعلق أبدا ببقاء «قطاع الثقافة والتراث الوطني» في حاله قطاعا مؤسسيا تابعا لـ «وزارة الإعلام» أو أصبح هيئة مستقلة عن «الإعلام» وعن الجميع، فحتى لو أصبح هذا «القطاع/ المزرعة» كعبة أخرى فلن يغيّر من أمره شيئاَ طالما ظل خاضعا لذات العقلية والسلوكيات الإدارية المتعجرفة ولذات الضمير، لن يتغير أي شيء ولن تتحقق أية إضافة نوعية على صعيد العمل المؤسسي العام وعلى صعيد المستوى الإنتاجي طالما ظل سائرا على ذات المنهاج من تخصيص العام وتعميم الخاص وتحدي الجميع في ذلك!
ولا نأمل أن يتحقق خيرا إنتاجيا من هذا القطاع أو هذه المزرعة والعزبة إذا ما تم الاستمرار في منهاج منظم لاضطهاد الكوادر الوطنية المتخصصة في الثقافة والتراث، ومن ثم يتم العمل على تهميشها وإقصائها والحيلولة بينها وبينة خدمتها للوطن على أمثل وجه فيما لا يرضاه رموز الوطن ورجالات القيادة السامية!
وسواء أكان قطاعا أم هيئة أم مزرعة أم «عزبة» فلن ينهض إلاّ بفضل أكتاف كوادره الوطنية المخلصة والكفؤة وليست الدخيلة والطارئة والمستجلبة بفضل «عقدة الأجنبي»، وإن كنّا نقدر دور الأخيرة ولكنها تبقى دون مستوى كوادرنا المحلية المتخصصة المهمّشة على رغم كونها أفضل بكثير!
لن يفلح القطاع أو المزرعة أو «العزبة» في اعتماده على الألوان والقشور والمخصبات الصناعية و»الخبراء» الأجانب فقط إذا ما أراد أن يكون له دور وطني وتنويري فاعل وسعة اجتماعية أكثر احتواء وفاعلية، فالمنتج والمحصول والقطاف قد لا يلقى رواجا كبيرا في كل موسم وكل عام!
سنكون ضد القطاع حينما ينفق مئات الآلاف من الدنانير البحرينية على إضاءة الأحجار التي قد لا تكون أصلا بحاجة إلى إضاءة، بدلا من صرف هذه المبالغ على تنوير وإضاءة وصقل كوادرنا المحلية المتخصصة والارتقاء بقدراتها، فلا أعتقد أنه من المعقول أنْ يكون تنوير الأحجار أجدى أولوية وأهمية من تنوير الكوادر الوطنية التي يجري عن سبق قصد وإصرار التعتيم عليها وإغراقها في أوحال القهر والإحباط واليأس ليس لسبب سوى أن «أشكالها» لم ترض وتروق لمزاج ورغبة صاحبة القطاع!
سنكون ضد القطاع فيما لو كرّس جهده لتنمية ثقافة «الإفشار» الخاص على حساب تنمية ثقافة الافتخار الوطني، وشتان بين «الإفشار» والافتخار في ذلك!
المضحك في الأمر أن هنالك مثقفين وإعلاميين ونشطاء ومبدعين أطبقوا صمتا وتماهيا فوضويا وهمجيا مع الخطوات الاعتزالية والاستقلالية البدائية المتبعة في «قطاع الثقافة والتراث الوطني» من حذف شعار «وزارة الإعلام» ومسمياتها من فعاليات القطاع الذي لايزال تابعا لها بحكمك القانون، وهي بالتالي مواقف مخزية لا تقيم لثقافة احترام القانون ومؤسسات الدولة أي وزن وكأنما نحن في زريبة أو غابة؟! فما هكذا تدار وتسير الأمور بالهمجية والصدود يا مثقفين ويا حداثويين؟!
تخيّلوا مثلا في أسوأ أحلامكم لو أنّ «إدارة الهجرة والجوازات والإقامة» أقدمت على اتباع الأساليب والخطوات ذاتها التي يتبعها «قطاع الثقافة والتراث الوطني» وقد جيّشت ما جيشته حينها من مواطنين في خصومتها مع «وزارة الداخلية» التي تتدخل في عمل الإدارة وهو «ما لا يعنيها»، فتقوم بشن حملة تصفية حسابات مع»وزارة الداخلية» وبفرز وجرد يومي للموظفين والكوادر المهنية العاملة في الإدارة بين «طابور خامس لوزارة الداخلية» و»موالٍ مخلص للإدارة وصاحبها الأعلى»، فكيف حينها ستكون حال البلاد؟!
إذا ما أصرّ البعض بهمجية على تنفيذ بروتوكولات حكماء القطاع والأصدقاء في الشورى والأمسيات والمقاولات الصحافية، فسيكون حينها من حقنا العمل على تأسيس جمعية أو تجمع سلمي ومشروع يضم ضحايا سيّدة القطاع، ليعلموا حينها صعوبة التفريق بين موظفي «قطاعهم» وهيئتهم ومزرعتهم، وأعضاء جمعيتنا وتجمعنا وحركتنا المشروعة!
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1975 - الجمعة 01 فبراير 2008م الموافق 23 محرم 1429هـ