نشعر بالانزعاج حقا حينما نسمع بأن هناك اصطفافات طائفية لمواجهة ملفات تواجة قضايا حقيقية خطيرة على الساحة، تنبعث منها رائحة الطائفية البغيضة، ونشعر بالانزعاج أكثر وأكثر حينما يبرر اصطفاف وتكتل طائفي كريه كنوع من السد المنيع يقف أمام التحركات والوقفات الوطنية بحجة بأن الملف المراد فتحه طائفي، الاصطفاف بحد ذاته محاولة بائسة يائسة وتعبر عن عجز وجبن وغباء سياسي وجهل وأنانية، والمشهد يعبر عن عبودية لا يزال النواب يعيشونها، وسجون لا يزالون يسكنونها وحالة من التخبط والضياع، لكونهم لا يعرفون إلى الآن ما لهم وما عليهم من مسئوليات وواجبات وطنية تجاه من انتخبوهم ومن يمثلونهم.
حالهم هذا لم يفت الحكومة وقد استفادت منه خير استفادة وسخرته لأغراضها ومصالحها، حتى لا يكون المجلس القوي قبال حكومة ضعيفة.
فإذا كان هذا لسان حال الكتل المصطفة ضد ملف التمييز الوظيفي، وكان ذلك تبريرهم غير المنطقي يقودهم إلى هذا التحرك اللامسئول فكيف لنا أن نواجه ما هو أسوأ وأصعب من هذا الملف وكيف لنا أن نتصدى إلى رؤوس الفساد وإلى المفسدين وإلى أبطال التمييز الطائفي وإلى المتنفيذين الذين لا يزالون يعيثون في ارض فسادا، ولا يزالون يعيشون على جبن بعض الكتل النيابية التي شلت يداها، ولا تستطيع أن تباشر أدوارها الحقيقية للتشريع لكونها تحرك من فوق وكأنها قطع شطرنج في يد لاعب محترف في العمل السياسي ويحاول أن يحمي مصالحه الخاصة.
مستغلا في ذلك الغباء السياسي الذي يتمتع به البعض، اصطفاف الكتل النيابية ضد الملف التي تثيره الوفاق حاليا في المجلس النيابي والذي يهدف إلى تشكيل لجنة لتقصي التمييز الوظيفي في وزارات الدولة لهو أكبر دليل على وجود التمييز الوظيفي لصالح البعض وضد مصالح طائفة بأكملها، لا نحتاج إلى دليل أكبر من هذا الدليل العملي، ووقوفهم واصطفافهم هذا إدانة بحد ذاتها على مواقفهم المشكوك فيها، كان حريا بالكتل المصطفة ضد هذا الملف أن تستجمع كل جرأتها وكل قوتها وتطرح الملف بنفسها، لتؤكد من خلال طرحها على رفضها السافر للتمييز الطائفي الحاصل في بعض الوزارات لا أن تقف ضد الملف.
ماذا سيبرر هؤلاء لقواعدهم؟، هل سيقولون بأننا سنخسر الكثير من الامتيازات التي ربما نقدمها لكم على طبق من ذهب ومن فضة في أكثر الأحيان، مقابل السكوت على دعم بعض الملفات الحساسة التي تثير وتزعج الحكومة والسلطة؟ هل أن وقوفهم مع كتلة الوفاق في هذا الملف تحديدا تكون الحكومة قد خسرت خسارة فادحة، وبالتالي لا فائدة مرجوة من صمام الأمان التي تعول عليه كثيرا؟ لماذا لا تحاول الكتل الموالية جاهدة أن تهدد مصالح الحكومة ولو مرة واحدة على الأقل كنوع من الضغط السياسي تمارسه ضد الحكومة بغرض تحقيق نوع من التعاون الذي لم يتواجد بعد، وكثيرا ما نسمع شكواهم المستمر بعدم تعاون السلطة مع مشاريعهم؟
أم أنهم لا يعرفون من العمل النيابي سوى المسايرة ولا شيء سوى المسايرة، ألا يستحي مثل هؤلاء ويعيشون حالة من المعارضة لبعض أجندة الحكومة الفوقية يشعرون من خلالها بحريتهم وأن القيادة معهم، أم أنهم فقدوا الاحساس بالحرية ومكوناتها.
غريب أمرهم الحكومة أستطاعت أن تؤخذ منهم كل ما تريد، وهم لا يزالون في يدها تتحكم فيهم كيفما تشاء وتحب وهم مكانك سر، لا يزالون ينتظرون الأوامر والتعليمات والتوجيهات، وقد أختارهم الناس ممثلين لهم، والحكومة اختارتهم ممثلين لها ولأجندتها الخاصة.
أتصور بأنه إذا بقى الحال على ما هو عليه من تجاذبات واحتقانات سياسية بين الكتل وبعضها بعضا وبين الحكومة التي لا تراهن أبدا على التعاون والمرونة المعقولة، سيصل المجلس النيابي إلى طريق مسدود، فقد كفر الشارع من التجربة النيابية ولا يزالون يرددون بأنه ليس البرلمان الذي أرادوه، وعلى الحكومة أن تقدم العديد من التنازلات في العديد من الملفات وإلا عليها أن تستعد من الآن لأنتخابات نيابية أخرى، بتركيبة نيابية مختلفة كل الأختلاف عما هو عليه الآن، أو أن تعمل جاهدة من الآن على توفير نوع من التعاون المثمر، والكف عن تدخلاتها في برامج الكتل.
وعلى الكتل أن تجلس مع نفسها وأن تتدارس أوضاعها وخططها وبرامجها والمشاريع التي تهم الشارع، أن تدرس كل ذلك بصورة موضوعية، وأن تخطط للمستقبل بسياسيات وبعقلية تختلف عما عليه اليوم، بعيدا عن الاصطفافات الطائفية التي تجرنا إلى الهاوية، لا نحتاج إلى مجاملات ولا إلى معاملات تتلون بألوان قوس قزح، بل علينا أن نحسب الخطوات بحساب دقيق، فالشارع لا يزال يترقب وينتظر الكثير، وأمامه الكثير من الوقت في انتظار تحلل ملفات عالقة وقائمة منذ زمن، لا نحتاج إلى تمترس أو إصطفافات موالية للحكومة ومعادية للشعب، نحتاج إلى إعادة معادلة سياسية توزان الكثير من الأمور، لا تكون كفتها الراجحة الحكومة على حساب المصالح الشعبية، إذا أردنا فعلا للمشروع الإصلاحي أن يؤتي أكله.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1968 - الجمعة 25 يناير 2008م الموافق 16 محرم 1429هـ