العدد 1964 - الإثنين 21 يناير 2008م الموافق 12 محرم 1429هـ

إجهاض تحقيق التمييز وجه آخر لشرعنته

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

للمرة الثانية في غضون أسبوعين تجهض قوى التمذهب السياسي في البرلمان طلب تشكيل لجنة للتحقيق في التمييز الوظيفي وكأنّ مجرد الحديث في الإطارالتشريعي عن هذا السرطان المستشري في جسد الوطن من المحرّمات في زمن الإصلاح والديمقراطية. هذه المواقف تستند إلى مبررات واهية لا تستقيم مع المواثيق الدولية التي وقعتها مملكة البحرين. كما أنّها تكشف عن مدى العصبية، وحجم التناقض بين القانون المكتوب المتمثل في قانون الخدمة المدنية المستند إلى دستور المملكة، والقانون غير المكتوب الذي يستند إلى الممارسات غيرالمسئولة لبعض قوى الاستئثارالتي تمكنت من اختراق النظام الإداري في كثير من الأجهزة الرسمية وغيرالرسمية وتجييرها لصالحها وحدَها دونما اعتبار للمصلحة الوطنية الجامعة.

مبررات واهية ومنطق لا يستقيم

تضع قوى التمذهب السياسي نفسها في تناقض صارخ ومحرج، فتارة لا تعترف بوجود شيء اسمه تمييزعلى رغم من استفحاله بلونه الفاقع الذي لا تخطأه لغة الأرقام وتقاريرالدول الحليفة. وحتى إذا كان التمييز افتراضا غيرموجود، فلماذا الخشية من طرحه على طاولة الحوار؟ وإذا كان بحثه يثيرالطائفية فماذا تثير ممارسته؟ وتتبدل نغمة قوى المذهبية السياسية فجأة فتعتبر ممارسة التمييز أمرا طبيعيا؛ لأنه لا يقتصرعلى المذهب بل يتعداه؛ ليشمل التمييز على أساس الانتماء القبلي والأصل والعنصر. وما دام بهكذا شمولية فلا يجب ملامسته.

وهذا عذر يفوق في قبحه ممارسته، لكونه يؤسس لمجتمع منشطرعلى أساس العرف والمذهب والقبيلة. فهل هذا هو شكل المجتمع الذي نريده في عصر نطمح فيه إلى إصلاح الوطن؟

إنّ اعتراف أطراف المذهبية السياسية بشمولية التمييز في مجتمعنا يجعل من المسئولية لمعالجته مضاعفة. فإذا كان التشعب بهذا الحجم فماذا تنتظرهذه الأطراف لمعالجته؟ وهل ستتحمل هي وحدَها مسئولية الأضرار والتبعات الضارة على الغير لقاء تسترها وسكوتها عن هذه الممارسات غير المسئولة؟ وهل يبررشمولية هذه الظاهرة مبررا لتجنب معالجتها؟

إنّ مبررات قوى التمذهب السياسي لا تستند على حقائق فإذا كان مجرد البحث في ممارسات التمييز إثارة للطائفية، فهل التغاضي عنها والامتناع عن معالجتها كفيل بحلها؟ فمتى كان الامتناع عن معالجة الداء علاجا له؟

لقد اعتبرتْ هذه الأطراف أنّ التوظيفَ المعمولَ به على أساس الانتماء المذهبي يتناسق ومبدأ تكافؤ الفرص الذي نصّ عليه قانون الخدمة المدنية. فقانون الخدمة المدنية في موادّه المتعلقة بتفعيل النص الدستوري بشأن العدالة وتكافؤ الفرص نصّ صراحة على وجوب تطبيق آليات لتفعيل هذا المبدأ، ألا وهي آلية الإعلان في وسائل الإعلام المحلية عن الوظائف الشاغرة لإتاحة الفرص لجميع الراغبين في التقدّم لشغلها، وآلية خضوع المتقدّمين لاختبارات وظيفية تديرها جهات محايدة لقياس مستوى المتنافسين تمهيدا لاختيار الأفضل. وهذه الآليات لم يتولّ ديوان الخدمة المدنية تنفيذها؛ لكونه لم يتحمّل مسئولياته في تصميم الاختبارات الوظيفية، واكتفى بإجراءات التوظيف السابقة لصدورالقانون، ومن وراء حجاب. فكيف يمكن اعتبارهذه الإجراءات متمشية مع مبدأ تكافؤ الفرص؟ فهل اتيحت الفرص للجميع بصورة متكافئة؟ وهل ملء الشواغر بسرية تامة أوحجب المعلومات الوظيفية عن المجتمع هو ما نعنيه بمبدأ تكافؤ الفرص؟ إنه منطق لا يستقيم والمعاييرالمقبولة دوليا.

رسائل خاطئة في توقيت خاطئ

تبعث قوى التمذهب السياسي بمواقفها هذه رسائل خاطئة للداخل والخارج، فعلى المستوى الخارجي جاء رفضها لمناقشة مسألة التمييز في وقت نحن بحاجة فيه إلى إبراز الجوانب الإيجابية في مسيرة الإصلاح من خلال عرض المملكة لتقريرها عن حقوق الإنسان أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. فإلى أيّ مدى يستقيم موقف قوى التمذهب السياسي هذا مع الأهداف الحكومية في هذا المجال؟ ألا يشكّل هذا الموقف الرافض لمجرد الحديث عن ممارسات التمييز إحراجا لنا جميعا؟ ألا يفتح الباب واسعا للتدخلات الخارجية وبغطاء شرعي هذه المرة لغرض تدويل مسألة وطنية نحن أولى بمعالجتها؟

كيف لنا أنْ نرفض الاعتراف بالحديث عن مسألة توثقها تقاريرالدول الحليفة وتدعمها لغة الأرقام والحقائق التي لا يعترفُ العالم بسواها؟ فالعالم لنْ يسمعَ لمبررات عدم الولاء أو لمقولات الخير يخص والشر يعم والتي لا تصلح لغيرالاستهلاك المحلي.

وعلى المستوى المحلي تبعث قوى التمذهب السياسي بعدّة رسائل فحواها ما يلي:

- أن الآنتماء المذهبي يعلوعلى الانتماء الوطني. فحقوق المواطنة لا تسمن من جوع أو تؤمن من خوف ما دامت لا تتناسق والانتماء المذهبي. وهذا بدوره يؤسس لدولة مذهبية خلافا للدولة الوطنية التي نصّ عليه دستور المملكة وتحرص قيادتنا السياسية دوما على تنميتها.

- إنّ حكم القانون لا يعنينا -نحن المشرعين-، وبنود قانون الخدمة المدنية المتعلّقة بالجدارة وتكافؤ الفرص والمستمدة من دستور المملكة ليست للتطبيق على الواقع. ورفض وضع قانون يجرّم التمييز هو وجه آخر لشرعنته وهذا يعني تقويض دولة القانون التي أرادها المشروع الإصلاحي لجلالة الملك. فإلى أيّ اتجاه تسير قوى التمذهب السياسي؟

الانغلاق على الذات وقصر النظر

إنّ قوى المذهبية السياسية المحافظة منغلقة على نفسها وقد أعمتها مصالحها الآنية عن النظر إلى أبعد من شرنقتها، لذا نراها غير مدرِكة للتحوّلات السياسية على الساحة العالمية والإقليمية وغيرعابئة لما حدث في دول عظمى حليفة لنا اضطرت لأنْ ترخي قبضتها العنصرية لصالح أمنها واستقرارها وتقدّمها، في حين كابرت أنظمة شمولية كبيرة كالاتحاد السوفيتي وأخرى شمولية هامشية، فانهارت جميعها وتناثرت في مهب الريح؛ لأنها تشطرت من الداخل بفعل التمييز وإلغاء الآخر. فمتى نتعلّم من تجارب مَنْ سبقونا ونتخلّى عن كلّ العنتريات والعصبيات والبندريات التي ابتلينا بها في حين تخلّى عنها الآخرون؟ ومتى تدرك تيارات المذهبية السياسية أنّ ساحة البرلمان هي المكان الأنسب لمعالجة همومنا الوطنية؟ وإنّ إغلاق هذا المنبر أمام الشركاء المنتمين لهذه المؤسسة التشريعية إنما يشرع لأعمال أخرى خارج الشرعية. فالرفض يأتي بمثابة مباركة لأفعال لا يقرّها دستور المملكة وقوانينها ولك ما صدقت عليه من اتفاقيات دولية يضع عليها إلتزامات ومسئوليات أمام مواطنيها والمنظمات الدولية على حد سواء.

إنّ إساءة التقدير والاستخفاف ومحاولات الالتفاف على قبول المسئولية يشكّل استهتارا يدفع الوطن ثمنه في نهاية المطاف، وهذا ما حدا بالنائب علي سلمان للتصريح بأنّ التمييزسيقود البلاد إلى انفجار وسيدفع الجميع الثمن.

فلماذا الإصرارعلى دفع هذا الثمن الباهظ؟!

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 1964 - الإثنين 21 يناير 2008م الموافق 12 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً