العدد 1970 - الأحد 27 يناير 2008م الموافق 18 محرم 1429هـ

الإصلاحيون الإيرانيون ومشهدهم الأخير

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ربما تكون الصلة بين المقال المعنون بـ «إيران بين كلم السياسة ورشح الثلوج» والمنشور في صحيفة «الوسط» في 14 من الشهر الجاري وما سأتناوله اليوم هي كصلة الوضوء بالصلاة؛ فالوضوء لا يُحدِث وجوبا للصلاة، لأن وجوبها ثابت قبل الوضوء وبعده بكل خصوصياتها، بل هو شرط في صحتها، وبالتالي فهي مقدمة الواجب كما يقول الأصوليون، لذلك فإن ما قيل ما هو إلا مقدمة لواجب يجب أن يُتَم يتعلق بترف الإصلاحيين الإيرانيين. وعلى رغم أنني أستنكف حال الإصلاحيين وسياساتهم منذ صعودهم في مايو/ أيار العام 1997 ولغاية اليوم؛ فإنني لا أتمنع من تناول أوضاعهم كلما جاء ما يشجع ذلك، أو على أقل تقدير عندما تهب رياح مأتمية عليهم.

قبل خمسة أيام أعلن مجلس صيانة الدستور في الجمهورية الإسلامية والمكلف بالنظر في الترشيحات للانتخابات البرلمانية (الثامنة) والخبرائية (التكميلية) الإيرانية المقررة في 14 مارس/ آذار المقبل، رفضه لأكثر من ألفي مترشح من أصل 7168 مترشحا تقدموا لتلك الانتخابات. الرفض طال جميع أعضاء اللجان المركزية الإصلاحية (جبهة المشاركة وحزب التضامن وحركة مجاهدي الثورة الإسلامية المتطرفة بالإضافة إلى أربعة وزراء من حكومة الرئيس السابق محمد خاتمي وهم وزير الزراعة عيسى كلانتري والتربية مرتضى حاجي والنقل أحمد خرم والتعاونيات علي صوفي بالإضافة إلى النائبة الحالية عن حزب المشاركة سهيلا جلودار زادة، و13 نائبا سابقا، ونجل شقيقة خاتمي محمد رضا تابش، وسبعين في المئة من مرشحي حزب الثقة الوطنية «اعتماد ملي» بزعامة رئيس البرلمان السابق الشيخ مهدي كروبي).

وبرر المجلس رفضه لتلك الترشيحات بأن «69 سحبوا ترشيحاتهم و131 آخرين صدرت في حقهم أحكام في الماضي بتهم الفساد واختلاس أموال، في حين أن 329 لديهم سمعة سيئة في محيطهم و138 لا يملكون الشهادات المطلوبة، وأكثر من 700 شخص لأسباب أخرى، منها تعاطي المخدرات والصلات مع النظام الامبريالي السابق (الشاه) والعمل ضد الجمهورية الإسلامية، وعدم الالتزام بقيم الإسلام والنظام الإسلامي، والصلات مع مجموعات انفصالية وإرهابية (في إقليمي كردستان وخوزستان) ومع أجهزة استخبارات أجنبية، وإهانة القيم الدينية والأولياء».

مجموع الأرقام التي أعلن عنها مجلس صيانة الدستور تكاد تكون مطابقة لمن طُعن في أهليته في الدورة النيابية السابقة وهم 2394، لكن اللافت هو أن عددا من طعن في أهليته من النواب لم يزد عن نائب واحد بعكس المرة السابقة التي رفض فيها مجلس صيانة الدستور تجديد الأهلية لأكثر من سبعين نائبا في المجلس السادس، وإذا كان هنالك من خيار قانوني أمام من رفضت ترشيحاتهم فهو استئناف القرار خلال أربعة أيام أمام لجان مراقبة الانتخابات، فإذا ما تم تبني قرارات اللجان التنفيذية، يمكن للمترشحين أن يراجعوا مجلس صيانة الدستور، خلال عشرين يوما من تاريخ الإقرار.

بطبيعة الحال فإن مطابقة ما يجري اليوم بين المجاميع الإصلاحية من جهة ومجلس صيانة الدستور من جهة أخرى مع ما جرى قبل ثلاث سنوات هو مجانبة للصواب، ففي هذه المرة يبدو أن مجلس صيانة الدستور أقدم على هذه الخطوة وهو يملك شبه انسجام مع الحكومة التي يسيطر عليها المحافظون التعميريون والبرلمان الذي تتقاسم معظم مقاعده أطياف اليمين المحافظ، وأيضا وجود انسجام شبه كامل مع القضاء، وإذا كانت هناك خلافات فإنها لا تزيد عن أزمات تتعلق بأمور تنظيمية تحتاج إلى ترتيب داخل البيت المحافظ.

أما ما حصل في العام 2004، فكان بين أطراف في الدولة نفسها حين كانت السلطة التنفيذية والتشريعية بيد «تيار الثاني من خرداد»، فكان الخلاف على أشده بين البرلمان والحكومة من جهة ومجلس صيانة الدستور من جهة أخرى، وبالتالي فإن الأمور جد مختلفة، بل إن التهديد الذي صدر عن بعض قيادات التيار الإصلاحي كانت أقل حدة مقارنة بردة الفعل التي حدثت في العام 2004.

إنني أعتقد بأن ظاهرة الإصلاحيين في إيران لم تعد ترتبط بخصوصيات حزبية أو تحولات فكرية بدأت تجتاح المجتمع السياسي الإيراني فقط، وإنما هي ظاهرة لها امتدادات واسعة نحو الخارج، ونحو الصراع الإقليمي والدولي التي تحمل رايته الولايات المتحدة الأميركية، وربما يكون جزء منها ناشطا ضمن فضاء سياسي متوتر بين أطراف غربية ونظام الحكم الإسلامي في إيران، بل إنني أكاد أجزم بأن أعلاما برتقالية يراد لها أن ترفع في ساحة الحرية وسط طهران أو حتى في شارع فلسطين الذي يقع فيه القصر الجمهوري، على غرار ما حصل في أوكرانيا وجورجيا، وربما تكون هذه المجاميع الإصلاحية المتطرفة تتغذى على أنزيمات الستة والثمانين مليون دولار التي رصدتها الإدارة الأميركية لممارسة أعمال عدائية ضد إيران في الداخل والخارج، وهي ليست عبارات تخوين بقدر ما هي قراءات قائمة على أمارات العمل السياسي الذي بدأ يتبلور عبر كُوَّة العام 1997 عندما صعد نجم الإصلاحيين. فظهور مجلات تحريضية كمجلة «كيان» وصحيفتي «سلام» و «نشاط» وبقية الصحف المماثلة والمسيرة السياسية للمتحولين من جبهة المشاركة ومجاهدي الثورة الإسلامية وملف مسلسل الاغتيالات في العام 1998 وأزمة الحي الجامعي في العام 1999 بطهران ومؤتمر برلين ومشروع تعديل قانون المطبوعات إبّان المجلس السادس ومشروع التمرد المدني والإخلال بالخط الفاصل بين الموالين وغير الموالين ودبلوماسية السبيل الثاني والضغط من الأسفل والمحاججة في الأعلى وعصابة مفبركي الأشرطة، وظهور مشاة تحريك سياسي مضاد على الأرض بقيادة بهرزو غرائبيان وماشاء الله شمس الواعظين وهادي خلنيكي وشهلا شركت وعباس عبدي... كل ذلك لم يكن أمرا طارئا على الوضع الداخلي الإيراني، بل هو خط ممتد ويريد أن يتمترس داخل مفاصل الدولة، ولا أعتقد مطلقا بأن النظام السياسي الإيراني سيعيد لنفسه الأزمة التي عاشها طيلة ثمانية أعوام بسبب خطأ القبول بشعارات نيزكية من هنا وهناك، ولا أعتقد أيضا بأن القيادة الإيرانية ستسمح لأشخاص يكرمون في سفارة واشنطن ببولندا بأن يصعدوا على كراسي التشريع في إيران.

وإذا كانت هناك من مساعٍ سيبذلها الشيخ هاشمي رفسنجاني فيجب أن تكون ضمن سياق توحيد المسارات التفصيلية لليمين التقليدي وانشطاراته، والمسارات العامة بين اليمين واليسار، وألا يشفع عند أحد لأحد من أولئك المتطفلين على السياسة الإيرانية الذين حرقوا اسمه قُبيل الانتخابات التشريعية السادسة في العام 2000 وجعلوه مساويا مع عوارض طبقتهم السياسية بحصوله على المركز السابع والعشرين.

وإذا كان خاتمي عزم على بذل مساعٍ توفيقية لهذا الإشكال لصالح المتطرفين من «جبهة مشاركت» فعليه أن يتذكر من حمَّله متاعب سياسية واقتصادية مرهقة خلال سنوات حكومته الأولى، ومن الذي هتف في وجهه إبان اعتصام النواب السبعين في البرلمان بُعيد إسقاط أهليتهم في الترشح في يناير/ كانون الثاني 2004.

إن ضبط الدولة وتماسكها لا يكون دائما عبر شراء العواطف بأثمان باهظة، والاستماع إلى إعلام التعيير والتشويه، ومثلما يرفض الفرنسيون السماح للرافضين للعلمانية وتفصيلاتها بأن يترشحوا للجمعية الوطنية، فعلى الإيرانيين أن يمسكوا بأوضاعهم ومستقبلهم بالمستوى الذي يؤمِّن لهم قدرة أكبر من الاستقرار والتنمية، وإلا لن يبقى من ملامح الدول سوى أعلامها المنكسة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1970 - الأحد 27 يناير 2008م الموافق 18 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً