يمكننا أن نعتبر الندوة الحوارية التي تقيمها جمعية المنتدى غدا بشأن موضوع «إقامة هيئة مستقلة للثقافة والتراث بين مؤيد ومعارض» الندوة «الأكثر جدلا» في تاريخ فعاليات الجمعية، التي دأبت منذ تأسيسها على إثارة موضوعات سياسية وثقافية متميزة و «هادئة الطبع».
«المنتدى» طرحت هذه المرة موضوعا «ساخنا» جدا، توالت تداعياته حتى قبل أن تقام الندوة نفسها. عدد كبير من المسارح الأهلية أعلن مقاطعته الندوة الحوارية باعتبار ممثلة لوجهة نظر «غير محايدة»، وتحمل في طياتها ترويجا لمقترح مشروع أحد أعضاء مجلس الشورى الذي يعتبر من مؤسسي هذه الجمعية «التي تمثل النخبة». الجمعية نفسها أعلنت على لسان أمينها العام إبراهيم علي إصرارها على إقامة فعالياتها على رغم كل اللغط الذي أثير، وترحيبها بكل المؤيدين والمعارضين من أجل إثراء الحوار والنقاش بهذا الشأن. ولعل طرح الجمعية في هذا الشأن عقلاني فعلا. فحتى لو حملت الندوة أجندة «معينة»، فما الضير في مشاركة المعارضين لهذه «الأجندة» في هذه الندوة لطرح وجهات نظرهم مهما كانت قوة معارضتها، على الأقل لإيصالها إلى أصحاب هذه «الأجندة» أو المروّجين لها.
الأزمة في تصاعد كبير على أكثر من صعيد أيضا على خلفية الخلاف الذي بات واضحا جدا بين وزير الإعلام جهاد بوكمال، والوكيل المساعد للثقافة والتراث الوطني الشيخة مي آل خليفة. وهي أزمة ليست بالجديدة، إذ لا تنفك تهدأ حتى تعود للاشتعال مجددا. فالشيخة مي - التي جمدت في عهد وزير الإعلام السابق نبيل الحمر ثم عادت لنشاطها مجددا في عهد الوزير السابق محمد عبدالغفار - أعلنت في أكثر من مناسبة وبكل «جرأة وتحدٍّ» ضرورة انفصال قطاعها عن وزارة الإعلام، بل بدأت فعلا تتصرف باستقلالية تامة. فمراسلاتها الرسمية ترسل باسم القطاع. ولعل الأزمة الأخيرة التي أثيرت بعد اجتماعها مع مجلس النواب «من دون علم الوزير» دليل على ذلك، إذ صرح الوزير لاحقا بما يعبّر عن «ضيقه» من هذا التصرف.
بوكمال رفع قرارا إلى مجلس الوزراء نهاية العام الماضي؛ لتغيير الشيخة مي من منصبها، وتعيين الشيخ راشد بن عبدالرحمن آل خليفة مكانها، غير أن هذا القرار لم يحصل على أي رد إيجابي أو سلبي من مجلس الوزراء بعدُ.
بين مؤيدي انفصال القطاع عن وزارة الإعلام ومعارضيه، تبقى وزارة الإعلام تعاني مشكلات لا حصر لها. ففصل القطاع لابد أن يعيد فكرة تفكيك الوزارة إلى هيئات ومؤسسات منفصلة، وهو المقترح الذي يدعمه كثيرون؛ نظرا إلى ما يتيحه من فرصة أمام تلك المؤسسات (التلفزيون، الإذاعة، وكالة أنباء البحرين) من عمل مستقل وخلاق، ناهيك عن تخصص لإدارة المطبوعات، إدارة السياحة وغيرهما من الإدارات الكثيرة جدا التي أنهكت الوزير السابق بمسئولياتها، ولا شك في أنها ستفعل ذلك بالوزير الجديد.
على رغم كل ذلك، فقرار التفكيك والانفصال غير قائم ولم يطبق بعدُ، ومازالت كل هذه القطاعات بما فيها قطاع الثقافة والتراث ضمن مسئوليات الوزير الجديد، ولايزال هو المسائل قانونا عن كل ما يجري فيها. ولذلك يمكننا أن نتفهم وضع الوزير المحرِج في هذا الخصوص.
الجدل بخصوص قطاع الثقافة سيستمر طويلا. وربما تساهم ندوة المنتدى في إشعاله، غير أن ذلك «الاشتعال» ضروري جدا؛ لأنه يضع «الاشتعال الباطني» للموضوع على الطاولة للنقاش والحوار.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1968 - الجمعة 25 يناير 2008م الموافق 16 محرم 1429هـ