تصريح وزير العدل والشئون الإسلامية الشيخ خالد بن علي آل خليفة لـ «الوسط» أمس الأول بأن «لا يجوز للجمعيات السياسية أن تغير أسماءها إلى أحزاب» يثير أفكارا عدة، لأن ما لدينا حاليا من تشكيلات باسم جمعيات سياسية ليست بعيدة عن الأحزاب، ولكني أتفق مع الوزير على التسمية، ولكن أسبابي تختلف عن أسبابه.
فالحزب السياسي في البلدان الديمقراطية يتشكل على أساس مجموعة من الأفكار، ويشمل كل فئات الوطن، ويتمكن الحزب من تشكيل حكومة، ويتسلم قائد الحزب رئاسة الوزراء. ولو راجعنا هذه المعطيات فلن نراها موجودة لدينا، ولذلك تغيير التسمية إلى حزب ليس له معنى.
فمن جانب، إن الحركات والجمعيات والاتجاهات في بلداننا تتشكل على أساس طائفي أو إثني أو قبلي أو شيء مختلط من هذه التصانيف، وهذه الأسس لا تعمّ ولا تخدم كل الوطن. وبالتالي فإن الحزب الذي يتخذ اسما من الأسماء إنما هو في نهاية الأمر مجرد طائفة أو قبيلة أو إثنية محددة تتعامل مع الطوائف والقبائل والإثنيات الأخرى من باب «نحنُ وهُم».
الحزب السياسي يجب أن يكون شاملا بأفكاره مختلف فئات الوطن، ومن حق أي فرد من أية فئة أن ينتمي أو لا ينتمي إلى الحزب. كما إن أفكار الحزب يجب أن تمثل وجهات نظر غير منحصرة في طائفة أو قبيلة أوإثنية؛ لكيلا يكون التحزب وسيلة لتفتيت المجتمع. فالحزب الذي لا يمكن أن ينتمي إليه إلا أبناء فئة معينة ينتهي به الأمر إلى حال انفصالية (فعلية أو نفسية) عن باقي فئات المجتمع. أما الحزب الذي يعتمد في انتمائه على الأفكار المتحركة والقابلة للتعاطي مع مختلف الفئات فبإمكانه أن يؤسس نهجا وطنيا جامعا.
ثم إن الحزب السياسي لا يصنفه أكثر الباحثين ضمن «المجتمع المدني»؛ لأنه يسعى (بالطرق الشرعية) إلى الإمساك بالحكومة التي تمثل جزءا أساسيا من الدولة. وبالتالي فإن الحزب السياسي محسوب على طرف الدولة حتى لو كان معارضا؛ لأن معارضته إنما هدفها الوصول إلى سدة الحكم ورئاسة الحكومة. وما هو موجود لدينا بعيد كل البعد عن هذا الطرح، والجمعيات السياسية لدينا أشبه بمنظمات المجتمع المدني التي تمارس نشاطا من أجل الضغط على الحكومة للحصول على مطالبَ محددة. وحتى الدخول في البرلمان إنما هو مساحة أوسع لممارسة الضغط أكثر منه أي شيء آخر.
ولذلك، فإن تغيير اسم الجمعيات السياسية إلى أحزاب يتطلب أمورا كثيرة من جانب الجمعيات ومن جانب النظام. فالجمعيات عليها أن تتحول من طوائف (أو فروع لطوائف) وما شابه إلى أحزاب وطنية جامعة. كما إن الدستور سيتطلب تغييرا جذريا بحيث يفسح المجال للحزب السياسي المنتصر في الانتخابات أن يتسلم رئاسة الحكومة... وما دون ذلك فلا حاجة إلى تغيير المسميات فقط، بل ربما ينبغى تحويل الجمعيات السياسية إلى نوادٍ فئوية.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1965 - الثلثاء 22 يناير 2008م الموافق 13 محرم 1429هـ