فرحنا كثيرا عندما سمعنا عن قصة مبلغ الـ 40 مليون دينار، الذي خصصته الحكومة لمواجهة الغلاء المعيشي الحاصل، الذي عانى ولايزال يعاني منه المواطن البحريني ويكتوي ويتلوى من جرائه مقابل المدخول الشهري الشحيح الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
فرحنا هذا كان يقرأ الموضوع من جوانب عدة لعل أبرز أوجهها أننا وجدنا من الحكومة بعد غياب طويل تعاونا ملموسا وغير معهود اتجاه الملفات الحساسة التي يطرحها الشارع والذي تطرق إليها المجلس النيابي حديثا، وخصوصا بعد تصريح رئيس كتلة الوفاق الشيخ علي سلمان بضرورة وجود رئيس الوزراء في جلسة النواب الاستثنائية التي كانت تناقش مسألة الغلاء وإلا لا قيمة حقيقية للجلسة الاستثنائية ومناقشة موضوع الغلاء من الأساس.
الوجه الآخر إحساس الحكومة بالملفات المؤرقة التي تؤرق الشارع، ويضجّ منها، ويبحث لها عن حلول إيجابية بحد ذاتها، فكثيرا ما تتهم الحكومة بأنها غير مبالية لسخط الشارع ولا همومه ولا أوجاعه.
ولكن لا يمكن إخفاء الهواجس المتزامنة مع الفرح العارم، فكان أن ظهر هناك هاجسا كبيرا وتكرر لدى الكثير من المراقبين، ولاسيما أن الموازنة المطروحة كبيرة جدا وغير متوقعة، فكان الهاجس يتعلق بتقليص أو تحجيم المبلغ، وكان هناك هاجس آخر لا يقل أهمية عن الهاجس الأول وهو سوء استغلال الموازنة بحيث يتم توزيعها أو التعاطي معها بصورة لا تحقق الهدف المنشود وهو مواجهة الغلاء المعيشي، ومن خلال المتابعات واختلاف وجهات النظر المختلفة بطرق التصرف فيها، فكان أن أصبح الهاجس يكبر يوما بعد يوم، مع حال التخبط، فهناك عدم وضوح، فالبعض كان يحرص كل الحرص على إرضاء الحكومة، وبالتالي الأخذ بمشورتها في التصرف في الموازنة فكيف لنا أن نشاور الحكومة في مبلغ قد وضعته بهدف مواجهة قضية ملحة تمّ عرضها عليها وبدورها استجابت؟ والبعض الآخر استطاع أن يتحرر نوعا ما من قبضة الحكومة ويفهم الموقف بصورة أكثر عمقا، واتجه إلى محاولة إرضاء قواعده وناخبيه، فظلّ يستمع إلى نصحهم.
وكانت يدنا على قلبنا، فالبعض كان يشير إلى ضرورة دعم سلة السلع الاستهلاكية، والبعض الآخر كان يؤكد ضرورة صرف مساعدات مالية تقدر بـ 200 لأصحاب الدخول التي تقل عن 1000 دينار والبعض الآخر بدأ يتلمس المشكلة بصورة أكبر مقدما حلولا أعمق وهو تعديل العلاوات الاجتماعية. وأخيرا بدأ يتردد صرف 50 دينارا كعلاوة اجتماعية لمدة سنة واحدة فقط.
في كل الحلول المطروحة نتلمس أن هناك عدم وضوح، وكأن المشكلة تكمن في المبلغ وضخامته، فبدأت بعض الأخبار تتسلل بأن المبلغ قد تقلص إلى 28 مليونا ثم سمعنا أنه وصل إلى 8 ملايين دينار والخوف كل الخوف من سحب المبلغ كاملا من دون تحقيق الهدف من أصله، وكان الهاجس الأول في مكانه تماما ورجعت حليمة إلى عادتها القديمة وهي عدم تعاون الحكومة وعدم إحساسها بالمشكلات التي يعاني منها المواطن.
قيل إن المبلغ بدأ ينكمش لإيجاد حل لمشكلة الغلاء المعيشي على رغم أن ضخامة المبلغ كان يمثل بحد ذاته حلا وليس مشكلة، لا أعرف لماذا احتجنا إلى خفضه، فالمشكلة لاتزال قائمة والغلاء يجتاح البلد، والكل يصرخ من الغلاء فالحليب ارتفع سعره، وقبله الفواكه والخضروات ازداد سعرها، والخبز في طريقه إلى الغلاء، واللحوم على رغم أنها لم تتعرض أصلا إلى ارتفاع في أسعارها ولكن الموجة مرّت عليها فأخذتها معها فبدأت أسعار الوجبات التي تدخل فيها اللحوم تزداد في الارتفاع. حاليا لا توجد شاورما دجاج على سبيل المثال كما كان سابقا بـ 200 أو 300 فلس، فقد أصبح سعرها الحالي 400 و 500 فلس حتى في المحلات العادية، ومطاعم الفاست فوود زيدت 200 فلس لكل وجبة، من دون رقيب أو حسيب، حتى كوب الذرة أصبح أطفالنا يشترونه بـ 600 فلس.
أمام كل ذلك مازلنا نرى الحكومة مكتوفة الأيدي، وكأن الأمر لا يعنيها، فلا توجهات بتوسعة دعم سلة السلع الاستهلاكية ولا زيادات تواكب حال الغلاء، ولا تصحيح للأوضاع المعيشية والفقراء إليهم الله يعينهم ويساعدهم على محنتهم. والحكومة الله يعينها ويساعدها ويهديها لوضع الخطط والمشروعات التي تصب في صالح المواطن الفقير البائس، ويرشدها إلى سبل استغلال الفوائض النفطية الاستغلال الأمثل مثلها مثل باقي الدول المجاورة التي ما أن يفتح المواطن فمه مطالبا بتحسين أوضاعه المعيشية، إلا وجاءه الخبر اليقين بالزيادات امتثالا «وأما بنعمك ربك فحدث» (الضحى: 11)، ونحن ما ان نفتح فمنا ونطالب بالزيادة أو تصحيح الأوضاع المعيشية، إلا ووجدنا التعقيدات والعراقيل من كل حدب وصوب، أو للأمانة وجدنا استجابات منقوصة لا ترقى لجعلها مكسبا يستحق الإشادة.
فمللنا السؤال وكفرنا بالإجابة، ومازلنا نطمع في تصحيح الأوضاع المعيشية بصورة تنسجم، وتتوافق مع الفوائض النفطية من جهة، ومع موجة الغلاء المعيشي القارس من جهة الأخرى، ونأمل في أن تكون موازنة الـ40 مليون دينار هو الجواب الشافي والدواء الأنجع للمرض لا أن تكون مرضا آخر يحتاج إلى دواء ورحلة علاج طويلة، بعدها نصرخ ونقول «طارت الطيور بارزاقها».
الموضوع يحتاج إلى دراسة موضوعية ويحتاج إلى سرعة في التعاطي، فالأوضاع المعيشية في تردٍ مستمر، نستحي أن نقول ذلك لجيراننا في الدول المجاورة لأن عندنا خيرا كثيرا والمشكلة تكمن في سوء توزيع الثروات والغول الكبير الذي لايزال يطاردنا... الفساد.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1973 - الأربعاء 30 يناير 2008م الموافق 21 محرم 1429هـ