شاء الله أن أستمع ومن دون قصد إلى كل من الشيخ حسن الصفار والشيخ أحمد الهاشم، وكل منهما كان يتحدث عن الإمام الحسين ومقتله وطبيعة العلاقة التي يجب أن تكون بين السنة والشيعة...
الشيخ حسن الصفار - لمن لا يعرفه - من علماء الشيعة البارزين في السعودية ومقيم في القطيف وله جهود كبيرة، علمية واجتماعية وقد أخذ على عاتقه الدعوة إلى التقارب بين السنة والشيعة وبذل - ولايزال - جهودا طيبة في هذا المجال.
أما الشيخ أحمد الهاشم - لمن لا يعرفه - فهو واحد من أشهر خطباء الجمعة في محافظة الأحساء ومسئول عن مكتب الدعوة فيها وله جهود طيبة في مجال الدعوة.
الشيخ الصفار كان يلقي درسا في اليوم السابع من أيام محرم وكان محور الحديث يدور حول التقارب بين أبناء البلد الواحد وأهمية الانفتاح على الجميع ليفهم بعضنا بعضا، لأن هذا الفهم هو بداية الطريق الصحيح للتقارب الحقيقي الذي يولد القوة والتلاحم بين جميع أبناء الوطن على اختلاف توجهاتهم الفكرية.
من الأشياء التي حرص الشيخ الصفار على إيضاحها أن هناك سوء فهم متبادلا بين الطرفين (سنة وشيعة)، وهذا يكرس للفرقة والاختلاف الذي يصل إلى حد تكفير كل طائفة الأخرى.
وقد حرص الشيخ على ذكر بعض الأمثلة التي يسمعها تتردد في أوساط بعض السنة مثل القول بوجود قرآن خاص بالشيعة، أو أن الرسالة نزلت - أساسا - للإمام علي بن أبي طالب وأن جبريل خان أمانته وأعطاها للرسول (ص)، كما أشار إلى ما يطلق عليه «ليلة الطفية» التي يقول البعض إنها موجودة عند الشيعة ليلة العاشر من المحرم.
أراد الشيخ في النهاية تأكيد أهمية التلاقي بين أبناء الطائفتين ليفهم كل منهم الآخر بصورة صحيحة، لأن هذا الفهم هو الذي يوجد التلاحم والقوة لكل أبناء المجتمع.
الشيخ أحمد الهاشم في خطبة الجمعة يوم 10 محرم تحدث في الخطبة بكاملها عن الإمام الحسين ومكانته العظيمة عند المسلمين وكذلك مكانة والده ووالدته - رضي الله عنهم - كما تحدث بإسهاب عن الأحاديث النبوية الواردة في فضل الحسين وأخيه الحسن - رضي الله عنهما - كما أشار كذلك إلى مكانة آل البيت جميعا وكيف أن صلاة المسلم لا تصح إلا إذا قال في صلاته: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد» وهذا كله مؤشر إلى عظم مكانتهم في قلوب المسلمين.
وأشار الشيخ في خطبته إلى حادث كربلاء وفظاعته وكيف أنه أثر سلبا على كل المسلمين...
وتحدث باختصار، كيف أن «البعض» يظن أن السنة لا يحبون أهل البيت، وأن هذه نظرة خاطئة؛ فحب أهل البيت جزء من عقيدة أهل السنة، لكنه حب يميل إلى الاعتدال وهذه - كما يقول - عقيدة أهل السنة في آل البيت جميعا.
الذي أود قوله - بعد أن اختصرت ما قاله الشيخان - إننا بحاجة ماسة إلى لغة الاعتدال ولغة العقل ولغة العلم، ونحن في أمسِّ الحاجة إلى دعوة العامة وبعض أدعياء العلم إلى الابتعاد عن الغلو وتحميل الآخرين ما لا يحتملون.
هذه الحاجة التي يحتاجها مجتمعنا المسلم في كل أنحاء العالم الإسلامي لن يقوم بها إلا العلماء الحقيقيون والمثقفون العقلاء الذين يدركون أهمية الوحدة في حياتهم وحياة بلادهم، وأن هذه الوحدة هي السبيل الوحيد لحماية بلادهم من الاعتداء الخارجي أو التمزق الداخلي.
علينا أن ننظر إلى ما حدث ويحدث في باكستان والعراق من قتل مستمر بين أبناء الطائفتين - السنة والشيعة - وعلينا أن ننظر إلى الجدل العقيم والاتهامات المتبادلة بين الفئتين - أيضا - في معظم الدول التي توجد فيها هاتان الطائفتان وكيف أن هذه الاتهامات المتبادلة أبعدت بعضهم عن البعض الآخر وأضعفتهم جميعا.
إن ما يحدث في بلادنا يحتم على كل علمائنا - كما قلت - أن يبادروا إلى دعوة مريديهم وتلامذتهم إلى التقارب مع أصحاب المذهب الآخر، وعليهم أيضا أن يتحدثوا معهم عن الشبه التي كانت - أو مازالت - عالقة في أذهانهم عن الطرف الآخر، هذه الشبه التي يرتكز عليها أهلها في كراهية الآخرين مع أن معظمها متهافت لا يستند إلى دليل.
أعداؤنا يلعبون على خلافاتنا، ويستفيدون منها لصالحهم، والتاريخ كله يؤكد أن العدو أول ما يستفيد منه هو خلافات من يريد استغلالهم أو احتلالهم، ومن العيب أن نمكن أعداءنا منا بسبب خلافاتنا.
وأخيرا... الشكر للشيخين على ما قدماه ونحن في انتظار آخرين يعملون بكل طاقاتهم لمصلحة الأمة كلها وليس لمصلحة طائفة وحدها...
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1964 - الإثنين 21 يناير 2008م الموافق 12 محرم 1429هـ