وافق البرلمان الإندونيسي قبل أسبوعين على مسودة قانون «ضد الإباحية» يمنع أي شخص من لبس ملابس أو تشجيع مواد قد تثير «الرغبة الجنسية».
ورغم أن الأنظمة المتعلقة بالإباحية هامة، هناك قلق من وجود معانٍ ضمنية أخرى، متعلقة بحقوق المرأة على سبيل المثال، بل وحتى تفاصيل ما يمكن السماح بلبسه في الأماكن العامة. إضافة إلى ذلك فإن القانون يجرّم كذلك النشاطات المثليّة التي لم تكن غير قانونية في السابق في إندونيسيا.
ويصرّ بالكان كابلال، رئيس اللجنة التي قامت بصياغة القانون، أن هذا القانون سوف يحمي أخلاق الإندونيسيين ويحمي النساء والأطفال من الاستغلال الجنسي. ولكن من خلال إلقاء اللوم على «سبب» الإثارة الجنسية، يقوم هذا القانون باستهداف المرأة كضحية بدلا من حمايتها، الأمر الذي يسمح لمرتكبي العمل بالقول، على سبيل المثال، بأن الضحية هي التي أثارت حالات الاغتصاب أو الإزعاج الجنسي.
وفي إندونيسيا، يصبح مشروع القانون قانونا بعد توقيعه من قبل الرئيس أو مرور ثلاثين يوما من تاريخ اعتماده من قبل البرلمان.
إلا أنه وبعد مرور ثلاثة أيام فقط من الموافقة على القانون، تم اعتقال ثلاثة راقصات في مانغابيسار غربي جاكرتا، بينما لم يعتقل أصحاب النادي الليلي ومدرائه. الواقع أن الشرطة اعتقلت هؤلاء النساء بناء على مادة من مسودة سابقة لهذا القانون.
لسوء الحظ ليس استهداف الضحايا والتصوير النمطي السلبي للمرأة فيما يتعلق بالجنس جديد في إندونيسيا.
جرى التركيز، تحت حكومة «النظام الجديد» لسوهارتو، والتي سيطر عليها العسكريون وتميزت بمجتمع مدني ضعيف، على طهارة المرأة، والتأكيد على أهمية دورها كزوجة مخلصة وأم جيدة. إلا أنه بعد استقالة سوهارتو عام 1998، استغل الإندونيسيون حرياتهم الجديدة للتعبير عن آرائهم وتوجيه الانتقاد للسلطة.
اكتسبت العديد من الكاتبات الإندونيسيات، أمثال أيو يوتامي وديوي ليستاري وكلارا إنغ ودجينار ميسا آيو وهيرليناتينز، شعبية وقمن بكتابة أدوار جديدة للنساء، وخاصة عندما يعود الأمر إلى الأمور الجنسية. وبالمثل، اشتهرت مخرجات أفلام مثل ميرا ليسمانا ونيا ديناتا وسيكار أيوا أسمارا بشكل واسع في صناعة الأفلام الإندونيسية لقيامهن بإظهار نساء إندونيسيات لهن نواحٍ متعددة ومعقدات. وقد عبرت العديدات منهن في أعمالهن عن انتقادات ضد المعوقات الجنسية التي تفرض على المرأة في إندونيسيا. وإذا ما تمت الموافقة على مشروع القانون المضاد للإباحية، فقد يتأثر عمل هؤلاء النساء، حيث أن القانون الجديد قد يعتبر كتبهن إباحية.
ومنذ مطلع العام 2006 احتجت العديد من المجموعات النسائية مثل منبر المرأة وسفينة المرأة وتحالف الوردة البيضاء ضد مشروع القانون الذي بقي معلقا لعدة سنوات. تجمع في الثاني والعشرين من أبريل/ نيسان 2006 آلاف الفنانين والناشطين والطلبة والمدنيين عند نصب موناس في جاكرتا وهم يحملون ملصقات ضخمة كتب عليها: «إندونيسيا ليست أميركا؛ ولكنها ليست السعودية كذلك. نحن نرفض مشروع قانون الإباحية»، وأيضا «نحن نرفض الإباحية، ولكننا نرفض كذلك مشروع القانون المضاد للإباحية».
وقد كتبت أيوا يوتامي مؤخرا مسرحية عنوانها «محاكمة سوسيلا» تظهر كيف يمكن لمشروع القانون أن ينتهك حقوق المرأة. بعد أسبوع من الموافقة على مشروع القانون في البرلمان، قامت ممثلة معروفة جيدا هي بيوتيت كارتاريجاسا بتمثيل العمل في مسرح سيدانغ سوسيلا غاندريك في جاكرتا للاحتجاج على القانون الجديد.
ورغم الانطباع السائد بأن مشروع القانون هذا يدعمه كل المسلمين والمنظمات الإسلامية مثل شبكة الإسلام الليبرالية في جاكرتا بشكل واسع، إلا أن مؤسسة الدراسات الإسلامية والاجتماعية في يوغياكارتا ومعهد الدراسات الدينية والاجتماعية في سورابايا أعربوا عن معارضتهم الشديدة لمشروع القانون. وهم يدعون أن مشروع القانون سوف يحدد حرية التعبير في الفنون، بما فيها الأفلام والأدب، وأنه يجري استخدام الإسلام بشكل غير دقيق من قبل مجموعات معينة لتبرير الموافقة على مشروع القانون. وقد أوجدت هذه المجموعات مدّونات تبرز مقالات تنتقد مشروع القانون وقاموا بتنظيم مظاهرات ومؤتمرات صحفية.
كذلك عارضت مجموعات الأقليات غير المسلمة، وخاصة في بابوا الغربية وبالي ونوسا تنغارا الشرقية وشمال سومطرة هذا القانون بشراسة لأنهم يدّعون أن عاداتهم وتقاليدهم المحلية سوف تتهدد بسبب هذا القانون. ففي بابوا الغربية على سبيل أمثال يتجول الرجال والنساء بصدور عارية. وفي بالي تنتشر التماثيل العارية، ويسود القلق بين سكان بالي من أن يؤثر القانون الجديد سلبيا على صناعة السياحة، حيث أن العديد من السواح الأجانب قد لا يعودوا يستطيعون أن يلبسوا ملابس الاستحمام في البحر أو ملابس الشاطئ أو حتى الثياب القصيرة على الشواطئ. وقد وصل الأمر مؤخرا أن هدد المسئولون الحكوميون في هذه المناطق بالانفصال عن جمهورية إندونيسيا احتجاجا.
وفي حال قيام رئيس إندونيسيا بالتوقيع على مشروع القانون ليصبح قانونا فقد تحصل الحكومة على شعبية أكبر بين المحافظين. ولكنها في الوقت نفسه سوف تُغضب مجموعات الأقليات الدينية إضافة إلى النساء، الأمر الذي يقسم قاعدتها المساندة فتبرز احتمالات تهديد وحدة الأمة.
وحتى يتسنى تحقيق هذه الأرضية المشتركة بين المجموعات المختلفة يجب مراجعة القانون بشكل كامل. يجب تحديد تعبير «الإباحية» بشكل أدقّ وتشجيع الاحترام للمجموعات النسائية بشكل ضمني أو واضح. كما سيساعد بالتأكيد وجود حوار وطني مع مجموعات الأقليات، وكذلك مع أتباع الحركة النسائية لتعريف ماهية الإباحية بالضبط. يجب أن تشكّل قضية خضوع المرأة في الإباحية التركيز الرئيسي لمشروع القانون.
* باحثة ومعلمة في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن ومؤلفة موسيقية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2284 - السبت 06 ديسمبر 2008م الموافق 07 ذي الحجة 1429هـ