يبدو أن المسئولين في الحكومة لا يمتلكون حتى هذه اللحظة الشجاعة الكافية للإعلان عن الأعداد الحقيقية للمجنسين في البحرين خلال السنوات الخمس الأخيرة، فكل ما جاء عبر الصحافة المحلية لا يعبر عن حقيقة الأرقام التي تذكر ولا عمّا نلمسه ونراه في كل مكان في مناطق البلاد المختلفة، لكن في حال أعلن عن ذلك للشعب فإنه بكل تأكيد قد يصاب بصدمة تؤدي إلى منحى ومبتغى غير متوقع. ومن يقول عكس ذلك من المسئولين والنواب والانتهازيين ممن أصبحوا اليوم مكممي الأفواه ومنتمين إلى شريحة الأغنياء الجدد، هو يكذب عينيه ويغشّ نفسه.
فهذه الفئة لا تريد أن تخسر المكتسبات التي حصدتها من جراء هذه المواقف المهزوزة ولا هم يأبهون بالزيادة غير الطبيعية الحاصلة داخل مجتمعنا الصغير، على رغم أنها ستضرهم كما ستضر غيرهم، ربما ليس الآن ولكن مستقبلا، يكون ضحاياها أبناءهم الذين قد لا يذكرونهم خيرا لمساهمتهم على تفتيت الهوية البحرينية.
كما أننا لا يمكن أن نتساهل مع موضوع «التجنيس» وليس صحيحا أن استيراد أجناس مختلفة فيه حماية للسنة من إخواننا الشيعة، فهذا كلام غير منطقي، ويكفي ما يحصل اليوم في عسكر والرفاع والمحرق وحتى في مدينة حمد، بالمناطق السكنية والمدارس الحكومية... كل ذلك دليل قاطع على خلق مشكلات جديدة وأخرى قادمة نحن في غنى عنها.
فكيف يمكننا أن نتجاهل «التجنيس» ونكرر كلاما يفرق وحدة شعبنا بمختلف اثنياته وطوائفه مع أن أهل البحرين عرف عنهم بتسامحهم عبر التاريخ وأعراقهم معروفة بتشكيل نسيجهم الاجتماعي، وما عدا ذلك فهو دخيل.
البحرينيون طيف جميل فيهم ما يطلق عليهم «البحارنة والهولة والعرب والعجم» ومن الطوائف المسلمين «السنة والشيعة والبهرة واليهود الشرقيين (السافرديم) والمسيحيين من الإنجيليين والكاثوليك وأقلية من الهندوس والبهائية»، هذا التسامح الذي استغل ليكون مبررا للتجنيس وخلط الأوراق من أجل هدم الهوية الأصيلة المستمدة من أحياء المنامة والمحرق وقرى البحرين وتعريتها لصالح أهواء وأفكار غير ذكية...!
لماذا نتحيّز لجماعة من دون أخرى، على رغم أن أمننا الحقيقي وبقاء هويتنا يكمن في وحدتنا وعدم الهرولة واللعب بمقدرات الشعب بمختلف طبقاته الاجتماعية؟
هذه التساؤلات لم تأتِ من فراغ، لكنها جاءت من واقع ردود الناس ومراقبتهم للوضع الحالي الذي لا يمكن السكوت عليه. وهو ما يدفع بالمواطن البحريني إلى مقارنة وضعه بوضع مواطني دول الخليج الأخرى التي أيضا لا تخلو مجتمعاتهم من المشكلات، لكن قضاياهم لا تعامل بمثل ما تعامل به قضايا الشارع البحريني ولا يحصلون على حلول تأتي دون مستوى دخل دولة نفطية مثل البحرين التي لا يمكن أن تقارن بدول عربية أخرى تتسم بالاختلاف عن البحرين والتعقيدات ما لا يمكن مقارنتها ببلادنا.
ومع أن من يجنّسون يعيشون في بلدانهم الأصلية في ظل أوضاع مستقرة سياسيّا واقتصاديّا، إلا أنه لا يوجد مبرر إنساني لأن تحتضن البحرين هذه الأعداد الكبيرة من المجنسين الذي بات يهدد الكثير منها واقعنا الذي إن استمر قد يصاحبه تغيير للمفاهيم من بينها انتشار العنصرية من نوع آخر يضاف إلى قائمة الممارسات البغيضة مثل الطائفية والمناطقية.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 1973 - الأربعاء 30 يناير 2008م الموافق 21 محرم 1429هـ