العدد 1972 - الثلثاء 29 يناير 2008م الموافق 20 محرم 1429هـ

اقتلوا الشيطان

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

مركز الوقت في هذه الجزيرة المليونية «خدعة»، هامشه أيضا «خدعة»، والحرب كما يقولون «خدعة». كلنا، قلقون من صباحاتنا التي نباغتها بالتشاؤم والخوف حتى لو كانت تنوي أن تأتينا خلاف ذلك، وأخبار صحفنا الأولى هي إما تباشير أو إعلانات حرب لا هوادة فيها. نُوغِل جميعا - من دون استثناء - في الجدال، والتناحر، والرد، والرد على الرد حتى يخيل لك أننا في حرب إبادة، وعليه، وحتى تنتهي هذه الحرب، فإن على أحد ما في هذه الجزيرة أن يغادرها إلى غير رجعة!

الذين يقرأوننا في الخارج أصبحوا يخافون منّا، يقول صحافي سعودي صديق: «أتصفح صفحاتكم الأولى فينتابني شعور قوي بأن البحرين من تقف على أعتاب حرب أهلية لا لبنان، وأنها من تحتاج إلى مبادرة عربية لا لبنان!». ويضيف: «لدي شعور قوي تجاه الصحافيين البحرينيين أنهم أكثر شراسة من سياسييهم، وأكثر إثارة للأزمات مما يفرزه الشارع نفسه من أزمات (...) اقتلوا الشيطان بينكم، فالقليل من المسئولية مطلوب في هذه المهنة التي تستطيع أن تحرق البلد إذا ما حركتموها إلى هذا الاتجاه من البوصلة».

لا أحد منّا يهتم لخطابات الحكمة، فالحكمة كما يقولون: «ضآلة المؤمن»، والصحافي دائما ما يعتقد - وهي حالة مرضية يصاب بها الكثير منّا - أنه كائن استثنائي أكثر فهما / إدراكا / دراية / تحليلا من المؤمن والمثقف والحكيم نفسه، والحكمة على هذا النوع من الصحافيين لن تكون أبدا ضالته التي يبحث عنها. وخلاف أن نكون متكبرين عن أن نبحث عن الحكمة وأن نعمل بها نكون قد وصلنا بالفعل لمفترق طريق لا رجعة فيه، هذا الطريق لن يمر منه أحد، وواهم من يعتقد منّا أنه من سيخرج من هذا الطريق موشحا براية النصر.

كنت خلال إجازة قصيرة لمدة أسبوعين أحاول اختبار كلمات هذا الصديق عبر تصفح الكثير من ما نشرته صحافتنا المحلية أخبارا، وتقاريرَ، وأعمدة، وملفاتٍ. ووجدت في 100 مقال أو خبر منها الشيطان بارزا يبث سمه فيتلقفه الناس فرحين بما أتاهم منه، وحتى لا تكون الأحكام نهائية، وجدت من العقلاء قدرا يسيرا يخنقهم الطرح الرزين في أن يكونوا من يجلس في مقدمة الركب. وهذه أيضا لعبة حرب، فالعقلاء والحكماء يختفون حين تدق نواقيس الحرب وتبدأ المعركة.

المؤسف في كل هذا، أن الدولة التي من المفترض أن تكون مدركة لخطورة هذا الإيقاع السريع في الصحافة لا تكترث ولا تهتم، ولست أعني بأن تكترث الدولة أن تبدأ في تشغيل مكنة الرقابة أو المنع، بل أن تفهم إلى أي حد وصلت بنا محصلة هذا التأزيم الذي كانت الدولة ولاتزال المسئول الأول عنه، تنتصر الدولة أولا وأخيرا لسياسة واضحة: «اكتبوا ما تريدون، وسنفعل ما نريد»

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1972 - الثلثاء 29 يناير 2008م الموافق 20 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً