تتعرّض المناطق والبيئات الساحلية والبحرية في منطقة الخليج العربي للكثير من الضغوط والتهديدات. ومن أهم هذه الضغوط التنمية الساحلية السريعة للمدن السكنية والمنتجعات والمشروعات السياحية وردم واستصلاح الأراضي الساحلية، بالإضافة إلى التلوث النفطي والكيميائي وغزو الأجناس الغريبة والصيد الجائر للثروة السمكية.
ولقد أدّى سحب الرمال من قاع البحر لاستخدامها في ردم السواحل لبناء المجمعات السكنية والسياحية والبنية التحتية إلى تغيرات واسعة للبيئة الساحلية الطبيعية في الخليج العربي وتغييرات كبيرة في البيئة القاعية البحرية وموائل ومراعي الأسماك والأحياء التي تعيش فيها. وتشير الدّراسات إلى أنّ بعض دول المجلس قد قامت بتغيير أكثر من 40 في المئة من الشريط الساحلي فيها. ففي البحرين زادت المساحة الأرضية بأكثر من 40 كيلومترا مربعا في أقل من 20 عاما من خلال ردم المناطق الساحلية الطبيعية، وفي إمارة دبي في الإمارات العربية المتحدة تم استخدام أكثر من 100 مليون متر مكعب من الصخور والرمال في مشروع جزر النخيل لزيادة طول الساحل بحوالي 120 كيلومترا، وفي المملكة العربية السعودية تم سحب أكثر من 200 مليون متر مكعب من الرمال البحرية لإنشاء مدينة الجبيل الصناعية.
وتمثل التصريفات الصناعية والزراعية ومصانع الأغذية المنتشرة على سواحل الخليج العربي بالإضافة إلى تصريفات محطات معالجة مياه الصرف الصحي للمياه العادمة أو المعالجة جزئيا مباشرة على البيئة الساحلية والبحرية المصادر الرئيسة للتلوث العضوي والبيولوجي، ولقد نتج عن هذه التصريفات الكثير من حالات نفوق الأسماك في أكثر من دولة من دول المجلس في العقد الماضي، والتي أدّت إلى خسائر اقتصادية جسيمة لصناعة صيد الأسماك والصيادين المحليين.
ومن جهة أخرى تمثل محطات التحلية، التي تعتمد عليها دول المجلس بشكل رئيسي في تلبية المتطلبات المائية للسكّان المتزايدة، أحد مصادر التلوث المقلقة للبيئة البحرية والساحلية. وتدل الدّراسات المتوافرة في منطقة الخليج العربي - على رغم قلتها في هذا المجال - على وجود تأثيرات سلبية كثيرة وكبيرة لهذه المحطات في المناطق المحيطة بها، فبالإضافة إلى تلوث الهواء بسبب انبعاث مختلف أنواع الأكاسيد من مداخن محطات التحلية، وخصوصا تلك المحطات التي تستخدم النفط بدلا من الغاز الطبيعي، تؤدي هذه المحطات إلى أضرار جسيمة للبيئة البحرية بسبب صرف المحلول الملحي المركز والحار المتخلف عن عملية التحلية، ومخلفات المواد الكيماوية المستخدمة في معالجة المياه والآثار المتبقية من العناصر التي تكون قد التقطتها وهي داخل وحدة التحلية، ما يؤدي إلى تغيرات كيماوية وطبيعية وبيولوجية في البيئة البحرية المحيطة. وبحسب المعطيات الحالية من معدلات نمو السكّان والتنمية الحضرية، فإنه من المتوقع أنْ يتعاظم معدل الزيادة في السعة الإنتاجية لمحطات التحلية في دول مجلس التعاون بمعدلات تفوق المعدلات السابقة التي تمت ملاحظتها في الفترة الماضية، ومن المتوقع كذلك أن تزداد تأثيراتها السلبية على البيئة البحرية في المناطق المحيطة بمحطات التحلية، ما يتطلب استخدام التقنيات الضرورية لتخفيض هذه التأثيرات.
ويمثل التلوث الكيميائي والانسكابات النفطية المصاحبة لعمليات النفط أحد مصادر التلوث المستمرة في الخليج العربي، حيث يقع على سواحل الخليج العربي أكثر من 15 مجمعا للبتروكيماويات ومصنع لتكرير النفط، وتمخر عباب الخليج العربي أكثر من 250 ألف ناقلة نفط سنويا، تمثل حوالي 60 في المئة من إجمالي النفط المصدّر العالمي. ولقد تم تقدير كميات النفط التي يتم تصريفها سنويا في مياه الخليج العربي مع عمليات إفراغ مياه توازن هذه الناقلات بحوالي 272 ألف طن من النفط! هذا بالإضافة إلى المخلفات الأخرى الصلبة والسائلة التي تصرفها هذه الناقلات في الخليج العربي.
ويضاف إلى هذه الشوائب النفطية التي تفرغ مع مياه توازن ناقلات النفط إدخال الأجناس الغريبة المنقولة مع هذه المياه من البحار والمحيطات الأخرى، والتي تمثل تهديدا إضافيا للبيئة البحرية في منطقة الخليج العربي وتنوعها الحيوي، وتؤثر سلبا على الثروة السمكية وصناعة صيد الأسماك في دول المجلس، التي تعاني أصلا من تهديدات تدمير البيئات والتلوث المذكورة أعلاه، بالإضافة إلى الصيد الجائر وغير المنظم للأسماك الذي يهدد المخزون السمكي في الخليج العربي.
وفي مواجهة كلّ هذه الضغوط على البيئة الساحلية والبحرية في الخليج العربي قامت دول المجلس مؤخرا باستخدام الكثير من الأدوات لتقليل التأثيرات السلبية الناتجة عن الأنشطة البشرية على هذه البيئات، يذكر منها اشتراط القيام بدراسات تقييم الأثر البيئي للمشروعات المقترح إنشاؤها في المناطق الساحلية والبحرية، واعتماد بعض الدول لخطط الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية. كما قامت الكثير من الدول بإنشاء المحميات البحرية للمحافظة على الثروة البحرية والمخزون السمكي، والتوقيع على الكثير من الاتفاقيات الإقليمية والدولية المتعلقة بالبيئة الساحلية والبحرية.
ولقد ساهم إنشاء «المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية» ROPME، وتضم الدول المتشاطئة في الخليج العربي (دول مجلس التعاون والعراق وإيران)، وتهدف إلى التنسيق بين الدول الأعضاء في مجالات حماية البيئة البحرية وتخفيض تلوث مياه البحر، في اتخاذ الكثير من إجراءات المحافظة والبرامج الإقليمية في العقدين الماضيين، وبذلت الكثير من الجهود لزيادة الكفاءة في العمليات النفطية، ما أدّى إلى انخفاض كبير في الانسكابات النفطية في الفترة الأخيرة. كما قامت دول المجلس بدراسات مشتركة للحفاظ على البيئة البحرية وأحيائها، مثل دراسة المسح الإقليمية لبقر البحر المهدد بالانقراض بين المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة، والموافقة على إنشاء مركز إقليمي للمعلومات البيئية في سلطنة عمان لتجميع المعلومات عن نباتات القرم (الشورى).
وفي العام الماضي (2007) تم إعلان الخليج العربي كمنطقة بحرية خاصة Special Sea Area بناء على «معاهدة منع التلوث من السفن» MARPOL، وأعطيت مهلة عام للدول الأعضاء للالتزام بهذا الإعلان، وسيتطلب ذلك إنشاء مرافق استقبال لناقلات النفط وتخفيض التلوث الناتج عن عمليات تصدير النفط والمخلفات التي تنتج من السفن بشكل عام، والذي من المتوقع أن يقلل من التهديدات التي تواجه البيئة البحرية في منطقة الخليج العربي. أمّا بالنسبة للمحافظة على الثروة السمكية، فمازالت الحاجة قائمة لإنشاء محميات بحرية إقليمية مشتركة بين الدول للمحافظة على أهم نظم البيئات البحرية وأنواعها المختلفة، وخصوصا تلك التي يعتمد عليها المخزون السمكي في الخليج العربي لضمان استدامته ولضمان الأمن الغذائي لدول المجلس.
يستكمل المقال القادم استعراض المشكلات البيئية الأخرى التي تواجه دول المجلس (تحديات إدارة البيئة الحضرية، وتأثيرات النزاعات والحروب على الإنسان والبيئة في دول المجلس).
@ كاتب المقال هو المؤلف الرئيسي للجزء الخاص بدول مجلس التعاون والمشرق العربي (منطقة غرب آسيا) في تقرير جيو
إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"العدد 1969 - السبت 26 يناير 2008م الموافق 17 محرم 1429هـ
ما هي أهم المشكلات البيئية التي تواجه سلطنة عمان وتؤثر في التعليم ؟
أغلب معلومات المقال مأخوذة من دراسة:
ر. ابحاث اقدم / هيفاء نجيب مهودر
مركز دراسات البصرة والخليح العربي/جامعة البصرة
وللأسف تم نسبها إلي الكاتب :(