أطرف ما يقوم به المرء في حياته من حماقة هو الفرار من المعلوم القاسي إلى المجهول الأعمى. وهو ما بدأ يلجأ إليه بعض المتثيقفين بمحض إرادتهم هذه الأيام نتيجة عُقَد نفسية مهووسة بالاستغراق في جلد الذات حتى النخاع، فلا يحِدّ هذا الجلْد مبدأ ولا تحدّه ضوابط سوى (الانبطاح) بعناوين حداثية مارقة.
كثيرون هم الذين أعادوا قراءة مسارات حياتهم وبدأوا بتصحيحها من دون أن يضطروا إلى التخلي عن مبادئهم أو أن يدوسوا بأقدامهم مراحل تكوينهم، ومن دون أن يهزأوا بقيمهم ويسخروا من المحيط الذي ترعرعوا فيه وينزلون به إلى الحضيض. بحثوا عن مواطن الخلل فعملوا بكل «رزانة» على سد ثغراتها بمشروعات مخلصة بعيدة عن النفخ الإعلامي الفارغ، وحققوا النجاح تلو الآخر ولم يهينوا ثقافة أحد.
كل الذين كانوا يبحثون عن الانفتاح الموزون في حدوده والوسطية الفكرية واللاعنف العقيدي وصلوا إلى مبتغاهم، واستقروا عند نقطة الهدف، باستثناء أولئك الذين بدأوا مسيرتهم بالتزمت الديني ثم أفاقوا من حماستهم على دقات طبول «اللادينية»، وأخذوا يحاربون التسقيط الفكري، فكانوا أول من يسقّط الناس ويسخر من ثقافتهم يوميا على أسطره المتقلبة، ليعلمهم أن مفاتيح الحياة بيده فقط.
إذا ضاقت بك طموحاتك في أطر الدين، فجميل أن تبحث عن أبوابها الواسعة في «دكاكين» مسح أحذية الكبار بذريعة «فوبيا رشق الحجارة» والتحرر «الأنثروبولوجي» الذي يسلب الناس عقولهم ويجعلها في حِجرك لوحدك! هناك ستجد ضالتك حتما كما وجدها غيرك.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 1964 - الإثنين 21 يناير 2008م الموافق 12 محرم 1429هـ