يشتبك الشعب الفلسطيني ودولة «إسرائيل» في كفاح مسلح مستمر تقريبا، مع انعدام عملية سلام ذات معنى، وظهور أعمال متطرفة في الأرجاء كافة. في العام 2002 بدأت «إسرائيل» بناء جدار أمني يفصلها عن المناطق المحتلة، وانتخب الفلسطينيون، وإن كان لأسباب إنسانية جزئيا، حكومة حماس في بدايات العام 2006. يريد كل طرف الأمن ولكنه يتصرف كأنما يريد معاقبة الآخر.

في السنوات الإحدى عشرة الأخيرة لم يتخذ سوى القليل من إجراءات بناء الثقة، ولا يقوم أي طرف ببذل الجهود الضرورية لحل النزاع. من المرجح، أن يكون لتصرفات «إسرائيل» نتائج أكثر قسوة وبعدا عن تلك المترتبة على جيرانها الفلسطينيين. فالانتخابات البرلمانية الفلسطينية تجرى مرة كل أربع سنوات، ويستطيع الناخبون إقصاء «حماس» عن السلطة. ولكن لا توجد هناك بنية أساسية أو نية لإعادة دراسة مسار الجدار الأمني كل أربع سنوات. يبدو أن الجدار سيبقى لعدة سنوات مقبلة.

يقف الجدار الذي يبلغ طوله 760 كيلومترا على أراضٍ فلسطينية بشكل رئيسي، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية للكثير من الفلسطينيين، وخصوصا في منطقة القدس. وعلى رغم أن هدفه المعلن كان فصل الإسرائيليين عن الفلسطينيين، فإنه يفصل فعلا الفلسطينيين عن الفلسطينيين في القدس. ويعيش 241 ألف فلسطيني من المسلمين والمسيحيين في القدس الشرقية، ويشكلون 33 في المئة من سكان المدينة.

بعد ثلاثين يوما من احتلال القدس الشرقية العام 1967، مدت «إسرائيل» سلطتها إلى القدس الشرقيّة. ولم يوضع اهتمام خاص بتداعيات هذا العمل المتعجل، وأصبحت الحدود التي تم رسمها مفعمة بالمشكلات. وتشكل الأحياء العربية جزءا لا يتجزأ من المدينة.

ويعتمد السكان على القدس في نواحي حياتهم كافة، من التعليم والرعاية الصحية إلى فرص العمل والتجارة والحياة الاجتماعية. إلا أن حرب العام 1967 تركت أحياء بأكملها خارج الحدود البلدية للقدس، وتم إعطاء سكانها بطاقات برتقالية اللون، كالتي تعطى لسكان المناطق المحتلة. وإضافة إلى ذلك تم تقسيم أحياء معينة مثل صور باهر وجبل المكبر وبيت حنينا إلى جزءين: جزء تُرِك خارج حدود المدينة وبقي الآخر داخلها.

في هذا الوضع الغريب يمكن لأحد السكان أن يحمل بطاقة برتقالية بينما يحمل قريبه في الحي نفسه بطاقة إسرائيلية زرقاء. اختارت «إسرائيل» إنشاء الحاجز الأمني في القدس على حدود العام 1967 بدلا من حدود العام 1949 المعترف بها دوليا والتي يطلق عليها «الخط الأخضر».

الآن وبعد إنشاء الحاجز أصبحت الطبيعة الخلافية لهذه الحدود واضحة أكثر فأكثر، وكذلك الأثر المتزايد على السكان الفلسطينيين. ويقطع الحاجز الأمني الفلسطينيين في القدس الشرقية، الذين طالما اعتبروا القدس مركزا روحيا وثقافيا ودينيا، عن إخوتهم الفلسطينيين في القدس الغربية.

وإضافة إلى ذلك، يمنع الحاجز سكان الضفة الغربية من دخول القدس، الأمر الذي دمر أعمال تجار القدس الشرقية وقوّض الاقتصاد فيها. وأخذ سكان القدس الفلسطينيون اليائسون بترك القدس بحثا عن مصادر الرزق في مكان آخر.

يفصل الحاجز كذلك بين الأسر الفلسطينية. في جبل المكبر يمر الحاجز وسط الحي، فيترك بعض السكان داخل حدود المدينة ويترك آخرين خارجها. ويفرق هذا الأب عن الابن عندما يجدان أنفسهما على جوانب مختلفة من الحاجز، فيجري انقطاع الحياة الأسرية حيث لا يستطيع الأقارب أن يلتقوا حيث يصبح الوصول إلى القدس، وهي مركز لقاءاتهم الاجتماعية، غير ممكن.

أصبحت المنازل خارج حدود القدس خالية بعد أن هجرها سكانها، إلا أن نداءات النجدة الصادرة عن سكان جبل المكبر لم تمر دون انتباه. في عمل من أعمال النية الحسنة قام سكان حي يهودي مجاور هو حي أرمون هاناتزيف بالاستجابة للنداء. منذ العام 2002 ساند هؤلاء السكان العمل القانوني المتخذ لتغيير مسار الحاجز، بما في ذلك الاستئناف المقدم إلى المحكمة العليا من قبل سكان ضاحية الشيخ سعد الذين أمثلهم. ينتظر السكان اليهود، جنبا إلى جنب مع جيرانهم العرب، قرار المحكمة العليا آملين في تغيير مسار الجدار الأمني، وهم يتصلون بي يوميا تقريبا للحصول على معلومات عن آخر التطورات.

لقد فهم هؤلاء الناس من فترة طويلة ما لا يفهمه الكثير من زعمائهم حتى الآن: يجب أن يبدأ السلام بين الأفراد، تماما مثلما يشعر اليهودي الإسرائيلي ألم جاره الفلسطيني وأساه فيساعده بنشاط على الوقوف على قدميه مرة أخرى.

هذا النوع من الاهتمام باخوتنا في البشرية يجب أن يكون متبادلا بغض النظر عن الجغرافيا أو العرق أو الدين. وهذا هو الأسلوب الوحيد لبناء الثقة وتحقيق التعايش بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والذي يمكن لشعبين أن يعيشا فيه جنبا إلى جنب بسلام وأمن.

لقد حان الوقت لوقف هذه الأعمال المتطرفة التي لا تخدم سوى تقويض مصالح الشعبين. ويجب علينا أن نستخدم نافذة الفرص التي قدمتها قمة أنابوليس وأن نبدأ عملية سياسية مستمرة ستؤدي إلى تسوية سلمية وحل شامل للنزاع.

نأمل أن تضع التطورات السياسية نهاية لمعاناة سكان القدس الفلسطينيين وأن يسقط هذا الجدار في نهاية المطاف، مثله مثل جدار برلين.

*محامٍ في مجال حقوق الإنسان بالقدس والمناطق المحتلة، وقام بتمثيل عدد من القرى والأحياء الفلسطينية في قضايا تخص الجدار الأمني الإسرائيلي، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»