العدد 1970 - الأحد 27 يناير 2008م الموافق 18 محرم 1429هـ

الدولرة تكشر عن أنيابها

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما أن ترتفع حرارة الصراعات في منطقة مَّا، حتى لا نلبث أن نرى انعكاساتها على الصعيدين الاقتصادي والمالي لدول تلك المنطقة. واليوم ونحن نلمس تنامي حدة الصراعات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، كما هوالحال في منطقة الخليج، وما يرافقها من تأجج للصدامات العسكرية في تلك المناطق الملتهبة منها مثل العراق ولبنان، نلمس ذلك الترابط بين الوضع السياسي- العسكري والواقع الاقتصادي والمالي، من خلال محاولة الطرف الدولي الأكثر حضورا في هذه الساحة الذي هو الولايات المتحدة تعزيز اعتماد عملات المنطقة (كلما أمكن)، على الدولار. يشهد على ذلك إصرار واشنطن على استمرار ربط عملات بعض دول المنطقة بالدولار كما هو الحال مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي، أو التمسك باعتماد سعر الدولار كمرجعية عند إجراء المعاملات اليومية كما هو الحال في لبنان والعراق على حد سواء. هذه القنوات من السيطرة النقدية هي أشكال مختلفة مما أصبح يطلق عليه «الدولرة».

وبتنا نقرأ بعض الأدبيات التي تنظر إلى إيجابية هذا المنحى في الاقتصاد العالمي. ففي تحليل نشرته مجلة «فورين آفيرز» تحت عنوان: «نهاية العملة القومية»، في عدد مايو/أيار يونيو/حزيران 2007، بقلم «بين ستيل» الذي يعمل مديرا للاقتصاد الدولي بمجلس العلاقات الخارجية بواشنطن، يرى وجوب «دولرة» عُملات الدول النامية، مُرجعا السبب الرئيسي إلى طبيعة تلك الدول التي تعتمد على الاستيراد سبيلا للنماء، ومن ثم احتياجها إلى الدولار لكي تشتري به المُستورد، ومن ثم لجوؤها إلى تسليم رقبتها إلى «صندوق النقد الدولي» والأسواق الدولية، لتغيير عملاتها المحلية غير المرغوب فيها بالدولار. وذلك ما فعلته الإكوادور والسلفادور منذ 5 سنوات، حينما غيرت عملاتها بالدولار؛ وما فعلته البوسنة وكوسوفو ومونتانيغرو حينما غيرت عملاتها باليورو.

وينتظر «ستيل» بفارغ الصبر عملية «الدولرة» التي يعتبرها ظاهرة أكيدة، توقعها قبله الفيلسوف الألماني «جيورج زيميل» في العام 1900. لذلك، يحض «ستيل» مؤسسات الإدارة الأميركية بالسعي حثيثا نحو إنزال تلك الظاهرة إلى واقع جميع الدول، وترسيخ القناعة لدى الجميع بأن الدولار هو العملة العالمية الأنفع لهم.

والأمر الذي لم يعد يختلف عليه اثنان هو أن الولايات المتحدة لم تكف عن ممارسة ضغوطها أيضا، ترغيبا وترهيبا، على دول غير عربية مثل الأرجنتين إبان الأزمة التي عصفت بها في التسعينيات من القرن الماضي، من أجل شيوع الدولرة، ولاسيما بعد ظهور عملة اليورو إلى التداول؛ الأمر الذي كان سيؤدي إلى احتمال فقدان مكاسب جمة للإدارة الأميركية في حال تحول المتعاملون إلى اليورو بدلا من الدولار، وهذا يعني فقدانها (الإرجنتين) الموارد المكتسبة من الولايات المتحدة، وتحولها إلى الاتحاد الأوروبي. هذا ما لمسناه عند محاولة الحكومة العراقية السابقة أيضا بإحلال اليورو محل الدولار، واتخاذه احتياطيّا رسميّا.

وغالبا مَّا تؤدي الأزمات الاقتصادية والمالية التي تعصف باقتصادات الدول النامية إلى دفع تلك الدول – كحل سريع إلى اللجوء إلى الدولرة . إذ غالبا مَّا يؤدي التضخم الى ارتفاع فاحش في معدلات الفوائد، وحينها تتزايد الفوائد المدفوعة عن الدين العام. وحتى عندما كان يصار الى إقامة التوازن في الموازنة (قبل دفع الفوائد) وأيضا الى تعويمها، يستمر العجز العام في النمو . حينها لا تجد الدولة أمامها حلا أسرع من الاستدانة كي تدفع الفوائد التي تتزايد مع التضخم، ويزداد الأمر سوءا حين تتضاءل الموارد المتوافرة لدفع الدين الخارجي. وسرعان ما تتخذ هذه الآلية منحى انحرافيّا خارجا عن السيطرة، إذ جسّد التضخم خسارة ملموسة في قيمة العملة ستؤدي في دورها الى تغذية الحلقة الجهنمية. وستتجلى ظاهرة التضخم الهائل في معظم الدول وتبلغ حدّا اقصى خارقا وصل الى 4900 في المئة في العام 1989 في الأرجنتين، على سبيل المثال، إذ تسبب في حال من التفكك الاجتماعي. ففي أواخر أيار من تلك السنة هزت روزاريو، المدينة الثانية في البلاد، اضطرابات وأعمال نهب تسبب قمعها في سقوط 14 قتيلا.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1970 - الأحد 27 يناير 2008م الموافق 18 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً