سليم الجبوري، خطيبٌ ومؤلفٌ عراقيٌ مهتمٌ بالتراث... له عدة كتب تدور حول التراث والتاريخ، من بينها «لبنان في الشعر العراقي»، «شهداء القلم»، ولكن القراء في البحرين لم يعرفوه إلاّ من خلال كتابه «الوائلي تراث خالد». كان في زيارة للبحرين في الفترة الأخيرة، وزار «الوسط» بألبوم كبير من الصور ، وكان لنا معه هذا اللقاء:
* لماذا الوائلي؟
- الوائلي شخصية إسلامية بارزة مثلت الاعتدال والثقافة الإسلامية الإصلاحية التي دشّنها الشيخ محمد رضا المظفر، والوائلي يمثل المختصر لهذه المدرسة الإصلاحية. وقد أثبت منبريّا أنه الخطيب الأول الذي ساهم في تأسيس المدرسة الحسينية الجديدة، فإذا أرادت الناس اليوم أن تقيّم خطيبا جيدا قالت إنه يشبه الوائلي...
* ما هي أسباب اهتمامك بالوائلي؟
- هناك أسبابٌ جعلته يتفوق ويتميز عن غيره من خلال قراءاته المكثفة، انفتاحه على الآخرين، خروجه عن المألوف، ذهابه للأزهر. ورأيت كثيرا من الأدباء يحترمونه ويقدّرونه خارج البيت الشيعي، مثل جوزيف الهاشم وجورج جرداق، من هنا بدأت الانطلاقة.
* هذه المواصفات ستتعب من يأتي بعده... أليس كذلك؟
- لاشك، هذا الكلام قاله الخطيب المشهور عبدالزهراء الحسيني، فالوائلي عاش في عصر ونحن نعيش في عصر آخر، ومن أراد أن يكون وائليّا فعليه أن يثقف نفسه، مع الاهتمام باللب وترك القشور، فالوائلي يبقى مدرسة من الصعب أن تتكرّر.
* وهل عقمت كبريات المدارس الدينية في النجف وكربلاء وقم أن تنجب مثله؟
- ليس فقط الوائلي، هناك شخصيات أخرى يصعب أن تتكرر مثل محمد باقر الصدر ومحمد جواد مغنية وغيرهما... من الصعب تكرارها. ولكن أملنا في أن يتطلع الخطباء والعلماء الجدد إلى المستوى الذي كان عليه الأوائل.
* هل قابلت الوائلي؟
- نعم، في عمّان بالأردن نهاية 1999 وهي الأولى والأخيرة. ولكنه كان يتصل بي شخصيا في حال طلبه بعض الأمور... كالكتب أو ما يصدر عنه... وسلّمني كثيرا من الوثائق عندما أبديت له رغبتي في الكتابة عنه.
* على أي أساس سلّمك هذه الوثائق؟
- كوني مهتما بما كان ينشر، وكثير من القصائد المنشورة له في صحف مختلفة بذلت جهدا كبيرا لجمعها.
* وما الجديد الذي جمعته؟
- الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية، ومقالات كتبها بقلمه، ولقاءات صحافية، مع شعر الوائلي غير المنشور بالديوان، وأرشيف الصور والوثائق، وسيكون في 4 أجزاء. وقد وردتني أشياء جديدة حتى من الأخوان في البحرين، عائلة بن سلوم مثلا سلّموني بعض الصور الخاصة.
* ماذا عن نسبة الشعر غير المنشور؟
- ربما يصل إلى 350 صفحة.
* أي أنه أكثر من شعره المنشور؟
- نعم... وهناك قصائد كان الوائلي يتحفظ على نشرها.
*قصائد عاطفية؟
- لا... شخصية.
* وماذا عن مقالات الوائلي مقارنة بشعره؟
- المقالات نشرها في الخمسينيات بالنجف ولبنان ودبي، وبعضها ألقيت في مهرجانات، وكان الشيخ يأمل بالحصول عليها. والملاحظ أنه كان يكتب ببساطة، ولم يكن متأثرا كغيره بمثل طه حسين في ذلك الزمن.
* إذا... هو الذي كان وراء هجرتك إلى لبنان؟
- أنا تعلمت من الوائلي حب لبنان.
* كيف؟
- لبنان في ضمير النجف الأشرف، وقد تغنى به الكثير من العلماء. وهو مهبط أبي ذر الغفاري... وفيه الكثير من العلماء والأدباء. ويمكن القول إن نحو ثلث الفكر الشيعي من جبل عامل. وقد ألقيت عصاي في الضاحية الجنوبية، وأسست علاقات عامة مع شخصيات أدبية من مختلف الطوائف، ولكن عندما أدخل أية مكتبة أبحث عن الوائلي، فوجدت عنه الكثير.
وفي عقيدتي أن لبنان بلد التجارب، فمن يزوره يرى بحارا من الأفكار والمعتقدات والآراء.
* وكيف كان وقع خبر وفاته عليك؟
- لم أتأثر على وفاة والدي مثلما تأثرت على الوائلي... بقيت أسبوعا كاملا معتكفا في البيت. ورأيت بعدها أن أفضل خدمة أقدمها للشيخ هو جمع تراثه.
* بصفتك مقيما في لبنان... هل شهدت حرب تموز؟
- كنت في سورية بداية الحرب، وعندما شاهدت ضياء الناصري في «العربية» ينقل تقريرا عن المنطقة التي كنت أسكن فيها عرفت أن البيت تهدّم وذهب كل شيء.
* وأهم ما خسرته؟
- ثلاثة أجزاء من كتاب «شخصيات لبنانية»، مثل هاني فحص، محمد مهدي شمس الدين، محمد حسين فضل الله، جوزيف الهاشم، كمال جنبلاط وغالبية الشخصيات المثقفة. لبنان فيه أجواء تجبرك على أن تمسك القلم، وألا تكون انطوائيا.
* إذا أنت من عشاق لبنان؟
- الشاعر أحمد الصافي النجفي عندما سئل قال: «الشاعر يولد في العراق وينضج في لبنان ويموت في مصر...»، فالمصريون يهتمون بالرواية والقصة.
* ماذا نحتاج في هذه الفترة من التاريخ؟
- اليوم نحتاج إلى ثقافة احترام الآخرين... وإلى مؤسسات تعمل على تحقيق حوار الحضارات والأديان، ولكن كيف نحقق ذلك بينما نحن في البيت الواحد لا نتفق، فالنجف الأشرف والأزهر الشريف هما المعنيان بإعادة مؤسسة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وكفانا تفريقا وتشتتا، وعلينا أن نعود إلى رحاب الرسول (ص). مصر شهدت تجربة التقريب، ولكن عندما دخلت السياسة أساءت إلى المؤسسة.
* وهل هناك أملٌ مع كل هذا الاحتقان الطائفي؟
- نعم، هناك أمل، فالغليان والاحتقان الطائفي في المنطقة عائد إلى الحكم ومن يتسلم المنصب والكرسي وليس إلى الدين والمذهب. أنا معجب بالشيخ الطنطاوي مفتي مصر... فهو شخصية مثقفة يحترم العلم والمثقفين، وعندما قلت له إني قادم من النجف احترمني وحدثني عن أيام النجف، وأنه ذهب إليها مرارا وزار الإمام السيد الخوئي وقال إنه معجبٌ بمدرسة النجف.
قصة صورتين
الصورة الأولى للإمام عبدالحسين شرف الدين، يوم وصل إلى مصر متنكرا بالكوفية والعقال، بعد أن حكم عليه المحتل الفرنسي بالإعدام، فلما شهد أحد الاحتفالات ارتقى المنبر خطيبا وأنشد بيتا للسيد حيدر الحلي:
إن لم أقف حيث جيش الموت يزدحمُ
فلا مشت بيَ في أرض العلا قدمُ
حتى علا التصفيق من المصريين استحسانا للأدب الرفيع والبيان الناصع، ولما سألوا عنه قال من يعرفه: انه حفيد علي الكرّار. أما الأديبة مي زيادة التي كانت تحضر الاحتفال فقالت: «لا أدري هل الخاتم أطوع إلى بنانه أم البيان أطوع إلى لسانه».
أما الصورة الأخرى فللسيد شرف الدين في أواخر أيامه، يمشي متكئا على مرافقيه، وتوفي في 30 ديسمبر/ كانون الأول 1957.
العدد 1973 - الأربعاء 30 يناير 2008م الموافق 21 محرم 1429هـ