العدد 1972 - الثلثاء 29 يناير 2008م الموافق 20 محرم 1429هـ

حرية التضليل والتحريض!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في لقاءٍ تلفزيوني العام الماضي، سأل المذيع رئيس تحرير صحيفة «الرياض» تركي السديري عن تناوله للأشخاص أم الأفكار، في نقده لتنظيم «القاعدة»، فأجاب بأنه ينتقد الأفكار وليس الأشخاص، ولكن ليس من المعقول أن تكون هناك مجموعةٌ في السعودية تعتبر نفسها وحدها على الحق، وبقية المسلمين على باطل، ثم يسكت عنها.

هذه الإشكالية تمس جانبا من أساليب النقد والجدل الدائر حولها، في فترةٍ يرتفع خطاب الجماعات المتباينة المصالح والرؤى، حيث يختلط الحق بالباطل، والصراحة بالتدليس، والصدق بالكذب الكثير، حتى باتت الصحافة بيئة غير آمنةٍ من الجواسيس والمندسين والمرتشين.

إن من الصعب أن تقيم حاجزا وهميا بين الشخص والفكرة التي يكتبها، فالأفكار لا تنزل من السماء بالباراشوت، وإنما تنبت على الأرض، حيث تختلط المصالح والأمزجة والرؤى والمعتقدات السليمة والخاطئة. ولكي نضع الفكرة في سياقها الطبيعي، علينا أن نعرف بيئة الشخص وتاريخه وتقلباته ومصالحه أيضا... فليس طبيعيا أن يتخصص شخصٌ في «انتقاد» جمعيةٍ سياسيةٍ أربع سنوات بسبب مقاطعتها، وعندما تشارك يواصل انتقادها بحدّةٍ وشراسةٍ أكبر، كأنها هي أساس البلاء!

لست ماركسيا لينينيا ولا ماويا، ولكن أعتقد أن للمال سطوته الكبرى على عقول الرجال (والنساء أيضا)، فهو كثيرا ما يفسّر لنا المواقف المتطرّفة والتقلبات البهلوانية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. فإذا دعت صحافيةٌ إلى تكبيل وحبس الصحافيين بقانون رجعي متخلف رفضه الوسط الصحافي بالإجماع، فهذا موقفٌ طبقيٌ مصلحيٌ وليس حرية رأي.

وأن تتكلّم عن موضوع ليس من اختصاصها، من قبيل التشيع والتصحيح، فابحث عن السبب، وخصوصا أنها كانت متّهمة لدى الشيعة قبل عامٍ بترويج الأكاذيب عن مؤسساتهم التاريخية العريقة كالمآتم والتحريض عليها باختلاق أكاذيب «أمنية»، حتى أصدروا بيانا ضدها وطالبوا برفع الحصانة عنها تمهيدا لمحاكمتها.

ثم إنه ليس من حرية الرأي أن تسبّ الصحافيين في مؤتمر قومي حضره مئات الشخصيات قبل أشهر، وتصفهم بـ «الحمير» أمام ضيوف البحرين. هذه ليست حرية تعبير ولا رأي، وإنما سوءُ أدبٍ مع المجتمع واحتقار لمؤسساته، ووشايةٌ بالزملاء، وعجرفةٌ تنم عن نفسيةٍ معقدةٍ بلغت درجة متقدمة من داء الغرور. وآخرها الطنطنة على موّال «ولاية الفقيه»، والتهويل من فرضها على الأمة وتكفير من لا يؤمن بها، مع أن فكرة «ولاية الفقيه» ظلّت مثار جدل فقهي وسياسي في إيران، على رغم أنها نجحت في تحويلها من شركةٍ مغلقةٍ لعائلة الشاه إلى جمهورية تكافح منذ ثلاثين عاما لتثبيت سياسة تنموية واقتصادية مستقلة عن القوى الكبرى.

وهي كأيّة فكرةٍ أو نظريةٍ سياسيةٍ كبرى في هذا العصر، ينقسم حولها الناس بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، والإيهام بوجود مشروع سياسي في البحرين لفرضها بالقوة أكذوبة وتضليل، فكل ما يُتداول طروحاتٌ فكريةٌ عامةٌ، تماما كنظرية الخلافة الإسلامية التي تحلم بعودتها بعض التيارات السنية.

يقينا هي لا تخشى التكفير، لأن التكفير ليس من منتجات هذه المدرسة الفقهية، وإنّما هي لعبة التحريض القديمة: «ما هو موقف الأجهزة الأمنية في حماية المجتمع من هذه المنابر التي باتت تشكل تهديدا مباشرا لسلامة المواطن وحرية الدستور» فهذا هو بيت القصيد! فمن شبّ على الفكر الصدّامي شاب عليه، فهي أصدرت حكمها النهائي وفتواها القطعية، وعلى أجهزة المخابرات أن تبدأ من فجر غدٍ بتنفيذ حملات المداهمات

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1972 - الثلثاء 29 يناير 2008م الموافق 20 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً