بينما يسافر الرئيس بوش عبر الشرق الأوسط، يسود الافتراض بأن الدول العربية تركز بالدرجة الأولى على التهديد الإيراني المتصاعد، وبأن حضور هذه الدول مؤتمر أنابوليس مع «إسرائيل» في نوفمبر/ تشرين الثاني كان هو الحافز وراء هذا التهديد.
قد يشكل هذا الافتراض، الذي انعكس في خطاب الرئيس في دولة الإمارات العربية المتحدة يوم أمس، خطأ فادحا. تعلق «إسرائيل» وإدارة الرئيس بوش أهمية كبرى على مجابهة احتمالات حصول إيران على قدرة نووية، وهما مستعدتان للمشاركة في عملية سلمية بهدف بناء تحالف ضد إيران بشكل جزئي. ولكن العرب يرون الأمر من منظور مختلف، فهم يستخدمون قضية إيران لاجتذاب «إسرائيل» والولايات المتحدة إلى عملية صنع سلام فلسطينية إسرائيلية جادة بعد أن استنتجوا أن التهديدات الإيرانية الظاهرة تنجح في واشنطن وتل أبيب بصورة أفضل من عملية السعي لتحقيق السلام نفسها. تعاني الكثير من الحكومات العربية بالطبع من القلق من إيران ودورها في العراق، ولكن ليس لنفس الأسباب كـ «إسرائيل» والولايات المتحدة. فـ «إسرائيل» ترى الاحتمالات النووية لإيران على أنها تهديد مباشر لأمنها، وترى دعمها لحزب الله وحماس على أنه تحدٍ عسكري. الدول العربية أقل قلقا من القوة العسكرية لحماس وحزب الله مما هي من الدعم من قبل جماهير هذه الدول للحركتين. وهي أقل قلقا من مواجهة عسكرية مع إيران مما هي فيما يتعلق بتأثير إيران المتزايد في العالم العربي. بمعنى آخر، ما تخشاه الدول العربية بحق هو التطرف والدعم العام الجماهيري، وكلاهما يقوضان شعبيتها واستقرارها. وهم يرون إيران، في هذا كله، كقوة ضارة ولكنها ليست السبب الأولي لمشاعر التطرف. بدلا من ذلك تؤمن معظم الدول العربية بأن التطرف مدفوع بالدرجة الأولى من غياب سلام عربي إسرائيلي.
لم ينجح هذا الجدل في واشنطن، فرفضه الكثيرون ولم يؤخذ على محمل الجد من قبل آخرين. فقضية إيران تجد آذانا صاغية واحتمالات أوسع داخل الطريق الدائري المحيط بالعاصمة الأميركية. في العام الفائت ألقى الملك عبدالله الثاني عاهل الأردن خطابا في جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي، لم يكن تركيزه فيها على إيران أو العراق، أو حتى على مئات الألوف من اللاجئين الذين تستضفيهم دولته الصغيرة بشكل مؤلم. كانت رسالته في حث الدبلوماسية الأميركية واضحة: «إن موئل الخلافات الإقليمية ومصدر الكراهية والإحباط المستشريين هو انعدام العدالة والسلام في فلسطين». لم يحظَ هذا الخطاب إلا بتغطية محدودة في صحافتنا. بالمقابل، عندما يبرز الملك التهديد الإيراني أمام ضيوفه الأميركيين ينصت الجميع له. لا يتوجب على المرء قبول وجهة النظر القائلة بأن فلسطين تفسّر كافة المشكلات الإقليمية حتى يتسنى له الاعتراف بالقلق الجوهري للملك. فهو إما يعني ما قاله بصدق، أو أنه يؤمن بأن القضية مركزية لشعبه لدرجة أنه استغل فرصة خطابه أمام الكونغرس لإرضاء شعبه. (ثلاثة أرباع الأردنيين وغيرهم من العرب يعتبرون فلسطين «القضية الأهم» أو «واحدة من أهم ثلاث قضايا» ضمن أولوياتهم وعلى مدى خمس سنوات متواصلة). يحتاج الرئيس بوش لأن يصغي. لقد زادت الحرب في العراق من التأثير السعودي في المنطقة، بينما أضعفت مشكلات أميركا في العراق ومواجهاتها مع إيران الموقف الأميركي. تحتاج أميركا اليوم المملكة السعودية أكثر مما تحتاج السعودية واشنطن. هناك بالطبع الكثير من المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة. ولكن الوجود الأميركي في الخليج العربي في نهاية المطاف، والذي يساعد على توفير الأمن للحكومات العربية، لا يمكن أن يستخدم كعتلة. فالقوات الأميركية موجودة هناك لحماية المصالح الأميركية وليس الحكومات المحلية، وأي تهديد بالانسحاب لا ينطوي على صدقية. وإذا أضفنا السلطة الاقتصادية المتنامية التي تأتي مع التدفق النقدي الكبير الناتج عن سعر برميل النفط الذي تجاوز المئة دولار، نرى أن المملكة العربية السعودية وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي نملك التأثير المحتمل الذي يرافق كونها من أكبر الدائنين للولايات المتحدة. وعلى رغم أن حكومات دول الخليج العربية تحتاج للمظلة العسكرية الأميركية لأجل أمنها إلا أن جماهيرها تنظر إلى الولايات المتحدة كتهديد أكبر بكثير من إيران. الاعتماد المتواصل لهذه الحكومات على أميركا التي ترفض جماهيرها سياستها الخارجية، والتي أظهر سجلّها في السنوات الأخيرة حالات فشل أكثر مما أظهر من النجاحات، يشكل تحديا لهذه الحكومات. مواجهة إيران لا تحل المعضلة التي يواجهونها. صنع السلام العربي الإسرائيلي يحل هذه المعضلة. يعرّف معظم العرب دبلوماسية السلام الأميركية الناجحة على أنها العامل الوحيد الأهم في تحسين منظورها للولايات المتحدة. عندما قرر السعوديون وغيرهم من ممثلي الدول العربية حضور مؤتمر أنابوليس كانوا يأملون أن يساعد ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت على إيصال نوع من التنازلات الظاهرة التي تمكّن الرئيس الفلسطيني محمود عباس وتحث الفلسطينيين على عدم دعم حماس. بدا الرئيس بوش متفائلا في القدس. ولكن ثقة العرب بالخطابات منخفضة، ولم يجرِ تحقيق فوائد ملموسة، وخصوصا إزالة الحواجز ونقاط التفتيش الإسرائيلية في الضفة الغربية وتجميد الاستيطان الإسرائيلي. تشاؤم العرب وشكوكهم المتزايدة حول احتمالات السلام هو أحد أسباب مراهنتهم على تخفيف حدة التوتر مع إيران. من المحتمل أن يحصل الرئيس بوش على موافقة مؤدبة من الزعماء العرب عند عرضه قضيته في مجابهة إيران. ولكن لا يخطئن أحد باعتبار ذلك اعتناقا للسياسة الأميركية. فما يريده العرب بالدرجة الأولى هو نجاح أميركا في التوسط في سلام فلسطيني إسرائيلي، وليس تجاهل نداءاتهم للسلام على أنها ورقة توت تغطي رغبة أعمق بمواجهة إيران.
* أستاذ في مركز أنور السادات للسلام والتنمية بجامعة ميرلاند، وزميل رئيس غير مقيم في مركز سابان بمعهد بروكنغز،
والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1966 - الأربعاء 23 يناير 2008م الموافق 14 محرم 1429هـ