العدد 1966 - الأربعاء 23 يناير 2008م الموافق 14 محرم 1429هـ

مقاهي بولفار

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

رغم أنني أكره نيكولا ساركوزي كَكُره الشُرب من ثلمة الإناء، فإنني أصْغَيتُ له عندما شنّ هجوما حادا على المُنَظّرين لحقوق الإنسان بمقاهي بولفار سان جيرمان في الحي اللاتيني، من دون استحضار منهم لأنجريد بيتانكور التي تحتجزها قوات الفارك في بوليفيا منذ خمس سنوات، حينها قال ساركوزي ذلك في غمزة واضحة للفيلسوف الفرنسي هنري برنارد ليفي الذي وجّه انتقادات حادة للحكومة الفرنسية بسبب استقبالها للعقيد معمّر القذافي. وربما تَمْتَمَت هذه الكلمات بين أُذُنَي وأنا أستحضر عهدا في الشرق وآخر في الغرب كان بطلاه مُثَقَّفَيْن، قادتهم الأقدار إلى كُرسي الزعامة، وعلى رغم الفارق والتفارق بينهما في حيثية استعمال المال والسلطان والثقافة والبرهان؛ إلاّ أن الأهم من بين كل ذلك هو استمراء السياسيين في أن يُمسك بتلابيب السياسة الفلاسفة أو المُتمشيخيين، كما أمسكها قبلا فلاسفة اليمين السياسي مثل ميكيافيللي وهوكو كرويتوس وأدموند بوركي أو فلاسفة النازية كالفريد روزنبرغ أو حتى مثقفي اليسار كماركس ولينين والفوضوية كميخائيل باكونين وغرامشي.

في الفترة التي أعقبت فوز السيد محمد خاتمي رئيسا للجمهورية الإسلامية الإيرانية بدا وكأن الرجل لا يستهويه شيء في السياسة سوى أن يرى ما كان يخطّه يراعه في بطون الكتب والأسفار من نظريات تُسَاق غصبا إلى ميدان السياسة المتين، وكم كان خاتمي حالما بأفكاره الفلسفية المُسْتَلَّة من ألبيم موج ومدينة السياسة ومن مطالعات الدين والإسلام والعصر ومن بقية كتبه التي دوّنها منذ استقالته من حكومة الإعمار الأولى برئاسة الشيخ هاشمي رفسنجاني في الرابع والعشرين من مايو/ أيار من العام 1992 عندما كان وزيرا للثقافة والإرشاد الإسلامي، لذلك فمن لاحظ جيدا الحُقبة التي تسيّد فيها خاتمي رئيسا في القصر الجمهوري الواقع بشارع فلسطين في العاصمة طهران سيرى حجم الخلط الذي وقع فيه الرجل ما بين الإمساك بثيمات الثقافة ولَسَعَات السياسة، فصار أشبه بالحائر ما بين الظُّلْمِ والظَّلَم، وبقيت دُفوع الثقافة هي رافعته في الخطاب وفي الإجراء، وكأنه بُعِثَ لقومِ لا يحتاجون إلى من يَسُوسَهُم بقدر حاجتهم إلى من يُبصّرهم على دين جديد، وقد أوقع ذلك خاتمي وحكومته في مأزق شديد عندما بدأت حِمى الملفات تظهر، ففي الداخل كانت أحزاب اليمين المحافظ ومشكلات الاقتصاد والتضخم والبطالة، وفي الخارج كانت قضايا إيران المُزمنة مع الولايات المتحدة الأميركية وبعض أطراف المجتمع الدولي ومشكلة انخفاض سعر النفط إلى أقل من ستة دولارات، الأمر الذي أصاب الخطة التنموية الثالثة في مقتل، ولم يعد أمام الرئيس خاتمي حينها من خيار سوى التخفّف من هوس الثقافة لصالح السياسة، لكنه مع الأسف لم يفعل، ولولا وجود مراكز القوى الأخرى داخل النظام والتي تَحُول دون تموضع القوة في زوايا مُحدّدة لكان الوضع سيئا بلا إشكال. الجميع يتذكر أنه وفي حواضر السياسة ظهر هناك من رجال الدولة من هم فلاسفة ومفكرون وشعراء لكنهم حيّدوا نظرياتهم وأفكارهم وشِعْرهم عندما تصطك الأسِنَّة، ولم يُعرَف عن دومنيك دوفيلبان رئيس الوزراء الفرنسي السابق في حكومة الرئيس شيراك أنه أرسى وزارته على سُرْيَة الثقافة على رغم أنه كان مفكرا وشاعرا وناقدا أدبيا (صدرت له ثلاثة دواوين شعر) ولم نسمع عن الرئيس السنغالي السابق ليوبولد سينغور أنّه تَمَيْسَم بشعره على دهاليز السياسة.

إنني أكتب هذا الكلام وأنا أترقّب المشهد الإيراني بين مارس/ آذار 2008 ومايو 2009 حيث انتخابات التشريع والرئاسة، ولا أعلم أين سيتّجه الناخب الإيراني ببوصلة السياسة الإيرانية هذه المرة، وهل يُعيد ترف المُثَقّفين إلى الواجهة كما حصل في العام 1997 أم يكتفي بما يُقدمه إليه أحمدي نجاد أو اليمين التقليدي.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1966 - الأربعاء 23 يناير 2008م الموافق 14 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً