«العالم تمت غوغلته»، في إشارة إلى محرك البحث عن المعلومات «غوغل»على الإنترنت، وكانت هذه كلمات رئيس منتدى دافوس كلاوس شواب عندما زار البحرين قبل عامين... وبالفعل فنحن الآن انتقلنا إلى عالم «مغوغل»، فمصطلح الغوغلة Googlization كان في بداية الأمر يشير إلى أن العقل البشري يحتاج إلى خزان من المعلومات المتوافر له في أي وقت وفي أي مكان. ولكن خزان المعلومات المتوافر حاليا يذكرنا بما جرى وما يجري فيما حولنا وعن أي موضوع نهتم به.

ولعل الغوغلة كانت قد شهدت أوج قوتها في بريطانيا في مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي. ففي 3 ديسمبر 2007 سلم شخص بريطاني اسمه «جون داروين» نفسه إلى الشرطة مدعيا أنه كان قد أصيب بمرض النسيان ولا يعرف من هو... الشرطة كانت قد سجلت هذا الشخص ميتا بعد أن اختفى من أحد السواحل البريطانية قبل أكثر من خمس سنوات، عندما كان في رحلة تجديف بحري، وافترضت السلطات أنه قد لقي مصرعه غرقا، وقامت زوجته، واسمها «آن»، بتسلم أموال التأمين. غير أن الشرطة شكت في الأمر لأن زوجته كانت قد باعت منزلين لهما وانتقلت بكامل أموالها إلى «بناما» قبل فترة وجيزة من تسليم زوجها نفسه إلى مركز شرطة مدعيا أنه كان مصابا بمرض النسيان منذ مطلع 2002.

اللغز حلته ربة بيت كانت تستمع إلى الأخبار، بينما كانت على جهاز الكمبيوتر، فقامت ربة البيت بالدخول على موقع «غوغل» وذهبت إلى البحث عن الصور وكتبت في مكان البحث «John, Anne, Panama»، وفي أقل من ثانية ظهرت صورة الرجل الذي ادعى أنه مريض بالنسيان واقفا مع زوجته في «بناما» مع وكيل عقارات بعد شراء سكن لهما هناك، والصورة تحمل تاريخ يوليو/ تموز 2006... اتصلت ربة البيت بإحدى الصحف، وفي اليوم التالي طبعت الصحيفة الصورة من «غوغل»، وذهب الصحافيون إلى زوجته في «بناما» وعرضوا عليها الصورة، فصمتت طويلا، ثم انهارت واعترفت بقصة أقرب الى الخيال، ومن المتوقع أن تنتج كفيلم سينمائي في المستقبل القريب. فالزوج لم يمت، وهي كانت تعلم بذلك، وقام بتغيير اسمه وأطال لحيته، وبنى له شقة معزولة في منزله في بريطانيا، بمدخل خفي، وعاش مع زوجته طوال السنوات الماضية من دون علم ابنيه، وكان يسافر إلى كل مكان، وكانت له أيضا علاقة غرامية بسيدة أميركية وذهب إليها واشترى مزرعة هناك ومن ثم قرر الانتقال إلى بناما مع زوجته البريطانية... ولكنه وبعد أن استقر بهما الأمر حدث أمر مفاجئ (لا يعرفه أحد) وعاد إلى بريطانيا وسلم نفسه إلى مركز الشرطة. وبينما كانت الشرطة البريطانية بمخابراتها حائرين، قامت ربة بيت باستخدام «غوغل» والكشف عن كل شيء (الزوجان في السجن الآن في بريطانيا).

إننا بالفعل نعيش في عالم «مغوغل»، والغريب أن البعض مازال يعيش في الماضي ويحاول أن يسير الأمور من خلال منع تدفق المعلومات... وفي البحرين تقول مؤشرات الشفافية إننا نتراجع، والمعلومات الرسمية شحيحة وغير صحيحة. والبحرين التي كانت أفضل إدارة شفافة في الخليج في خمسينيات القرن الماضي، أصبحت الآن تعيش تحت ستار حديد مفروض على المعلومات... وحتى البرلمان ممنوعة عليه معرفة معلومات عادية جدا. على أن ما يغيب عن الذين يمنعون تدفق المعلومات هو أن العالم قد «تغوغل»، والناس تعرف كل شيء تقريبا وما خفي عنها قليل جدا... والمشكلة هي أن هذا البعض مازال يدعي أن البحرين هي الأولى في المجتمع المعلوماتي، وربما يكون هذا صحيحا على المستوى الشعبي، أما على المستوى الرسمي فنحن كنا الأول قبل خمسين سنة