في هذا الوقت في العلاقات الشرق أوسطية، من الأمور الحاسمة أن تكون على صواب، وبسرعة، لماذا؟ لأن الرهان مرتفع جدا.
ستكون للفشل في تحقيق سلام شامل بين العرب والإسرائيليين نتائج وتداعيات ذات حجم لم نره بتاتا من قبل. بمعنى آخر، وعلى رغم أن ما أقوله يبدو وكأنه كليشيه قديمة، ليس الفشل خيارا.
تقترح وقفة عقلانية أنه لا يمكن استبعاد الفشل في الشرق الأوسط إذا أخذنا في الاعتبار السجلّ البائس للكثير من المحاولات الطموحة لحل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني.
حتى الآن يبدو الذين يتوقعون فشل «أنابوليس» أكثر عقلانية وأكثر ثقة من هؤلاء الذين يراهنون على نجاحه. وليس الأمر مجرد شعور داخلي، فالحوادث على الأرض تتحدث عن نفسها. «إسرائيل» مستمرة في منع حصول الفلسطينيين، جماعيّا على حقوقهم الإنسانية بسبب ما تفعله «حماس» وغيرها من المتشددين، بينما تستمر «حماس» في إثارة وتهديد «إسرائيل» من خلال إرهاب شعبها.
توقع من ستكون له اليد العليا في إفشال عملية السلام مستحيل ولا جدوى منه. قد يكون أي واحد منهم أو جميعهم، منفردين أو مجتمعين. قد تكون «إسرائيل» من خلال عدم استعدادها تجميد التوسع الاستيطاني، وقد تكون «حماس» وهي تقوم بعملية إرهابية تؤدي إلى ضحايا وإصابات كثيرة، وقد يكون أولمرت و/أو عباس من خلال عدم قدرتهما على تحقيق وعودهما، بسبب كونهما زعيمين ضعيفين.
ولكن وجود العملية، حسبما يقولون لنا، أفضل من عدم وجودها بالمرة. هذا صحيح، ولكن ما تغير بشكل أساسي هو ظهور شرير جديد أكثر تطرفا في الشرق الأوسط: «القاعدة». أصبح «تنظيم القاعدة» اليوم، بعد وجوده في قلب العالم العربي، لاعبا حقيقيا في العملية السلمية. فصوته أكثر ارتفاعا وأعماله أشدّ فتكا من أصوات وأعمال المخربين الآخرين، مثل إيران وسورية وغيرهما من البدائل. لقد ظهرت قطعة جديدة في أحجية الشرق الأوسط. المشكلة هي أن هذه القطعة لا مكان لها، ولا يمكن أن يكون لها مكان.
لا شك في أن استمرار الوضع الراهن، حيث لا سلام وإنما مجرد عملية، سيمكّن القوى التي أصبحت قوية أصلا، التي تولّد التطرف في المنطقة. سيقنع الإحباط الشعبي واليأس، والإدراك والالتزام في المنطقة بأن «أنابوليس» لن يعطي أية نتائج ذات معنى، ولن يعطي الفلسطينيين دولة قادرة على البقاء. سيقنع شعوب المنطقة بأن استخدام القوة هو الأداة الوحيدة لتحقيق أهدافهم. سيحارب البعض كوطنيين. على سبيل المثال، قال السوريون بشكل متكرر إن باستطاعتهم استعادة الجولان المحتلة عن طريق إيجاد قوة مثل حزب الله للقيام بحرب عصابات. آخرون سيضلون ويذهبون إلى حد التطرف وينضمون إلى التمرد الإسلامي العالمي. وهذا يعني المزيد من المتطوعين في «القاعدة»، وهي موسيقى في آذان أسامة بن لادن، الذي أعاد توجيه تركيزه هذه الأيام نحو فلسطين، بعد أن اعتذر للفلسطينيين في آخر رسالة له لأنه لم يعطِ اهتماما كافيا لقضيتهم.
نستطيع أن نتصور من هنا نوع السيناريو الكريه الذي يمكن أن يقع إذا ما توسع «القاعدة» في الشرق الأوسط. من المحتمل أن تصبح غزة إمارة إسلامية في فلسطين (قامت فتح الإسلام، وهي مجموعة مناصرة لـ «القاعدة» حاربت حديثا الجيش اللبناني لمدة تزيد على ثلاثة أشهر في الجزء الشمالي من لبنان بتسمية أمير في غزة) وفي لبنان، الذي يعاني من واحدة من أخطر أزماته السياسية منذ حربه الأهلية الثانية، التي يمكن أن تقع في الهاوية إذا أُعيد تكرار سيناريو نهر البارد في مخيم آخر للاجئين.
يستطيع «القاعدة»، من خلال الانطلاق خارج العراق إلى دول مجاورة والحصول على أكثر من ملاذ أمين، أن يبدأ العمل على أهدافه التكتيكية والاستراتيجية.
على المستوى التكتيكي، يستطيع «تنظيم القاعدة» العمل على إشعال حروب بين أعدائها، وقد بدأ يحاول ذلك فعلا. إطلاق الصواريخ حديثا من قبل «القاعدة» في العراق من جنوب لبنان إلى شمال «إسرائيل» هو أحد الأمثلة على ذلك. لقد شهدنا هذا السيناريو من قبل، ولكن مع ممثلين آخرين. كانت عمليات الغزو الإسرائيلية للبنان في السنتين 1978 و1982 إلى حد كبير ردا على الهجمات الفلسطينية من جنوب لبنان. في الوقت نفسه سيعمل هذا التنظيم بجد واجتهاد على التسبب بحرب بين «إسرائيل» وسورية، وجولة ثانية بين «إسرائيل» وحزب الله.
من الواضح أن أكبر جائزة لـ «القاعدة» هي إشعال الحرب بين إيران والولايات المتحدة، وهو أمر تحدث عنه زعيم «القاعدة» في العراق، عمر البغدادي في رسالة نشرت حديثا.
على المستوى الاستراتيجي، سيبدأ «القاعدة» بالتخطيط لواحد من أثمن أهدافه: نقل الحرب إلى الفناء الخلفي لـ «إسرائيل»...
كيف نستطيع إذا وقف هذه السيناريوهات الرهيبة من الحدوث وكيف يمكننا عكس التوجه القوي نحو التشدّد والتطرّف؟ من خلال السلام. فمع السلام يأتي الأمل والازدهار والتنمية البشرية. من منظور مناهض للإرهاب، يقوم السلام بشكل جميل بتجفيف مستنقع الإرهاب ويكيل ضربة خطيرة لعملية التجنيد التي يقوم بها «القاعدة». فقد تحول، أكثر من أي وقت مضى، إلى أيديولوجية تفتقد إلى الجنود العاملين. ونستطيع أن نحيّد هذه الأيديولوجيا إذا أدركنا أن سحقها بشكل نهائي سيتطلب كسب حرب الأفكار.
لقد اختلط الأمر على إدارة الرئيس بوش في «أنابوليس». ليس هناك من خطأ في حشد الدول العربية المناصرة لأميركا حتى تستطيع احتواء التهديد الإيراني بعيد المدى بصورة أفضل. ولكن الخطر الحقيقي الآنيّ ليس هو الجمهورية الإسلامية، وإنما «القاعدة».
* مساعد بحوث رئيسي في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في مؤسسة بروكنغز، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند».
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1974 - الخميس 31 يناير 2008م الموافق 22 محرم 1429هـ