كلما تأملت ما يجري في غزة من قتل وتدمير وتجويع تبادرت إلى ذهني الآية الكريمة: «ليس لها من دون الله كاشفة» (النجم:58). ولكن قد يقول البعض: ولماذا هذه الآية بالذات؟
ولإيضاح ذلك أقول: في عالمنا تلجأ الدول المتخاصمة إلى مجلس الأمن الدولي لكي تحل مشكلاتها وينصف الدولة المظلومة من الدولة الظالمة. ومجلس الأمن إنما نشأ أساسا من أجل تحقيق هذه الغاية وإرساء قواعد السلام بين شعوب الأرض كلها...
ولكن ماذا سيفعل مجلس الأمن في الحالة الفلسطينية؟ لقد أصبح مألوفا ان هذا المجلس وبسبب وجود لا يمكن أن يبرر أي قرار لصالح فلسطين مهما كان تافها، بل وأكثر من ذلك كله لا يمكن أن يمرر أي قرار ليس فيه إدانة واضحة للفلسطينيين وتبرئة للصهاينة من كل جرائم التي تضج منها قوانين الأرض والسماء...
في الجرائم - المخزية - التي تحدث في غزة لجأ العرب إلى مجلس الأمن - كالعادة - وحاولوا استجداء قرار ينصف الفلسطينيين ولكن من دون جدوى...
وقف الأميركان لهذا القرار بالمرصاد... لم يقبلوا حتى بإدانة الصهاينة، مع أن هذه الإدانة لا قيمة لها على واقع الفلسطينيين، فهي لن تحيي قتلاهم، ولم تطعم جوعاهم، ولن تؤمن لهم حياة كريمة أو حتى غير كريمة... ومع هذا كله فقد ضن الأميركان بهذه الإدانة التافهة!
الأميركان - وكعادتهم - أرادوا أن يجبروا الدول الأخرى على إدانة حماس، فهذه الـ «حماس» هي المجرمة القاتلة، هي التي تمطر الصهاينة الأبرياء بالصواريخ! هي التي تزعجهم بين وقت وآخر! ألا يستحق هذا الفعل ردا مساويا من الصهاينة المظلومين!
لسان حال الأميركان يقول: إن القتل الجماعي لكل الفلسطينيين حق للصهاينة يجب عدم إنكاره بأية صورة من الصور! أرأيتم مثل هذه العدالة؟
وهل رأيتم مثل هذا المجلس الذي تتحكم فيه «إسرائيل» عن طريق أميركا؟
حصار غزة - كما يقول الأميركان - حق مشروع للصهاينة وعلى حماس تحمل هذه المسئولية بسبب ثقتها!
عجبا لهؤلاء الأميركان القتلة هل كانوا سيقولون مثل هذا الكلام لو أن الفلسطينيين قتلوا بضعة أشخاص من الصهاينة دفاعا عن أنفسهم؟
عجبا لهؤلاء الأميركان وهم يتجاهلون كل القوانين الدولية التي تجرم الأديان الجماعية للشعوب...
ولكن لم العجب؟ إنهم مارسوا هذا العمل مع الهنود الحمر، وإنهم يمارسون الآن في العراق وأفغانستان، فهل فعل الصهاينة أكثر من فعلهم؟ أجزم أنهم والصهاينة وجه واحد لعملة واحدة؟...
منظمة المؤتمر الإسلامي أعلنت - لا فض فوها - أنها ستدعو إلى مؤتمر يناقش أوضاع أهالي غزة! يا سلام! وكأن هذه الأوضاع تحتاج إلى مؤتمر، وإلى متحدثين من هنا وهناك! ومع هذا ماذا سيفعل هذا المؤتمر على فرض انعقاده؟
والسؤال: ماذا قدم المسلمون من مساعدات لأهل غزة عندما فتح المعبر؟! ولم يكن الحال مع العرب بأفضل منه مع المسلمين من غير العرب! استمعنا إلى استنكار من هنا وهناك ولكن على استحياء شديد، ومن دون وعود بأي مساعدات لا من دولة واحدة لا أعرف هل نفذت أم لا؟!
العرب - الطيبون - الذين فتحول للسيد «بوش» بلادهم وقلوبهم لم يجرؤوا على رفع أصواتهم مطالبين بإنصاف الفلسطينيين ورفع معاناتهم... لم يفعلوا شيئا له قيمة واكتفوا بمتابعة الموقف وربما التلذذ بما يحدث!
أما الأقربون من أهل غزة وهم «أبومازن» ومن معه فلم يكن الحال معهم بأحسن منه عند الجميع!
السيد «أبومازن» أدان «حماس» بأنها وراء كل ما يحدث في غزة! وأن الصواريخ - عابرة القارات - ما كان ينبغي لها أن تغادر مواقعها، وأن على حماس أن تتحمل نتيجة كل مساوئها!
ويحار المرء فيما يسمع فهل مثل هذا الكلام يقوله رئيس فلسطيني؟
أليس - سيادته - رئيسا لكل الفلسطينيين كما يقول دائما؟ هل يجهل سيادته أن الصهاينة يقتلون «شعبه» خارج غزة؟ وهل توقف هؤلاء القتلة عن ممارسة «هوايتهم» كل تلك السنين؟
الرئيس الفلسطينيين لا يقبل حوارا مع «حماس» وهم جزء منه لأنهم - كما يقول - خرجوا عن الشرعية، ولكنه في الوقت نفسه يستجدي الحوار مع الصهاينة فهل هؤلاء - في رأيه - لم يخرجوا عن الشرعية؟
الصهاينة - يا سيدي الرئيس - خرجوا على كل أنواع الشرعية - شرعية السماء وشرعية الأرض - ورفضوا تطبيق كل قرار صدر بحقهم بما فيه القرار الأخير الصادر من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة والذي طالبهم برفع الحصار عن غزة... فلماذا لا تقاطع هؤلاء وتكتفي بمقاطعة أهل غزة؟ أنهم أقرب لك وألصق بك؟
الشيء الذي أخرسني وسط هذا الركام الهائل من المآسي سقوط جدار رفح، وموقف الرئيس المصري الذي أحمده عليه وأتمنى أن يبقى هذا الجدار ساقطا وأن تسقط كل الجدر الأخرى بين العرب...
أتمنى أن أسمع من مصر موقفا حازما يليق وأن لا تخضع للضغط الأميركي والصهيوني الرخيص، فالعرب - كل العرب - هم أقرب لها من أولئك المجرمون...
الموقف الشعبي العربي أو مسجون... هل يصدق أحد أن مجرد إعلام التعاطف مع شعب عربي يقتل يعتبر جريمة؟
الغيوم حالكة السواد... ولكن إرادة الله أقوى من كل شيء... والفرج آت لا ريب فيه... وعلى شعوب المسلمين أن تتحرك قبل أن يلفها الظلام... وعلى حكامنا في كل بلادنا أن يقتربوا من شعوبهم فهم الملاذ الأمن لهم...
وأقول لأخواننا في غزة... لا نملك إلا الدعاء لكم، وطريق الحق يحتاج إلى تضحيات كثيرة، والله ناصرحكم ولن يخذلكم...
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1971 - الإثنين 28 يناير 2008م الموافق 19 محرم 1429هـ