في الحلقة السابقة تمت الإشارة إلى ثلاثة اتجاهات توجد في الوسط الإسلامي. وهي اتجاه «تطبيق الشريعة الإسلامية»، و اتجاه «الحاكمية والولاية»، واتجاه «التعددية». والاتجاه الأخير كان ومازال مجالا للبحث بين الإسلاميين؛ سعيا إلى تأصيله في مجال العمل الإسلامي.
ان السعي الحثيث لتأصيل الاتجاه التعددي في الوسط الإسلامي يتطلب جهودا فكرية متواصلة لكي تتعمق القناعات بشأن الموضوعات الرئيسية التي تواجه الإسلاميين أثناء ممارستهم دورهم في الحياة العامة. فلقد أصبح العالم يتكلم اليوم لغة تعتمد على قواسم فكرية مشتركة، تلك هي لغة الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية، هذه تتطلب القبول بالتعددية، وهي تعددية ليست غريبة على الاسلام الذي طرحها في «صحيفة المدينة» عندما دخل الرسول (ص) يثرب وأسس حكما وثقة في صحيفة تاريخية اعترفت بتعددية مجتمع يثرب حينذاك. لقد أصبح الخطاب التعددي في زماننا معيارا أساسيا لتحديد العلاقات والمعاملات بين التوجهات السياسية والقوى الاجتماعية داخل المجتمعات والدول ذاتها.
الإسلاميون ينبغي أن يكون لهم دورهم الريادي في هذا المجال. فهم الذين يحددون مسارهم بأنفسهم. وإذا تخلوا عن هذا الدور فإن هناك من سيطرح نفسه معلما فوقيا للإسلاميين. فهناك من يرى أن التناقضات والأزمات والتشتت والتبعية التي أصابت عالمنا الإسلامي أدت بالإسلاميين إلى مجموعات تحنّ إلى عصر ذهبي ماضٍ وسيلة للهرب من الحاضر البائس، وأن الاطروحات الإسلامية مازالت تتراوح بين «تنظير يبتعد عن الواقع»، أو «كلالة تخرجه من نطاق الفاعلية والقدرة على التطبيق»، أو «غوغائية ترمي به في مستنقع العنف بديلا عن الحوار»، وأن هذا كله دليل على نضوب الأفكار.
تقارب مدرسة القانون الطبيعي مع المدرسة الإسلامية
تتحدث مفاهيم الحرية التي عبر عنها فلاسفة الغرب عن وجود حقوق طبيعية مرتبطة بطبيعة الانسان، وأن هذه الحقوق غير قابلة للفصل عن طبيعة الانسان. هذه الحقوق الطبيعية هي الحرية، والمساواة والحق في السعي لحياة حرة كريمة، والحق في الملكية الخاصة. منظومة المفاهيم هذه تداولها الفلاسفة وأدخلوا عليها تطويرا هنا وهناك، ولكن بقي المنبع لهذه الفلسفة اصحاب مايسمى «مدرسة القانون الطبيعي». هؤلاء الفلاسفة آمنوا بوجود قانون طبيعي يسمو على كل شيء وأن الحقوق الطبيعية نابعة من هذا القانون. وتأسيسا على هذه الحقوق الطبيعية نتجت منظومة من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنموية والبيئية.
يقول المستشار السياسي السابق في الادارة الاميركية في عهد نيكسون، روبرت كراين الذي اشهر اسلامه في سبعينيات أو ثمانينيات القرن الماضي إن «مدرسة القانون الطبيعي التي اعطت الغرب (اووربا واميركا) حضارته، انما هي تأثير من المدرسة الاسلامية التي تؤمن بمبدأ الفطرة الانسانية، وهذه المدرسة سبقت الفلسفة الاوروبية بعدة قرون، قبل ان تصل اليها وتتطور على منظومة الحقوق الطبيعية للانسان». ويشير كراين الى أن الفكر الاسلامي الذي طرح مفهوم المقاصد والكليات نرى اثره في مفاهيم فلاسفة الغرب الذين مهدوا لنهوضه. فهؤلاء الفلاسفة مثلا طرحوا مفاهيم اساسية عن «النظام والعدالة والحرية» ورأوا ان هذه العوامل مترابطة ولا يمكن فصلها عن بعضها الآخر. القرآن الكريم يشير الى الفطرة الانسانية ومتعلقاها في قوله تعالى:
- «فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله» (الروم: 30).
- «ولقد كرمنا بني آدم» (الإسراء: 70).
- «هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا» (الإنسان: 1-3).
- «فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره» (الزلزلة: 7و8)
- «من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها» (فصلت: 46)
- «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائلَ لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم» (الحجرات: 13).
ولشرح التكريم يقول السيدمحمد حسين الطباطبائي في تفسير «الميزان»: «إن التكريم معنى نفسي، وهو جعله شريفا ذا كرامة في نفسه»، والانسان يختص من بين الموجودات الكونية بالعقل ويزيد على غيره في جميع الصفات والاحوال التي توجد فيها والاعمال التي بها.
تقارب مفهوم «العقد الاجتماعي» مع الطرح الاسلامي
التعاقد الاجتماعي الذي اعطانا مفهوم الدستور له جذوره الواضحة في المدرسة الاسلامية، اذا تعتبر «صحيفة المدينة» التي اصدرها الرسول (ص) عندما اقام حكومته في المدينة المنورة واتفق من خلالها مع المسلمين واليهود والمشركين على قواعد اساسية وتعاقدية يدافع كل طرف عن الآخر لحماية المدينة المنورة، ويضمن لكل طرف الاحتفاظ بمعتقداته من دون اكراه، وتعتبر هذه الصحيفة اقدم وثيقة تعاقدية من نوعها. بل ان القرآن الكريم طرح مفهوم التعاقد حتى في ابسط الامور، وهي الاستلاف «يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه، وليكتب بينكم كاتب بالعدل...» (البقرة: 282). تتصدر «صحيفة المدينة» عبارة مهمة تقول: «هذا كتاب من محمد بن عبد الله النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس» (انظر «السيرة النبوية» لباقر شريف القرشي).
يشير الشيخ راشد الغنوشي الى ان الصحيفة عندما تتحدث عن «أمة واحدة من دون الناس» انما تتحدث عن الامة السياسية وليست الامة الدينية. الامة الدينية (الاسلامية) ترتبط بشيء اكبر من صحيفة المدينة، ترتبط بالرابطة الدينية (الاخوة الاسلامية) التي تحدث عنها الاسلام كثيرا. والرابطة الدينية تعلو فوق الجغرافيا والتاريخ، بينما الرابطة السياسية محدودة بالجغرافيا وبالزمن.
ولذلك ان الرسول ( ص) قال عن «حلف الفضول» الذي عقد في الجاهلية للدفاع عن المظلوم انه يعتبره قائما وملزما عليه. وهو حضره شخصيا قبل الاسلام، اذ قال (ص): «لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان لو دعيت به في الاسلام لأجبت». وهذا التعاقد هو الاساس لرعاية مصالح الناس العامة على اساس المشاركة والتعاون.
يقول الشيخ ميثم البحراني (ت 1299م) وقبره حاليا في الماحوز/ أم الحصم في كتابه «شرح مائة كلمة للإمام علي» إن الحكمة العلمية ثلاثة اقسام «حكمة خلقية، وحكمة منزلية، وحكمة سياسية. وذلك لأن كل عاقل فلابد وأن يكون ذا غرض في فعله. وذلك الغرض إما أن يكون مختصا به في نفسه وهو علم الاخلاق (الحكمة الخلقية) وإما يكون مختصا به مع خواصه وأهل بيته وهو علم تدبير المنزل (الحكمة المنزلية) وإما أن يكون عائدا الى الانسان مع عامة الخلق، وهو علم السياسة».
ويضيف «وقد يزاد في الاقسام رابع، وهو غرض الانسان بالنسبة الى مدينته، وتسمى حكمة مدنية، وهو تعلم تدبير المدنية بكيفية ضبطها ورعاية مصالحها. وهذا علم لابد منه، لان الانسان مدني بالطبع، فما لم يعرف كيفية بناء المدينة وترتيب اهلها على اختلاف درجاتهم لم يتم مقصوده».
ويشرح الحكمة المدنية بالقول هي « كيفية المشاركة فيما بين اشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح الابدان ومصالح بناء نوع الإنسان». ان حديث الشيخ ميثم ليس بعيدا عن الطرح المتداول بشأن اجل المحافظة على حقوق الناس.
مقاصد الشريعة مدخلا لنهج تعددي
عندما نتحدث عن التقارب الشديد بين مدرسة القانون الطبيعي التي انتجت منظومة حقوق الانسان، والمدرسة الاسلامية، فاعلم ان هناك الكثير من المفارقات المطروحة على ارض الواقع. وهذه المفارقات والتحديات - في اعتقادي - قابلة لاعادة فهمها في ضوء الظروف الزمانية والمكانية من دون الاخلال بأساسيات الدين. وهذا الامر ليس خافيا على علماء المسلمين، بل ان أبا إسحق الشاطبي (ت 1388م) من المغرب العربي والمقارب عصره لعصر الشيخ ميثم البحراني طرح نظرية مقاصد الشريعة، وهي من اهم النظريات التي ارتكز عليها كثير من مفكري الاسلام في عصرنا الحديث (بدءا بمحمد عبده) لتأصيل منظومة حقوق الانسان إسلاميا.
فالشاطبي قال إن احكام الشريعة تستهدف مقاصدَ اساسية وهي الحفاظ على «الدين والنفس والعقل والنسل والمال». وهذه الاسس الخمسة تحتوي على كثير من الحقوق الطبيعية، كحق الحياة وحق التملك، وحق التحصيل العلمي وحق حفظ النفس من الاذى. لقد اعتبر الشاطبي هذه المقاصد من الضرورات الشاملة لجميع احكام الدين. وواضح من تسلسل الضرورات ان الشاطبي (ومعه علماء آخرون قبله كالجويني والغزالي) قدموا «الدين» على «النفس والعقل والنسل والمال». الدين هو ما يسمى أحيانا في التراث الاسلامي «حق الله» و «حق الطاعة» إذ يقول عز وجل: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» (الذاريات: 56)، «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء» (النساء: 48).
أما الاسس الاخرى فتشمل حقوق البشر، حقوق الإنسان التي لا يستقيم العدل إلا بحفظها «ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط» (الحديد: 25)، «وما جعل عليكم في الدين من حرج» (الحج: 78).
وواضح ان الاختلاف في مفهوم مقاصد الشريعة - لدى الشاطبي - مع مفهوم حقوق الإنسان المتداول عالميا، هو تضمين وتقديم حق الله على حق الإنسان. على ان هذا التسلسل المطروح لدى الشاطبي متأثر بكونه من الأشاعرة. فالأشاعرة يختلفون مع المعتزلة والإمامية بأنهم لا يفصلون بين الله وصفات العدل والجمال وغيرها. اذ يعتبرون العدل هو كل ما يفعله الله ولا توجد للعدل - مثلا - صفة مستقلة عن الذات الإلهية. بينما يرى المعتزلة والامامية أن الصفات - وأهمها صفة العدل - مستقلة عن الذات الالهية ويمكن فهمها بشريا وعقليا. ولذلك لا يجوّز الاشاعرة الحديث عن الصفات بصورة مستقلة.
المفكر الاسلامي الشيخ طاهر بن عاشور (وهو من تونس وتوفي مطلع السبعينيات وكان قد التقى محمد عبده وتأثر به) طرح فهما حديثا لمقاصد الشريعة وقال إن الهدف (المقصد) الاساسي للشريعة هو حماية الفطرة الانسانية وضمان حرية ارادتها (والفكرة الأخيرة ذكرها لي شخصيا الشيخ راشد الغنوشي في حديث عن هذا الموضوع).
هذا الفهم المتطور لمقاصد الشريعة بدأ يتداول أخيرا في الاوساط الاسلامية. وقد خصصت اهم مجلة فكرية تصدر باللغة العربية في قم المقدسة بايران «قضايا اسلامية معاصرة» عدة اعداد في الاعوام الماضية عن هذا الموضوع المهم، ودعت لاحياء علوم مقاصد الشريعة وفلسفة الفقه.
ولدينا من علماء المسلمين كالسيدمحمد باقر الصدر ممن طرحوا مفهوم «منطقة الفراغ» بقوة. اذ قال ان الجزء الاكبر من التشريع في الاسلام هو «منطقة فراغ» يسمح للانسان بتداول الرأي فيها واتخاذ قرار بشأنها على «اسس منطقية استقرائية». وهذا الطرح لايختلف في جوهره عن الرأي الذي تعمل به عدد من المناهج المؤمنة بحقوق الإنسان.
وعموما يتفق الإسلاميون على أن العقيدة هي أساس حقوق الإنسان وأن حقوق الإنسان تقع ضمن الاستخلاف الإلهي للإنسان. وكما يعبر أحدهم: «إن الإنسان في الإسلام مستخلف عن الله وضمن عهد الاستخلاف تنزل جملة حقوقه وواجباته ويتم التوفيق والتلازم بين الحقوق الفردية والمصلحة العامة، إذ قد تضمن كل حق للفرد حقا لله، أي حقا للجماعة، مع أولوية كلما حدث التصادم».
وجهات نظر تعددية
يذكر رضوان زيادة في دراسته التي نشرت في مجلة «المستقبل العربي» (أكتوبر/ تشرين الأول 1998)، أفكارا نوعية لشخصيات إسلامية تتعلق بحقوق الانسان والديمقراطية والتعددية، اذ يعتبر محمد الغزالي «حقوق الإنسان في الإسلام ليست منحة من ملك أو حاكم، أو قرارا صادرا عن سلطة محلية أو منظمة دولية، وإنما هي حقوق ملزمة بحكم مصدرها الإلهي لا تقبل الحذف ولا النسخ ولا التعطيل ولا يسمح بالاعتداء عليها ولا يجوز التنازل عنها».
أما علي عبدالواحد وافي فيؤكد أن «الإسلام هو أول من قرر المبادئ الخاصة بحقوق الإنسان في أكمل صورة وأوسع نطاق، وأن الأمم الإسلامية في عهد الرسول عليه السلام والخلفاء الراشدين من بعده كانت أسبق الأمم في السير عليها، وأن الديمقراطيات الحديثة لا تزال متخلفة في هذا السبيل تخلفا كبيرا عن النظام الإسلامي».
ويعتبر محمد عمارة حقوق الإنسان في الإسلام ضرورات لا حقوقا، فيقول: «إننا نجد الإسلام قد بلغ في الإيمان بالإنسان وتقديس حقوقه حدا تجاوز به مرتبة (حقوق) عندما اعتبرها ضرورات ومن ثم أدخلها في إطار الواجبات».
ويرى راشد الغنوشي أن «حقوق الإنسان في الإسلام تنطلق من مبدأ اعتقادي أساسي أن الإنسان يحمل في ذاته تكريما إلهيا، وأنه مستخلف عن الله عما في الكون، الأمر الذي يخوله حقوقا لا سلطان لأحد عليها».
أما يوسف القرضاوي فيرى أن «الإسلام عني بحقوق الإنسان قبل أربعة عشر قرنا من الزمان، كل إنسان من أي جنس كان، ومن أي دين كان، ومن أي إقليم كان، وذلك بناء على فلسفته في تكرم الإنسان من حيث هو إنسان».
ومع تزايد الاهتمام العالم بحقوق الإنسان كتب أحمد كمال أبوالمجد «إعلان مبادئ» سماه «رؤية إسلامية معاصرة»، ليجعل منها دعوة لتشكيل تيار إسلامي جديد متفق عليه وجعل من اسسها «مبدأ احترام حقوق الأفراد وحرياتهم إلا حيث تجور ممارسة تلك الحقوق على مصالح الكافة أو تعرضها للخطر». ويرى أن «من المؤسف له أن قضية الشورى وحقوق الإنسان لا تحتل في أكثر نماذج الفكر الإسلامي المنتشر بين الشباب الغاضب مكانها الصحيح».
الاستخلاف وحقوق الإنسان
لقد بدأ التأسيس الإسلامي لمفاهيم حقوق الإنسان وقبول التعددية في الرأي نهاية الأربعينيات مع العودة إلى استخدام المقولة القرآنية عن «الاستخلاف الإلهي للإنسان» على الأرض في مواجهة مقولة «القانون الطبيعي» التي تأسس عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948. وكان أول من طرح هذا الموضوع عبدالقادر عودة، ثم طوّر محمد عبدالله دراز فكرة التكريم الإلهي هذه استنادا إلى القرآن، فقال: إن الإنسان كرم من الله بأربع كرامات هي: كرامة الإنسانية والاستخلاف والإيمان والعمل. ثم نظر السيدمحمد باقر الصدر في نهاية السبعينيات لموضوع «خلافة الإنسان وشهادة الانبياء» قائلا: «ان الله سبحانه وتعالى شرف الإنسان بالخلافة على الارض فكان الإنسان متميزا على كل عناصر الكون بأنه خليفة الله على الارض». وتحدث السيد الصدر في مقام آخر عن صفات الله تعالى، مشيرا إلى ان هذه الصفات الالهية تعتبر المقاييس والضوابط الموجهة لسلوك الإنسان.
هذا التأصيل الاسلامي لمنظومة القيم مازال بحاجة للمزيد من التعميق لان منظومات القيم المطروحة عالميا اصبحت متجذرة في الانظمة العالمية سواء منها السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية. فبالاضافة لمفهوم «القانون الطبيعي» (الذي يتوافق مع كثير من مفاهيم الاسلام التي تتحدث عن الفطرة) هناك منظومات القيم القائمة على الفلسفات المادية والوجودية والعدمية وما يسمى فكر «ما بعد الحداثة» القائم على مجموعة من الفلسفات المذكورة بالإضافة للايمان بـ «النسبية» و «المنظورية». بمعنى ان الحق والباطل ما هما الا امور نسبية خاضعة للمنظور الانساني المتغير مع الزمن. فما هو خطأ في الماضي ليس بالضرورة خطأ في الحاضر وليس هناك حق (أو باطل) دائما ومطلقا.
التأصيل الاسلامي يتأخر عن الركب العالمي بسبب الجمود الفكري الناتج من الضغط السياسي المنتشر في البلاد الاسلامية. ولهذا ان التحديات الحضارية أمام المسلمين لا يمكن مواجهتها إلا باحترام الإنسان في ظل مجتمع مدني قائم على حكم القانون الدستوري. وهذه هي فحوى الدعوة التي وجهها السيدمحمد خاتمي في كلمته التي ألقاها أمام القمة الإسلامية في 9 ديسمبر/ كانون الأول 1997. إذ يعتبر ذلك الخطاب محاولة جريئة لتأصيل الطرح الإسلامي بخصوص المجتمع المدني وحكم القانون والحريات السياسية والمواطنة والتعددية. لقد استطاع خاتمي أن يقدم تصوره و «حلمه» الذي يسعى لتحقيقه في المجتمع. ولهذا إن دعوته لاعتبار «مدينة الرسول» المدينة المعنوية، هي دعوة لبناء النموذج النظري في الذهنية الإسلامية. هذا النموذج النظري الذي ينبغي له أن يتعاطى الخبرات الإنسانية المتطورة وتقديم «مدينة النبي» مرة أخرى للمسلمين على أنها مدينة تسمح بالحريات السياسية والدينية وتنافس «المدينة الغربية» في تقديم الحلول لإسعاد بني الإنسان في هذه الدنيا قبل الآخرة.
منطلقات لمعالجة الإشكالات
وفي هذا المجال قدم فتحي عثمان بحثا قيما ألقاه في مؤتمر الإسلام والحداثة الذي عقد في لندن في 1996 وتطرق بحثه للاشكالات والتحديات المطروحة أمام الاسلاميين ودعاهم لمصارحة انفسهم وتحديد مواقفهم تجاه جميع القضايا الحساسة والعالقة، واقترح المنطلقات الآتية لمعالجة الاشكالات:
- إن الله كرم بني آدم جميعا دون التفريق بينهم وان هذه الكرامة لا تخضع لأي فروقات مكتسبة (القرآن 17/70).
- إن الإنسان يتفوق على غيره من مخلوقات الله بفضل تحمله مسئولية الإنماء والإعمار (11/61). إن الإنسانية جمعاء تتحمل مسئولية التنمية من خلال التعارف فيما بينها (49/13).
- التنوع بين البشر أمر طبيعي ومطلوب، ولكن دون إخضاع البشرية لنمط واحد من طريقة الحياة. البشر مختلفون في قدراتهم ويختبرون في امكاناتهم للتعامل بصورة بناءة مع الآخرين بالاستعانة بالإرشاد الإلهي (5/48، 11/118-119).
- على المسلمين أن يستمعوا وأن يتعلموا من جميع التجارب الإنسانية (39/17ـ18).
- التغيير الاجتماعي له سنن تاريخية نافذة على الجميع من دون تفضيل أو استثناء (3/137، 4/26، 33/38، 35/43، 48/23).
- إن القرآن والسنة يمثلان المصدر الأساسي للأسس التشريعية وبعض التفاصيل الحياتية للمجتمع. وهذا الطرح يلزم ألا يناقض التزامات المواطنة وما يترتب عليها من واجبات معنوية وقانونية يخضع لها الجميع (5/1، 16/91ـ96، 17/34).
- التشريعات المدنية الإسلامية تخضع للأسس القرآنية العامة الداعية لموافقة وإجماع الأطراف المعنية والهادفة لتحقيق غرض إنساني مشروع (4/28).
- على المسلمين أن يتعاملوا مع بعضهم الآخر ومع غير المسلمين بالعدل والإحسان وألا يبدأوا بعدوان (60/8). ويجب ألا يكون هناك أي إكراه في الدين (2/256، 10/299، 11/28).
- المرأة لها كامل الحقوق السياسية والمدنية من دون تفريق بينها وبين الرجل. إدارة العائلة أمر ينبغي الاتفاق عليه بين الزوجين (2/233). الرجل والمرأة عليهما التزامات مشتركة ومسئولية تجاه بعضهما الآخر لمساندة دورهما في الحياة العامة (9/71).
- الحاكم جزء من المجتمع، يؤتمن على إدارة المصالح العامة، وبالتالي إنه مسئول أمام الامة، وخاضع للمحاسبة العامة (4/59).
مرتكزات الاتجاه التعددي الاسلامي
وفي العام 2000، لخصتُ (منصور الجمري) والباحث التونسي رفيق بوشلاكة مبادئ تعددية لعمل إسلامي سياسي. والمقصود بالطرح الإسلامي التعددي هو حالة التعاقد المعنوي نحو إطار عام ناظم للحقوق الفردية والعامة في إطار الأرضية الإسلامية الواسعة. فالإسلاميون لديهم اجتهادات وآراء سبق أن أفصحت عنها رموز فكرية وقيادات سياسية إسلامية ولكنها بقيت مبثوثة في بطون الكتب ومتناثرة عن بعضها بعضا من دون أن ترتقي إلى مستوى الصياغات الوثائقية الدقيقة والمختصرة. ويمكن إرجاع المرتكزات الأساسية لميثاق إسلامي تعددي إلى المبادئ الآتية:
1. التوحيد: وهو الاعتقاد بالله الواحد والخالق المتعالي تتأسس بمقتضاه المفردات الآتية:
أولا: قيمة المساواة التامة بين البشر دونما تمييز على أساس الدين أو العرق أو اللون أو اللغة أو الجنس. فالناس متساوون أمام الله كما هم متساوون فيما بينهم وهم متكافئون في الكرامة الإنسانية ولا تفاضل بينهم إلا في مجال الفضائل المكتسبة، أما في مجال الحقوق الإنسانية فهم متساوون تماما. فهذا التوحيد المطلق لله يلغي كل أشكال الحلول المادي الروحي سواء كان ذلك في شكل هيئة دينية رسمية أو هيئة سياسية أو جماعة قومية معينة؛ لأن الله سبحانه ليس مِلكا لقبيلة أو جماعة قومية مبجلة ولا ملكا لجهاز ديني يدعي لنفسه حق السدانة الروحية ولا لجهاز سياسي يدعي لنفسه حق القيمومة والوصاية السياسية باسم المقدس الديني، بل هو سبحانه منفتح على جميع الخلق ضمن علاقة حرة ومباشرة لا وسائط ولا مراتب فيها ومنفتح على جميع آفاق العالمية والكونية الإنسانية.
ثانيا: تتأسس بموجب مبدأ التوحيد والتنزيه المطلق مشروعية الاختلاف والتعدد في مستوى الكون وعالم الإنسان. فإذا كان الله سبحانه توحيدا مطلقا فكل ما عداه في هذا الكون تعدد واختلاف. وهذا التعدد يعبر عن نفسه في مستوى النسيج الكوني بتعدد مشاهد الخلق في عالم النبات والحيوان والطبيعة وفي عالم الإنسان حيث يتراءى هذا التنوع في مستوى اختلاف الأجناس والألوان والألسن والعقائد والملل. وهذا التعدد ليس باعثا على النفرة ولا موجبا للإلغاء، بل هو موجب للتدبر أو التعارف بالتعبير القرآني «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائلَ لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم» (الحجرات: 13). فالتعدد والتنوع لا يلغيان وحدة العائلة الإنسانية الموصولة بوحدة الأصل ووحدة الخلق والمصير. «كلكم لآدم وآدم من تراب».
وعلى هذه الأساس فإن الإسلام لا يبتغي وحدة التجانس والتطابق، بل وحدة التنوع والاختلاف، أي: تأسيس وحدة مركبة من نسيج الاختلاف والتعدد. فكل ما يراهن عليه الإسلام هو حسن تنظيم وتأطير هذا الاختلاف والحيلولة دون عدّه مصدرا للتدابر والتقاتل. ومن مفضيات هذا التصور العام يتأسس التعدد الديني والقومي واللُغوي في نسيج المجتمع، ففضاء الأمة الإسلامية ليس لاغيا للاختلافات الاجتهادية والمذهبية والقومية، ولا باعثا على العداوة والبغضاء مع الأمم الأخرى المتباينة في العقيدة والتصور. كما أن هذا الاختلاف والتعدد القائم على معاني الرحمة الإلهية ليس دافعا للوحشة والضياع؛ لأن الاختلاف امتلاء بالمعنى وليس فراغا في الدلالة وتجويفا في المعنى كما هو الأمر في فلسفات العدمية والمدارس التأويلية المعاصرة التي تجعل من الاختلاف بوابة للقلق والتِّيه.
ثالثا: السيادة في الأساس لله، ولا سيادة لأحد على غيره من البشر من دون تعاقد ينظم العلاقات الإنسانية لتداول السلطة وحماية مصالح المجتمع بما يضمن سيادة الإنسان على شئونه، كما يوضح ذلك مفهوم الاستخلاف الذي يلغي كل أشكال التعارض والتناقض بين مبدأ السيادة الإلهية المطلقة وحرية الإنسان في الكون وتحديد مصيره.
2. الفطرة والكرامة الإنسانية: تعد الفطرة في مبنى التصور الإسلامي العام مصدرا مهما إلى جانب النص الديني، والمقصود بالفطرة «حالة الجبلة الطبيعية المركوزة في أصل الوجود الإنساني والتي لا يمكن التنازل عنها أو التهاون في طلبها». وفي مقدمة ذلك ميل الإنسان الفطري أو الطبيعي لاكتساب الحرية وكل الفضائل الإنسانية الداعمة لكرامته ورقيه الأخلاقي والوجودي ونبذه كل ألوان القيد والقسر. فالأصل في الإنسان هو الحرية أما القسر أو الإكراه فهو قيمة مناقضة ومشوهة لهذا الأصل.
ان حرية الإنسان واحترام كرامته تدخلان ضمن الحقوق الفطرية التي لا معنى للوجود الإنساني من دونها وهي أكثر من ذلك ليست منة أو عطاء يتكرم به شخص أو جماعة بقدر ما هي حق طبيعي لا يجوز التنازل عنه أو التفريط فيه. ولذلك إن مهمة النظام الاجتماعي والسياسي توفير كل وسائل الدعم والحماية لحريات الناس وكرامتهم وتوفير كل الآليات القانونية والعملية التي تكون حاجزا دون انتهاك الحقوق الفطرية للإنسان.
3. مبدأ الإستخلاف: يقوم التصور الإسلامي على استخلاف الله الإنسانَ باعتباره أكرم المخلوقات قد اختصه من بين سائر خلقه بالفعل والتعقل والقدرة على التجاوز وسخّر له ما في السماوات والأرض ووكل له عمارة الأرض وإقامة العدل. وعلى رغم أن الإنسان في مبنى التصور الإسلامي هو أفضل المخلوقات وأرفعها، فإنه ليس الكائن المنفرد والوحيد في هذا الكون الرحب، بل يتجاور ويتعايش مع مخلوقات أخرى يجب عليه إحاطتها بالأُلْف والرعاية ويجب عليه حسن القيام على معاني التسخير الكوني من دون رهبة أو وجلة من هذا الكون الفسيح من عنه ولا عبثا واستهتارا في مكنوناته ومخزوناته. وتتأسس بمقتضى هذا التصور الاستخلافي:
أولا: تأسيس قيمة الحرية الإنسانية ورفض كل أشكال العسف والإكراه وذلك استنادا إلى الميثاق التأسيسي الأول الذي أعلن فيه الله سبحانه حرية الكائن المُسْتَخْلَف وأشهدَ ملائكته على هذا الحدث الجلل، فإذا كان مقام الاستخلاف هو الإنابة عن الله في الأرض فهو أمر موكول للإنسان الموصوف بالحرية بأتم معنى الكلمة بما في ذلك حرية الاختيار الديني والانخلاع من كل ضروب الإكراه والعسف، «وقُلِ الحق من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» (الكهف: 29)، و «لا إكراه في الدين» (البقرة: 256).
ثانيا: إقامة هذه الحقوق الإنسانية على أساس متين، بحيث إن الاعتداء على أي حق من حقوق الإنسان يعد انتهاكا لحرمات الدين وفي مقدمة ذلك حقه في اعتقاد حر غير مدخول بإكراه أو خوف. وبشيء من المقارنة يمكن القول إن مصدر الحقوق التي أعادها الفكر الليبرالي الغربي إلى ما أسماه «الحقوق الطبيعية» يُرجعها الإسلام إلى أصولها الدينية المتعالية التي أقرت ابتداء برفعة المكانة الوجودية والأخلاقية للإنسان. فهذه الحقوق لا يمنعها مانع أو يحجبها حاجب مهما كانت المبررات والأسباب؛ لأنها ممنوحة من الله سبحانه. فهنا تغدو الحقوق واجبات مقدسة لا حق لأحد الاعتداء عليها أو التفريط فيها؛ لأنها ملك للخالق الأوحد والإنسان مؤتمن عليها ومطلوب منه التصرف في تلك الوظيفة على الوجه الأكمل والمنسجم مع قيم الاستخلاف الإلهي له. فمحافظة الإنسان على حياته وتوفير مقومات بقائها وترقيها ليست حقا خاصا يستطيع الإنسان أن يفرط فيه بالانتحار مثلا أو الإهمال والتجويع والانتقام، بل هي حق إلهي استُخْلِف عليه الإنسان وكذا رفض الظلم والإكراه والعدوان ومصادرة حرية الإنسان ليست مجرد حقوق مستمدة من الأصل الطبيعي بل هي واجبات دينية يثاب على فعلها ويعاقب على تركها.
ثالثا: يدخل ضمن مبدأ الاستخلاف الأمانة التي ألقاها الله على الإنسان لإعمار الأرض وتهيئتها للعيش الآمن بين الإنسان وأخيه الإنسان. والإعمار يعتبر مسئولية تشترك فيها المجموعة الإنسانية لتنمية البنى التحتية وتطوير الوسائل الحياتية بما يلائم الرقي الحضاري المؤسَّس على الخبرات الإنسانية. وحق التنمية الذي أشارت إليه مواثيق الأمم المتحدة يندرج تحق عنوان الإعمار والحفاظ على الأمانة التي أشار إليها القرآن الكريم.
4. العدل الاجتماعي والسياسي: العدل اسم من أسماء الله الحسنى ومن أوكد واجبات المسلم التخلّق بقيم الله الحسنى وتجسيدها في مجال حياته الخاصة والعامة. ولذلك إن إقامة النظام السياسي والاجتماعي العادل هي من أجلى مظاهر العدل التي يقوم عليها التصور الإسلامي. والمقصود بالعدل السياسي والاجتماعي هنا: المساواة في الفرص بين المواطنين وتجنب كل أشكال الحيف والتمييز على أساس الدين أو اللون أو المذهب مع ضمان التكافؤ في الفرص وإمكانات الكسب والترقي المادي والمعرفي.
وعلى رغم أن مدارس الفكر الإسلامي التقليدي وفي مقدمتها مدرسة الاعتزال قد كان لها فضل إبراز مبدأ العدل الإلهي وما يلازمه من اعتراف بقيمة الحرية والمسئولية الإنسانية، فإن هذا المبحث قد غلب عليه الطابع العقائدي المجرد واستغرقته القضايا الكلامية الصورية، في مقابل ذلك لم يتم تناول موضوع العدل السياسي والاجتماعي إلا على سبيل التلميح.
إن من أوكد أولويات الفكر الإسلامي الحديث والامتداد بهذا البعد العقائدي إلى مستوى تعبيراته السياسية والاجتماعية التاريخية وتحويل هذه القيمة من مجال السجالية الكلامية إلى الحيز الاجتماعي الحي. كما أن من المهم توجيه الانتباه إلى أن قيمة العدل تتساوق مع الحرية أو هي بصيغة أخرى الوجه الآخر للحرية؛ لأن لا معنى للعدل الاجتماعي أو السياسي إلا في إطار من الحرية الكاملة.
من المعلوم أن الفكر الإسلامي التقليدي قد غلّب قيمة العدل على الحرية واكتفى عموما بتحويل قيمة الحرية إلى مجرد مواعظَ أخلاقية لا غير، مقابل تأكيد مبدأ العدل بصفتها خصلة فردية من خصال الحاكم، وعلى هذا الأساس وجب إعادة التوازن للفكر السياسي الإسلامي بتأكيد أولا مبدأ العدل على أنه قيمة اجتماعية سياسية وبنية علاقات عامة لا مجرد خصلة فردية، وثانيا اعتبار قيمة الحرية متساوقة ومتساندة ضرورة مع العدل، بل لا معنى للعدل والمساواة من دون الحرية؛ لأن الحرية هي باختصار شديد الوجه الآخر للعدل.
5. مبدأ التعاقد: إن مبدأ التعاقد (إقامة العلاقات السياسية والاجتماعية على أساس دستوري) يعد قيمة راسخة في مبنى العقيدة الإسلامية ومجال الاجتماع الإسلامي وليس عنصرا مستحدثا في مجرى الوعي والتاريخ الإسلاميَّين. ففي مستوى التصور الإسلامي ترتكز علاقة المسلم بالألوهية على حال التعاقد التأسيسي الأول أو ما أسماه القرآن الميثاقَ الغليظَ بين الله سبحانه وبين عموم الخلق الإنساني الذي كان آدم (ع) رمز شهوده.
أما على مستوى التجربة التاريخية الإسلامية فقد كانت وثيقة «صحيفة المدينة» التي دوّنها الرسول (ص) لتنظيم العلاقات السياسية العامة في المدينة بين المسلمين والمشركين من عرب المدينة وقبائل اليهود والنصارى أول عقد سياسي مدوّن ومنضبط في التاريخ السياسي الإنساني، كما كانت هذه الوثيقة (صحيفة المدينة) ذات سبق في تأسيس قيم التسامح والتعددية الدينية في الدولة الإسلامية التي قامت على أسس دينية وقومية تعددية. وبموجب هذه القيم التأسيسية الكبرى أصبح التعاقد إليه راسخا ومعهودا في حياة المسلمين الفردية والعامة.
وعلى رغم أن التاريخ السياسي الإسلامي لم يكن تعبيرا وفيا ولا منسجما في الغالب مع الثورة الأخلاقية والروحية التي أحدثها الإسلام بحكم سيطرة قيم القبيلة وتأثيرات الحكمين الروماني والفارسي القديمين، فإن هذا الغياب التاريخي لم يلغِ قيمة التعاقد السياسي التي بقيت محل تأكيد في الخطاب السياسي القديم والحديث.
العدد 1966 - الأربعاء 23 يناير 2008م الموافق 14 محرم 1429هـ