العدد 1973 - الأربعاء 30 يناير 2008م الموافق 21 محرم 1429هـ

وللحياة معنى آخر

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

إن للأمراض النفسية الجسدية أسبابا كثيرة، وأحدها هو الحياة العديمة المعنى والخالية من الحب، والبعض لا يعيشون الحياة الحقيقية ويغمرونها بالكثير من الماديات والاهتمام بقشور حضارية تمزق الإنسان من غير أن يشعرون، فينتقلون بين الاقتناء المتواصل والعمل على تجميع أكبر قدر من المحتويات الفارغة التي لا تضيف إلى روحهم وكينونتهم شيئا، فيعبرون الحياة بتثاقل ومن دون حافز للعيش فيسيرون مترنّمين ويختالون عليها بالغفلة والنوم.

جاء رجل إلى ناسك صوفي وسأله كيف لك أن تكون سعيدا دائما ولا تعرف الحزن أو الإحباط والقلق... فأنا أتصارع دائما مع كينونتي ويراودني الغضب والحزن الشديد والكآبة تدب فيّ وتأخذ كل متعتي في الحياة؟ فأجابه الناسك: اعطني يدك... وبعد النظر إليها، أجاب: إنني أرى أن خط الحياة قد انتهى لديك... ولك سبعة أيام فقط من حياتك، فقاطعه الرجل فجأة: هذا يكفي، فأنا لا أريد معرفة جواب سؤالي، وبدا عليه الشحوب لذلك الاكتشاف الرهيب، وشعر بفقده كل طاقته لدرجة لم يقوى معها على الوقوف، وطلب من الناسك توصيله إلى منزله وكان شابّا يافعا!

فذهب ونام في الفراش وامتنع عن الأكل وساد الصمت والحزن المنزل، وتوقف عن ممارسة أي شيء حياتي... وبعد عدة أيام زاره الناسك فوجده هيكلا عظميا وبالكاد يكاد يفتح عينيه وأخبره بأن خط حياته لم ينتهِ بعد وأن ذلك كان جوابا لسؤاله!

فانتفض فجأة من فراشه فرحا وكأنه قد ولد من جديد متعافيا، وسأل الناسك معنى تلك الإجابة الغريبة، فأجاب بأنه أراد أن يريه كيف يتحوّل الإنسان إلى كائن غريب حينما يتأكد من أن الموت قادم وسريع... وطلب منه أن يعود إلى ممارسة حياته من جديد وأن يمتنع عن شهادة الزور التي كان يمارسها عادة في المحكمة كشاهد مرتزق لكسب المال الحرام، وأن يصلح علاقاته مع الآخرين ويزودها بالحب والعطاء الوفير!

وذكر أنه (الناسك) لا يعرف عدد الأيام التي بقيت له للحياة ويعتقد أنه قد يموت غدا، وقد لا يرى شروق الشمس ثانية، فهو لم يعد لديه الوقت للأشياء التافهة من تجميع المال والعبث والجشع والغضب أو الكره، وإن استطعت أن أحافظ على عمل أقصى ما أستطيعه من الأيام الباقية التي لا يعرف عددها، وأن يستمتع بجمال الوجود والكائنات البشرية، ومشاركة الحب، ربما قد يخفف ذلك من عناء الحياة وعبئها وقد يموت سعيدا وتخف وطأته، ففناء الموت يتلاشى أمام السعادة الحياتية وهي مرحلة انتقالية للجسد فقط الذي يفنى وإنما الروح تبقى خالدة وسعيدة! فأنت لم تستطع استثمار السبعة أيام وكدت تعاني سكرات الموت وقبل أن تأتيك حقيقة... ولعل ذلك يكون درسا وإجابة لسؤالك. والكثير من الأمراض الجسدية أيضا قد لا تظهر أو تختفي إذا ما أصفى الإنسان إلى روحه وإلى الصدق بداخله والابتعاد عن النفاق والمحاباة لأجل الحصول على المزيد من مزايدات الحياة المادية! فمن يَعِشْ حياة غير واعية يَمُتْ غير واعٍ، ومكافأة الحياة موت واعٍ أن نجعل من أيامنا مهرجاناتٍ للفرح بقدر ما تستطيع وأن نموت ونحن نضحك وشاكرين لما أعطتنا إياه الحياة، والموت هو نسج من الخيال، فلا شيء يموت بل الكل يتبدل، فإذا وعينا لتحسينه يحدث التطور الإنساني ويزداد وعيه لما يدور حوله في الكون.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 1973 - الأربعاء 30 يناير 2008م الموافق 21 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً