«نادي مدريد» يتكون من رؤساء حكومات سابقين، على أن تكون حكوماتهم ديمقراطية؛ أي أنها جاءت عبر الانتخاب. والنادي يمارس عمله من أجل المساهمة في دمقرطة البلدان وذلك من خلال جمع مسئولي الحكومات والمجتمع المدني ورؤساء تحرير الصحف والأحزاب السياسية في ورش عمل تتخذ من السرية نهجا لكي تفسح المجال لحرية التعبير عن الآراء من دون إثارات. والنادي عقد ثلاث ورش في البحرين، آخرها كان بين 30 و 31 يناير / كانون الأوّل الماضي، وترأس كلّ من رئيس الوزراء الأسبق لجمهورية «لاتفيا» فالديس بيركافس ورئيس وزراء «البوسنة والهرسك» الأسبق زلاتكو ولاغومدزيا، ودار الحوار حول حرية تكوين الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وقانون الانتخابات وقانون الصحافة والنشر.
الحوارات تتبع سياسة عدم الإفصاح عن التصريحات والآراء بأسماء مَنْ تحدّث بها، ولكن الحوارات يمكن استخلاصها من قبل مَنْ حضرها، وفي الجلسة التي خصصتْ للحوار حول حرية الصحافة، تناولتُ (عندما جاء دوري للحديث) طرف الحديث من زاوية أشعر أنها مهمّة، وهي كما يأتي.
يبدو لي أنّ هناك من المسئولين وأصحاب النفوذ مَنْ هو متأسف جدا بأنّ البحرين دخلتْ مرحلة إصلاحية في العام 2001، ولذلك تراهم يرددون عبارات تعبّر عن هذا الأسف، وترى إجراءات تحاول تعطيل الحياة العامّة وترجيعها إلى العهد الدكتاتوري... فلقد مللنا من سماع أننا حديثو العهد بالممارسة الديمقراطية، وأنّ الشعب والصحافة والممارسين للعمل السياسي مازالوا لايفقهون ثقافة الممارسة الديمقراطية، وأن علينا التباطؤ؛ لأننا غير مستعدين. وفي الواقع فإنني أشعر بالأسف لمثل هؤلاء الناس؛ لأنه لو أخذنا برأيهم فلابدّ لنا من إلغاء الحكومة والوزراء والجيش والقضاء والمطار الدولي وكلّ شيء حديث في بلادنا؛ لأن كلّ هذه المنشآت والمؤسسات والهيئات حديثة ونابعة من عصرنا الحديث، وإذا كان الشعب غير مؤهل للممارسة الحديثة في تداول الآراء (الديمقراطية) فبالتأكيد أنه أيضا غيرمؤهل لاستخدام منتجات العصر الحديث الأخرى التي مرّ ذكرها... وعليه فلابدّ لنا من إلغاء القضاء والعودة إلى ممارسته في الخيام بين زعماء القبائل أو في المنازل من خلال رجال الدين. كما أنه يتوجّب إلغاء كلّ التنظيمات الحديثة للجيش والحكومة والمخابرات والعودة إلى زمن مضى؛ لأننا بحسب المنطق المذكور، غير مؤهلين للعصر الحديث.
إنّ الممارسة الديمقراطية خيار استراتيجي في الحياة، وهو مثل خيار طارق بن زياد عندما عبر البحر إلى الأندلس، وقام بحرق السفن لكي لايفكر أحدٌ في الرجوع أو الهرب... وعلينا أيضا أنْ نحرق سفن العودة إلى الدكتاتورية، وعلى المتأسفين على عهد أمن الدولة أن يعودوا إليه لوحدهم عبر سجن أنفسهم وإسكات أصواتهم وأنْ يتركونا وشأننا.
إنّ الحديث المتأسف على الماضي قد أثر كثيرا، ولذا نرى أننا تراجعنا في عدّة أمور، فهناك الآن تطهير عرقي - طائفي بغيض في مؤسسات حكومية لاتعد ولاتحصى، وهي ممارسات لم تتم بهذا الشكل حتى في أيام أمن الدولة، ولدينا انعدام للشفافية، وزيادة في ممارسات فاسدة، وتعقيد في إجراءات الحياة اليومية... وكلّ هذه نابعة من أناس متنفذين يشعرون بالأسف الشديد أنّ البحرين بدأت في العام 2001 تفكّر في العبور نحو الديمقراطية.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1975 - الجمعة 01 فبراير 2008م الموافق 23 محرم 1429هـ