الحكم العسكري و «الحرب على الإرهاب» هما المجرمان الرئيسيان وراء تنامي التطرف في باكستان. ويضيف الوقود على النار العنصر الثالث، وهو دكتاتور له ارتباطات خارجية، إذ تقوم قوة خارجية بدعم الدكتاتور أو الحاكم العسكري، سرا أو علنا.
ينتعش التطرف ويترعرع تحت الحكم العسكري. من خلال وضع قيود على النشاط السياسي الصادق يغلق الحكم الدكتاتوري الأبواب على التعابير السلمية للمعارضة والانشقاق. وهو يحاول إنشاء إرادته في الحكم من خلال القوة الصرفة، ويعطي، كردة فعل دفعة لرغبة في قطاعات معينة من المجتمع لكي تدعم قضيتها باستخدام تكتيكات اليد الطويلة. في هذا المعرض لا يقتصر التطرف على المتطرفين بل إنه يصبح وضعا عقليا سائدا - ولو إلى درجات متفاوتة - بين الجمهور العام من السكان.
لقد عملت الأحزاب السياسية الدينية في باكستان من دون نجاح يذكر باتجاه «أسلمة» النظام السياسي. لم تنجح لا في إقناع الحكومة على قبول مطالبها، مثل التطبيق الكامل للشريعة ولا في الوصول إلى الحكم هي نفسها. عدم القدرة على تحقيق تقدم مهم في العملية الديمقراطية، مضافا إليه التركيبة الحكومية العسكرية، يعطي قضية لهؤلاء الذين يشار إليهم بـ «الطالبان المحليين» والعناصر المتأثرة بـ «القاعدة». وتظهر حادثة مسجد لال هذه المشكلة بوضوح. في شهري أبريل/ نيسان ومايو/ أيار 2007 قابلت نائب رئيس المسجد والمدرسة المجاورة له عبدالرشيد غازي، والذي قتل في الحصار الذي تلا. سألته عن شرعية وفاعلية الأساليب التي استخدمها تلاميذه، مثل أخذ الرهائن والتهديد بالعمليات الانتحارية ضد أهداف حكومية.
وأجاب، «قد يُنظر إلى كفاحنا على أنه بديل طبيعي للفشل الكامل تقريبا للأحزاب السياسية الدينية وتوجهاتها». وقال، مشيرا إلى مجلس العمل المتحد، وهو تحالف للأحزاب الدينية: «إن النخبة الحاكمة لن تحقق مطالبهم الحقيقية أبدا وستحاول بدلا من ذلك استرضاء الأحزاب الدينية من خلال الموافقة على قضايا جانبية مثل كتابة دين الفرد في جواز سفره الباكستاني».
أكد لي غازي، وهو كذلك خريج جامعي ومسئول سابق في الأمم المتحدة، مدعيا أن حادثة مسجد لال ستؤدي إلى المزيد من الاحتجاجات المماثلة، إنه على رغم تهديداته باستخدام القوة، فإنه لم يكن ينوي اللجوء إليها.
إلا أنه في نهاية المطاف استخدمت الحكومة القوة ورد الطلاب بالمثل، الأمر الذي أعطى المتشددين المتطرفين عذرا آخر لزيادة وحشيتهم.
كذلك ساهمت كراهية الوجود الأميركي الواسع في أفغانستان والعراق في انتشار التطرف. يشعر الكثير من الباكستانيين بأن الولايات المتحدة قامت بغزو دولة مسلمة ذات سيادة بحجة أنها كانت توفر ملاذا لأسامة بن لادن من دون أن تؤكد أنه مذنب في محكمة قانونية. إضافة إلى ذلك يؤكد الكثيرون أن الولايات المتحدة غزت أفغانستان على رغم أن «الطالبان» كانوا قد عرضوا تسليم بن لادن، كما نقلت وسائط الإعلام بشكل واسع، إلى طرف ثالث أو مجموعة من الدول أو لمنظمة المؤتمر الإسلامي. إضافة إلى ذلك فإن السبب المدعى لغزو العراق (تطوير أسلحة دمار شامل) ثبت عدم صحته.
غياب العملية القانونية هذا، بحسب اعتقاد الكثير من المتطرفين، يبرر الهجوم على أهداف أميركية. بوجود حكم الأمر الواقع العسكري في الوطن وحربين في المنطقة يؤول الوضع في باكستان إلى السوء الشديد. شعب باكستان يحب جيشه ولكنه لا يوافق على تدخله في السياسة. هم لا يكرهون الولايات المتحدة ولكنهم غاضبون من بعض سياساتها.
قد تساعد نهاية الترابط بين الدكتاتور والأجنبي، أي بين الولايات المتحدة والرئيس برويز مشرف إلى درجة بعيدة كذلك على السيطرة على أو الحد من مشكلة التطرف التي بدأت تتسع وتتفاقم. لم يتنازل مشرف عن مركزه العسكري إلا بعد «إعادة انتخابه» من قبل المجلس المنتهية فترته. فرض بعد ذلك حكم الطوارئ وطرد قضاة المحكمة العليا بمن فيهم كبير القضاة وقام بتعديل الدستور. بالنسبة إلى الكثيرين تصرَّف برويز مشرف بدعم ضمني من واشنطن قبل وأثناء وبعد حالة الطوارئ المفروضة. في غياب بعد دور المفضل، يجب رؤية الغرب، بقيادة الولايات المتحدة على أنه يقود الحملة لصالح قضية الديمقراطية، بدلا من الربت على كتف الدكتاتوريين المستبدين خدمة لمصلحة ذاتية. يشكل التعامل مع هذه القضايا الثلاث الدواء العام لكبح جماح التطرف في باكستان، وكلما جرى تطبيق ذلك كلما كان الوضع أفضل.
*باحث ومحلل سياسي مركزه إسلام آباد،
والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1971 - الإثنين 28 يناير 2008م الموافق 19 محرم 1429هـ