بينما كانت أنظار العالم تتجه نحو منتجع دافوس، إذ تلتقي نخبة من قيادات الدول ومجموعة من رؤساء الشركات العالمية الرائدة، مع آلاف من المهتمين بقضايا الإقتصاد وأسواق المال وتغير المناخ ومخاطر البيئة العالمية، ووسط ابتهالات المضاربين في أسواق العالم وتضرعاتهم كي تنقشع الغيوم السوداء التي خيمت على البورصات العالمية في الأيام الأخيرة. في خضم كل هذه الأجواء من التفاؤل الحذر، أنهت الدورة السابعة لمنتدى البيوداتا أعمالها التي احتضنتها جنيف يومي 22 و23 يناير/ كانون الثاني الجاري، وحضرتها شركات صناعية ومؤسسات مالية وعلمية من مختلف البلدان الأوروبية.
وعن أهمية هذا المنتدى، قال مستثمر بفرانكفورت بألمانيا كاي برونيغ، في تصريح لموقع سويس انفو (www.swisinfo.org ): «التكنولوجيا البيولوجية في سويسرا أكثر نضجا، وأكثر تقدما منها في أي بلد أوروبي آخر، ولهذا يعتبر منتدى البيوداتا، محطة مهمة بالنسبة إلى هذه الصناعة».
وخلال كلمة الافتتاح، وأمام 350 مشاركا، نوّه وزير الاقتصاد والصحة بكانتون جنيف بيار فرانسوا، بهذا اللقاء السنوي لافتا الأنظار إلى «الأهمية الاستثنائية التي يحظى بها لدى المشتغلين بعلوم الأحياء، ولدى الدوائر الاقتصادية في منطقتيْ بحيرة جنيف ورون- آلب».
ولربما اعتقد الناس الذين لم يولوا اهتماما كبيرا للجدل الدائر حول البيوتكنولوجيا البشرية، أن القضية الرئيسية هي الاجهاض، ما دام خصوم الاستنساخ هم أولئك الدعاة الصريحون إلى حق الحياة حتى الآن، والذين يعارضون تدمير الأجنّة. ولكن هناك مبررات تفرض أن يكون الاستنساخ والوسائل التكنولوجية التي تنتج عنه مثار اهتمام جميع الناس، المتدينون منهم والعلمانيون، وقبل كل شيء أولئك الذين يهتمون بحماية البيئة الطبيعية. ذلك أن محاولة التغلب على الطبيعة البشرية عبر البيوتكنولوجيا ستكون أكثر شأنا وخطرا من مساعي المجتمعات الصناعية نحو قهر الطبيعة غير البشرية عبر أجيال سابقة من التكنولوجيا.
وهناك الكثير من المبررات الأخلاقية والثقافية والمهنية التي تقتضي معالجة موضوع «صناعة البيوتكنولوجيا» بشيء من الحذر والتريث. فنحن اليوم كما وصف توماس جيفرسون في نهاية حياته، الأميركيين بأنهم يتمتعون بحقوق سياسية لأن الطبيعة لم تتخذ الاستعدادات الضرورية لميلاد كائنات بشرية معينة بسروج على ظهورها، واستعداد لأن تمتطيها كائنات أفضل. إن البيوتكنولوجيا التي تسعى إلى استثمار الطبيعة البشرية لا تخاطر فقط بعواقب لا يمكن التنبؤ بها، وإنما يمكن أن تقوّض الأساس ذاته للحقوق الديمقراطية المتساوية أيضا. اذن كيف ندافع عن الطبيعة البشرية؟ الوسائل في الجوهر هي ذاتها كما في حالة حماية الطبيعة غير البشرية. فنحن نحاول أن نصوغ قواعد ومعايير عبر النقاش والحوار، ونستخدم سلطة الدولة، ووضع ضوابط للطريقة التي يجري بها تطوير ونشر التكنولوجيا على يد القطاع الخاص وأوساط البحث العلمي. فالطب الاحيائي يخضع، بالطبع، إلى ضوابط كثيرة في الوقت الحالي، غير أن هناك فجوات هائلة في السلطات القضائية للمؤسسات الفيدرالية التي تتمتع بسلطة على البيوتكنولوجيا.
لكن صناعة البيوتكنولوجيا، إذا تجاوزنا الخلافات التي تثيرها من جراء علاقتها بقضايا أخلاقية ومهنية، باتت تحظى بالكثير من اهتمام المؤسسات الصناعية والإستثمارية، ففي الولايات المتحدة وحدها على سبيل المثال، أعدّت المؤسسات القومية للصحة الكثير من القواعد التي تغطي إجراء التجارب البشرية والنواحي الأخرى للبحث العلمي، ولكن سلطتها لا تتجاوز البحث المموّل فيدراليا، تاركة صناعة البيوتكنولوجيا الخاصة من دون ضوابط، وتنفق هذه الاخيرة، في شركات البيوتكنولوجيا الأميركية وحدها، ما يزيد على 10 مليارات دولار سنويا على البحث، وتستخدم ما يقرب من 150 ألف موظف.
هذا الإتجاه الإستثماري طغى على محادثات منتدى جنيف إذ تتطلع أغلب الشركات التي حضرت المنتدى، وخصوصا الأوروبية منها، إلى توسيع دائرة عملها جغرافيا بالبحث عن فرص استثمارية خارج أوروبا، هروبا من المنافسة الحادة، وغزوا لأسواق جديدة، وجميع الأنظار تتجه إلى روسيا والهند والصين.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1973 - الأربعاء 30 يناير 2008م الموافق 21 محرم 1429هـ